العدد 2321 - الإثنين 12 يناير 2009م الموافق 15 محرم 1430هـ

لماذا غزة وحيدة ولماذا ينهزم العرب؟

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

عندما سئل عبدالرحمن عزام أول أمين عام لجامعة الدول العربية لماذا انهزم العرب أمام «إسرائيل» في حرب 1948 وهم إحدى عشرة دولة حينها، فرد بجملة قصيرة «انهزموا لأنهم إحدى عشرة دولة» واليوم بعد مرور ستين عاما وبعد أن أضحت جامعة الدول العربية تضم اثنين وعشرين دولة إن لم تزد مستقبلا بفعل الانفصالات والانقسامات، فإنهم انهزموا مجددا أمام «إسرائيل»، هذا رغم كل التطورات الهائلة في العالم العربي والعالم، ومن ذلك إنهاء الاحتلال الاستعماري لأكثر من بلد عربي وتحقيق الاستقلال لجميع الدول العربية الواقعة تحت الاحتلال أو الحماية والوصاية ورغم الإطاحة بمعظم الأنظمة التي تسببت في هزيمة 1948 والمرتبطة بالاستعمار والغرب والتي تآمرت معه ومع الحركة الصهيونية لاغتصاب فلسطين، ورغم الإمكانيات الهائلة العسكرية والنفطية والاقتصادية والبشرية، ورغم التحول الهائل في العالم والذي حققته حركة التحرر العالمية في تصفية الاستعمار، والأنظمة العنصرية في جنوب أفريقيا وروديسيا، فما هي مشكلة العرب؟

في 1948 أدرك عبدالكريم قاسم قائد القوات العراقية في فلسطين، فيما يعرف حاليا بالضفة الغربية أنه مكتف من قبل بغداد وشاعت مقولة «ماكو أوامر» ولذلك قاد الزعيم عبدالكريم قاسم انقلابا في 14 يوليو/ تموز 1958 أطاح بالنظام الملكي ورجل النظام القوي نوري السعيد المسئول عن هزيمة الجيش العراقي في فلسطين، أما جمال عبدالناصر أحد قادة القوات المسلحة المصرية المقاتلة في فلسطين والمحاصر في الفلوجة لعدة أشهر فقد كتب في مذكراته حينها «إن المعركة في القاهرة، وليست في الفلوجة» وقد قاد عبدالناصر ثورة 23 يوليو 1952 التي أطاحت بالنظام الملكي المتآمر مع الإنجليز والصهاينة وتتالت الانقلابات في سورية ومحاولات الانقلابات الفاشلة في الأردن لإزاحة أنظمة كانت مسئولة عن ضياع فلسطين بما في ذلك الانقلابات اللاحقة في بلدان بعيدة مثل ليبيا والسودان واليمن والثورات في الجزائر واليمن، حيث اغتصاب فلسيطن عامل مهم في تحريكها.

ما هو واضح حينها أن الجيوش العربي التي قاتلت الصهاينة حينها تفتقد إلى جميع عناصر القتال الفعال فالأسلحة فاسدة والأوامر العليا متناقضة ومترددة والاستراتيجية مفقودة والتنسيق معدوم فلا هيئة أركان واحدة، ولا خطة واحدة بل أنها دون قوات الصهاينة عدة وعددا والفلسطينيون حينها أيضا غير موحدين، وكان هناك انفصام بين قيادتهم السياسية ويمثلها المفتي وقيادتها الميدانية ويمثلها الشهيد عبدالقادر الحسيني.

وبالطبع كان المعسكران الغربي بقيادة واشنطن والشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي ضدهم، من منطلقات متناقضة فالأول حليف للحركة الصهيونية ويريد أن يكفر عن محرقته ضد اليهود بمكافأتهم بوطن قومي على حساب العرب والثاني يعتقد أن القوى الاشتراكية والعمالية اليهودية المرغوبة ستقيم دولة الكادحين المتقدمة لكل أبنائها في وسط التخلف والرجعية العربية.

هذا في 1948 واليوم ونحن في 2009 وما بينهما حروب وهزائم تجرعها الفلسطينيون والعرب أبرزها عدوان 1956 وهزيمة 1967 والنصر المسروق في 1973 واجتياح لبنان في 1978 و1982 والحرب على لبنان في 2006 وأخرها الحرب الإسرائيلية ضد غزة والحروب والاعتداءات الإسرائيلية امتدت من مفاعل تموز في بغداد حتى الغارة على مقر منظمة التحرير في تونس، وعملية عناية البحري في الجزائر.

لماذا غزة وحدها ولماذا العرب مصابون بالشلل بعد 60 عاما؟ هم اليوم في حال أسوأ من 1948، فحينها قاتلت الجيوش العربية رغم تآمر أنظمتها، أما اليوم فهي تقوم بحراسة «إسرائيل» بعضها شريك فعلي في حصار غزة وإذا كان الشعب الفلسطيني حينها غير موحد تحت قيادة سياسية وعسكرية واحدة فإنه اليوم منقسم ما بين السلطة الفلسطينية المؤقتة في رام الله وسلطة حماس المقامة في غزة.

