العدد 2321 - الإثنين 12 يناير 2009م الموافق 15 محرم 1430هـ

أكثر الشعوب قراءة أكثرها كرامة

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

إن أوّل كلمة ألقاها ربُّ العزة على نبينا محمد (ص) في غار حراء، كانت كلمة «إقرأ»، وقرنها بآية كريمة تليها معنى وقوة عندما قال عزَّ شأنه: «اقرأ وربك الأكرم»، أي ربط القراءة بالكرامة، وتناول العلماء الروس إبان مجدهم وقوتهم تحليل هذه الآية، فوجدوا أن أكثر الشعوب قراءة أكثرها كرامة.

هذه رسالة للجيل القادم الذي لم نشاهده يلتهم الكتب، ولم يتذوّق حلاوة القراءة، ولم يسعَ للمكتبات لشراء الكتاب للذّته ومعلوماته القيمة التي سيسافر عبرها من البحرين إلى العالم أجمع، وإنما لبحث مدرسي أو جامعي طُلِبَ منهم لزيادة رصيد الدرجات... إلى أبنائي الطلبة الذين ظلمتهم العولمة وظلمتهم ظروف الدنيا ونحن!

فليسمح لي المربون بتقديم هذه الرسالة إلى أيدي أبنائهم؛ ليقرؤا ما يحزّ بخاطري عليهم نحو تقديس الكتاب وتعزيز القراءة؛ فإنني رأيتهم مُغرمون بالألعاب الإلكترونية، من بلاي ستايشن واكس بوكس، ورموا القراءة عرض الحائط، مكتفين بما يتلقّنوه من مقاعد الدراسة، التي لا تكفي ولا تُشبع غليل الذات.

في دراسة نشرتها جريدة «الوطن» السعودية لعبدالله العساف، العدد (1262) بتاريخ 14 مارس/ آذار 2004م، ذكر فيها أن كل عشرين عربيا يقرؤون كتابا واحدا في السنة... بينما يقرأ كل ألماني سبعة كتب في السنة، ونحن هنا نتكلم عن المتوسط، وليس عن النخبة أو عديمي القراءة!

إن كان ما يقوله العسّاف صحيحا - وأنا أؤيده في ذلك تماما -، فإن هذا دليل على قصور المجتمعات العربية للالتفات إلى أهمّ مادة إثرائية تزيد من التنمية والاقتصاد والقوة لأي بلدٍ كان.

وما نقوم به من «تفريخ للمصطلحات» شكّل لنا ثقافة جديدة قد لا يفهمها إلا أصحابها، أدّت إلى إيجاد نوع من المعوقات التي تعوق القراءة، كما أن المثقفين أنفسهم تكاسلوا عن القراءة واقتصروا على المشافهة والمناقشة فيما بينهم، فأدّت إلى إضعاف عملية القراءة لدى أبنائنا.

لا أعتقد بأنَّ حضارة وليدة كالولايات المتحدة الأميركية أفضل منا في القراءة، ومع ذلك وللأسف الشديد نجدهم مجتمعا قراّء أكثر ممن نزلت عليهم آيات المولى للقراءة.

إن الحل في الرجوع إلى القراءة بسيط جدا ولكن يحتاج إلى جهود عظيمة منا، أوّلها توجّه الصحافة نحو الجيل القادم، وتشجيعه على قراءة ما يدور حول ذاته ومجتمعه، ومن ثمّ الاحتياج إلى مشروع وطني مدروس للنهوض بالقراءة، وتشكيل لجنة مركزية من وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع مجلس التنمية الاقتصادي وجامعة البوليتكنيك والمؤسسة العامة للشباب والرياضة للإشراف المباشر على المشروع، ولجان فرعية تقوم بمتابعة القرارات وتنفيذها.

فأبناؤنا اليوم يشكون من صعوبات في القراءة وفي اللغة العربية بشكل عام، ويعاني مدرسونا أنفسهم من عملية التعليم المباشر لأسس القراءة الصحيحة، ولن نتخلص من ذلك إلا من خلال إجبار الجيل الجديد ابتداء من المرحلة الابتدائية المبكّرة في قراءة الكتب وتلخيصها، ولا نكتفي بذلك الحد بل نعزز هذا بالمسرحيات المدرسية، والعقاب المدرسي عن طريق القراءة.

فلو أعطينا أي طفل مشاعب كتابا ليلخِّصه أو أدخلناه في مسرحية مثمرة - أقصد المسرح المدرسي - فإننا في النهاية سننتج جيلا يقرأ ويستفيد ويفيد بلده الكثير، فهو ذلك المثقّف الذي صنعناه بأيدينا وبمجهود عالي المستوى والجودة.

ولا ننسى أن ندخل عنصر الإذاعة والتلفزيون البحريني، من خلال تكثيف الحملات التي تدعو إلى القراءة والبرامج التي تسهم في تطوير ثقافة أبنائنا، فوسائل الإعلام العربية قتلت القراءة ولم تثريها لدى الجمهور الصغير هذه الأيام.

نتمنى من القيادة الرشيدة الاهتمام أكثر إلى مشكلة القراءة لدى أبنائنا، وإنشاء مركز مستقل للترجمة، بحيث تُتَََرجم لنا الكتب المفيدة، ويشرف عليها أُناس متخصصون ذوو خبرة وصدقية وليس أناس يدخلون بالواسطة والمحسوبية، فالهدف الأساسي هو الإثراء الذي لا يتم إلا بعلماء على قدر من المستوى والعطاء، وهذا هو أوّل الغيث.

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 2321 - الإثنين 12 يناير 2009م الموافق 15 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً