البعد الواسع والتشعبات المتعددة لجدار الفصل العنصري، مازالت تثير جدلا كبيرا في مختلف الأوساط الداخلية في «إسرائيل»، والخارجية على مستوى العلاقات مع العالم.
الجدار هو جزء من مشروع الاستيطان الكبير، ومصادرة الأراضي الفلسطينية عبر زعم الحاجة الأمنية لذلك، وهو أيضا ورقة تستخدم في هذه الفترة الصعبة، لتحقيق نتائج يصعب إزالتها حتى ولو تغيرت حكومة شارون، وليس قرار تشكيل «طواقم الإقناع» الصهيونية، التي كلفت بالتجول في أنحاء مختلفة من العالم لشرح ضروريات إقامة الجدار كجزء من مكافحة الإرهاب، إلا بندا واحدا فقط من بنود كثيرة ستظهر في الوقت المناسب، حين تحتاجها «إسرائيل» للاستخدامات السياسية.
والإقناع بحد ذاته، يعني إقناع الإدارة الأميركية بجدار الفصل، وعندها فإن الولايات المتحدة ستتبنى إقامة الجدار ومواصلة العمل فيه بل وتقوم أيضا بدفع التكاليف. ولأن الرئيس الأميركي جورج بوش يعيش وضعا صعبا من حيث ما يجري في العراق من اشتداد المقاومة، وزيادة حدة الانتقادات الداخلية لسياسته مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، فإنه من غير المستبعد أن يقتنع بجدار الفصل ضمانا لدعم اللوبي الصهيوني له في الانتخابات.
وجاء في تقرير صدر عن مركز متخصص في الكيان الصهيوني، أن فكرة بناء جدار فاصل هي فكرة قديمة منذ العام 1937 أيام ما أسماه التقرير بالتمرد والثورة العربية، حين طُلب من الخبير البريطاني لشئون الإرهاب تشارلز بتهارت وضع خطة لإقامة جدار على طول محاور الطرق الرئيسية من الحدود اللبنانية في الشمال وحتى بئر السبع، وقام الخبير البريطاني بتهارت برسم المرحلة الأولى من عملية إقامة الجدار بحسب الحاجات الاستراتيجية العاجلة، وهو جدار من أربع طبقات وبارتفاع مترين يتم بناؤه على طول 80 كيلومترا من طبريا في الشمال الشرقي وحتى رأس الناقورة فى الشمال الغربي بالقرب من محاور الطرق المركزية، وكانت كلفة المشروع آنذاك 60 مليون دولار.
إذا، إن فكرة جدار الفصل العنصري وبناؤه قديمة وليست وليدة اليوم - كما تدعى القيادات الإسرائيلية - والتركيز عليها الآن هدفه مصادرة المزيد من الأراضي وترسيم أحادي الجانب لحدود فلسطين، وليس لحدود الدولة العبرية التي لم ترسم حدودها منذ إنشائها العام 1948، إذ تركت مفتوحة للتوسع.
هذا الجدار سيحول بعض المناطق الفلسطينية إلى مناطق من دون اتصال جغرافي وسيجعلها مجرد «كنتونات» معزولة، والمناطق التي سيتم اقتطاعها ستتحول إلى جزر منفصلة.
وإقامة جدار الفصل والاستمرار في بنائه، يعارض وبشكل رئيسي ومباشر «خريطة الطريق»، فهي تنص عدم مشروعية إقامة مناطق فصل، إضافة إلى تأكيدها عدم مشروعية القيام بهدم المنازل أو طرد عائلات أو مصادرة أراض أو مملتكات فلسطينية وأية عملية قد تؤدي إلى زعزعة الثقة بين الطرفين، ولهذا فإن موضوع بناء «الجدار» يزعزع الثقة وهو نوع من أنواع العقاب الجماعي إضافة إلى أن «الخريطة» تتحدث عن إزالة كل العوائق ووسائل الفصل بين الطرفين. لكن حكومة شارون تتصرف وكأن الأمر لها وحدها فقط
العدد 336 - الخميس 07 أغسطس 2003م الموافق 09 جمادى الآخرة 1424هـ