استفراد العرب والفلسطينيين

إذا كان العرب يخوضون الحروب ضد «إسرائيل» منفردين، باستثناء حرب أكتوبر المجيدة، فإنهم عقدوا صفقات التسوية معها منفردين أيضا وهذا يشمل القيادة الفلسطينية التي عقدت صفقة أوسلوا رغم المعارضة الواسعة للفلسطينيين في داخل فلسطين وخارجها، ولم تأبه حتى بأخذ رأي المجلس الوطني الفلسطيني واتفاق أوسلوا هو سبب الوضع المأساوي الحالي.

سؤل رئيس ورزاء مصر الأسبق نحاس باشا، زعيم حزب الوفد لماذا تعارض قيام جامعة الدول العربية فرد بسخرية صفر زائد صفر يطلع كام صفر فعلى امتداد أربعة وستين عاما لم تنفذ جامعة الدول العربية قرارا واحدا (باستثناء قرارات قمة الخرطوم بعد هزيمة 1967 ولفترة وجيزة) لتطبيق ميثاق الدفاع العربي المشترك، والذي يلزم أعضاء الجامعة بالدخول في حرب إلى جانب أي عضو بالجامعة يتعرض للعدوان.

وهكذا انفردت «إسرائيل» باختيار الجبهة التي تشن الحرب عليها وانفردت باختيار البلد الذي ستهاجمه، واثقة من أن الأشقاء العرب لن يهبوا إلى نجدته. الوضع أسوأ من ذلك فبعض العرب يتآمر مع «إسرائيل» ضد أشقائه، حدث هذا في اجتياح «إسرائيل» للبنان في 1978 وحدث حربها ضد لبنان في 2006، ويحدث الآن في حربها ضد غزة.

لم يعد تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني استراتيجية العرب وجامعة الدول العربية، بل أن أقصى ما يريدونه ما هو متضمن في المبادرة العربية بالاعتراف الكامل ب»إسرائيل»، وإقامة علاقات طبيعية معها وفتح البلاد والأسواق العربية لها - مقابل إقامة دويلة فلسطينية على 20 في المئة من أراضي فلسطين، دويلة منزوعة السلاح وغير متصلة جغرافيا، في الواقع لم تعد قضية فلسطين هي القضية الأولى للنظام العربي الرسمي ولجامعة الدول العربية بل أنها تراجعت حتى في برامج الأحزاب والقوى السياسية العربية بما فيها المعارضة للأنظمة.

وعلى الجانب الفلسطيني، فإن استراتيجية أوسلو وليس استراتيجية التحرير هي السائدة.

الحرب الإسرائيلية ضد غزة تؤكد مرة أخرى أن استراتيجية «إسرائيل» تقوم على الجمع ما بين التفاوض مع العرب والفلسطينين إلى ما لا نهاية، وخلق حقائق جديدة على الأرض، باغتصاب وتهويد المزيد من الأرض الفلسطينية، وشن الحرب ضد من يعترض هذه الاستراتيجية سواء حزب الله أو حماس، دون تدخل الآخرين عربا وفلسطينيين.

وإذا كانت «إسرائيل» قد فشلت في حربها ضد حزب الله وستفشل في حربها ضد حماس، فلإنها ولأول مرة لا تعامل نظاما عربيا سرعان ما ينهار، وإنما قوة مؤمنة بالقتال والنصر ليس لديها ما تخسره من سلطة أو نظام.

لكننا يجب أن نعترف أنه وكما في حروب «إسرائيل» السابقة فإنها تختار الزمان والمكان والعدو من بين العرب، لتشن عليه حربها واثقة أن الأشقاء لن يهبوا إلى نجدة شقيقهم بل الأنكى بعضهم متآمر عليه، والباقون ساكتون، وسط تواطؤ أو عجز عربي وإسلامي ودولي.

إذا على الشعوب العربية المخذولة من أنظمتها وأحزابها ونخبها، وهي تتظاهر يوميا محتجة على هذا التواطؤ والعجز أن تدرك أن المعركة تحسم أولا في بلدانها، هذه الاحتجاجات ضرورية، والضغوط ضرورية والإغاثة ضرورية، والمتطوعون ضروريون، لكن الحقيقة الفاقعة هي أن غزة تقاتل العدو الصهيوني لوحدها.

لذى ليس هناك من خلاص سوى بثورة في حركة التحرر الفلسطينية أولا بالخلاص من استراتيجية أوسلو والعودة لاستراتيجية المقاومة. لتسلم السلطة المحلية مجددا إلى المجالس البلدية المنتخبة كما كانت، لينطبق الوضع القانوني وهو الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية على الواقع الفعلي القائم وهو الاحتلال الإسرائيلي ولتذهب وإلى الأبد أوهام تطوير السلطة الفلسطينية المؤقتة إلى دولة مستقلة ذات سيادة، فهذا مالن يكون.

أما على الجانب العربي، فيجب التخلي عن وهم أن المبادرة العربية ستغري «إسرائيل» بالتفاوض الجدي، وإنهاء احتلالها للضفة الغربية وغزة والجولان، وتفكيك المستعمرات، والقبول بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة إلى جانب «إسرائيل».

«إسرائيل» تطبع علاقاتها مع الدول العربية واحدة بعد الآخرى وهي تحصل على الغاز والنفط المصري بأسعار تفضلية، وبضائعها وشركاتها تقتحم الأسواق العربية الواحد تلو الآخر، «إسرائيل» لم تعد تريد الاعتراف العربي بها مقابل ثمن بل أضحى العرب هم يسعون إلى الأمان من قبل «إسرائيل».

وكما قال شامير في مؤتمر مدريد المشئوم «سنتفاوض مع العرب عشرا أو عشرين أو ثلاثين سنة».

المشهد الحالي في كل بلد عربي، خلافا لما يحدث في البلدان الديمقراطية الغربية منها وغير الغربية، من استراليا حتى كاليفورنيا هو الصدام اليومي مابين جماهير عربية حانقة، تتظاهر وتحتج على المذبحة الإسرائيلية بحق إخوتهم الفلسطينين، وتخاذل أنظمتهم، وقوات الأمن وهي تهجم عليهم بشراسة، وكأنهم العدو، إلى حد أن قوات الأمن تفوق أحيانا أعداد المتظاهرين يترافق ذلك مع اعتقالات في أوساط النشطاء والمعارضين السياسيين.

الأنكى من ذلك أن قادة هذه الأنظمة العاجزة لا يتورعون أن يصفوا حماس بالمغامرة والإضرار بمصلحة الشعب الفلسطيني والتضحية بدمائه مجانا، ويصبون جام غضبهم على إيران حينا وحزب الله حينا آخر ويشتبكون في مهاترات فيما بينهم بل أن المناكفة وصلت إلى تقديس اتفاقاتهم مع العدو الصهيوني الذي لم يحترم هذه الاتفاقيات لتبرير حصارهم للشعب الفلسطيني، والامتناع حتى عن سحب السفراء أو تجميد تزويده بالنفط والغاز أو التبادل التجاري معه.

ليس في القانون الدولي ما يعرف بتطبيع العلاقات فهذه فرضت فقط على ألمانيا واليابان المهزومتين من قبل الحلفاء وفي الحرب العالمية الثانية، وفي ظل الاحتلال الأميركي. أما تطبيع العلاقات ما بين مصر والأردن من ناحية و»إسرائيل» من ناحية أخرى، فإنه يتم مع دولتين عربيتين غير محتلتين ومستقلتين قانونا، والأنكى أن يتم تطبيع العلاقات مع دولة عربية غير معنية بالتسوية مع «إسرائيل».

أضحت الجامعة العربية وهي إطار النظام الرسمي العربي، واجتماعاتها مكانا للمناكفات، وفي أحسن الأحوال لإصدار قرارات وبيانات إنشائية لا تنفذ وليس في نية من إصدارها تنفيذها أصلا.

في جميع المعطفات في الصراع العربي الإسرائيلي باستثناء قمة الخرطوم لم تتوصل الجامعة إلى قرار حاسم وتنفذه، وهو ما يحدث في هذا المنعطف. وكانت تجتمع في اجتماعات لوزراء الخارجية أو حتى قمم طارئة، لتصدر بيانا بلاغيا لا يترتب عليه أي شيئ.

هذه المرة تفوق النظام العربي على نفسه فلم يعقد اجتماع وزراء الخارجية العرب إلا بعد أيام من الحرب العدوانية الإسرائيلية ضد غزة، وقرر ماذا؟

اللجؤ إلى مجلس الأمن، الذي أعطى الشرعية للاغتصاب الصهيوني لفلسطين واحتلالاتها للأراضي العربية في مصر والأردن ولبنان وسورية، وأصدر قرارات ترضيه لا تنفذها «إسرائيل».

أما القمة العربية على شكليتها فدونها خلافات واختلافات، على الشعب الفلسطيني أن لا يتعلق بأوهام المفاوضات وبالتأكيد عليه أن لا يعول على الدعم العربي أو الشرعية الدولية وعلى الشعب العربي أن يحدث تغييرا على الأرض أولا فما دامت الأنظمة هي الجلاد الأول، فلا يمكن أن تواجه العدو، العدو في الداخل أولا، كما استنتج ذلك بصحة القائد القومي جمال عبدالناصر في الفلوجة في 1948 فنحن الآن وكما في 1948 بحاجة إلى التغيير في الداخل أولا تغيير فلسطيني وتغيير عربي.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2321 - الإثنين 12 يناير 2009م الموافق 15 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً