النظام العراقي البائد مثلما له من سلبيات شهد بها التاريخ وأصبحت حكايات وستصبح أفلاما ومسلسلات مثله مثل كل الأنظمة الشمولية التي حكمت العالم والشعوب المستضعفة، فإن له من الإيجابيات أيضا ما استفاد منها الآخرون من دون أن تعي أمة العرب. وحتى لا يستفاد من هذه الإيجابيات سيظل الحديث متواصلا عن المقابر الجماعية والإعدامات وقبضة صدام حسين الحديدية.
النظام العراقي أول من أدخل في أدبياته الدور الجديد للجيوش في خدمة البلاد اقتصاديا واجتماعيا بحيث استفاد أيما استفادة من الطاقات الكبيرة والهائلة لأفراد القوات المسلحة في حركة تطور المجتمع من خلال التصنيع وتوفير المنتجات المحلية، بل والاكتفاء الذاتي ومن ثم التصدير، الأمر الذي حقق - لأول مرة - في تاريخ العرب (جيشا منتجا)، إذ تقبع الجيوش العربية في زمن العمل داخل الثكنات العسكرية يلعبون (الدومينو) و(الطاولة) ويدخنون (الشيشة) أو يمارسون الرياضة، من دون أن يعبأ القادة بقدرات الطاقات الكامنة في جنودهم وضباطهم. وفي العراق كان أفراد الجيش في فترة ما كل في مصنعه أو شركته يصنع الملابس، والأحذية، والحقائب المدرسية، والكتب، ومن جانب آخر كان الفرد العسكري العراقي في معامل البحث العلمي دارسا وعالما ومتفائلا، وآخرون في مصانع الأثاث المنزلي، وآخرون في ورش صناعات المعدات العسكرية وطائفة منهم في صناعة المواد الغذائية. ومنذ ارتياد العالم عصر التقنية والمعلومات تغيرت الكثير من المفاهيم في عالمنا المعاصر وتبدلت النظرة إلى العلوم، كما تبدلت النظرة إلى مفهوم (العسكرية) وتغيرت نظريات الحرب والدفاع والأمن والسلم إلى مفاهيم راقية، مثلا (الجندي) في عالمنا العربي لابد أن يقاس بمستوى الطول والحجم وإمكاناته الجسمانية، بينما تغيرت المفاهيم في العالم المتحضر أصبحت مقاييس التجنيد في الخدمة العسكرية تقاس بمقدار المهارات العلمية والتقنية وإمكان اختراع أو اكتشاف سبل جديدة في الدفاع عن النفس من دون استخدام سلاح يكلف البلاد المليارات التي يحتاجها المجتمع في توفير مقومات وأساسيات الحياة.
فالحكمة ضالة المؤمن
إقرأ أيضا لـ "خالد أبو أحمد"العدد 335 - الأربعاء 06 أغسطس 2003م الموافق 08 جمادى الآخرة 1424هـ