من المؤسف حقا أننا نعيش في زمن كل ما فيه يعزز أنانية الفرد. وتدفعه الأنا الجوفاء إلى الابتعاد حتى عن أقرب الناس إليه متخطيا بذلك كل الاعتبارات الاجتماعية متجاوزا أسمى العواطف الإنسانية فلا يرى إلا نفسه ورغباتها. وقتها هموم الآخرين لا تعنيه وان كان يعني لهم الكثير، كل همه النجاح في عمله والتمتع بالحياة بمعزل عن معاناة فلان أو هموم علان. كل هذه الأمور قد تكون طبيعية ومقبولة في زمن الأنا ولكن ما هو غير طبيعي ومستهجن أيضا هو أن تختنق الأمومة بحصار الأنا ويتغير عطاؤها حتى يتلاشى مع الزمن اننا اليوم نبكي الأمومة ونشيعها آسفين... وكل حسرة على أمهات الأمس اللواتي وهبن حياتهن لأولادهن فخورات سعيدات بأنهن الأم والأب في آن واحد حتى كبر الأولاد أقوياء أصحاء نفسيا وفكريا وجسديا بعدما غرست الأم المضحية في حياتهم الأمل وحب العلم والعمل وأفنت حياتها من أجل سعادتهم جميعهم في حضنها الحنون واحتوتهم بحبها وأمومتها وحنانها لم تفرط بهم من أجل متعتها مع رجل آخر يرفضهم كما تفعل معظم أمهات اليوم اللواتي ما ان تتحول إلى أرملة حتى يعيد إليها هذا التحول الشباب والعافية والحياة وتتجرد من أمومتها وإنسانيتها معا وتنحصر بين جدران الأنا تخدعها كلمات المدح والإطراء أو ربما الحب والغزل وتوهمها بأنها مازالت صغيرة جدا والحياة أمامها ومجنونة ان لم تستمتع بها كيف تشاء ومتى تشاء فتتمرد الأنا الحمقاء وتنطلق من أعماق سجنها وهي تجري خلفها غير عابئة بصراخ الصغير أو ضياع الكبير لا تبالي إذا تاهت ابنتها الكبرى أو انحرفت ابنتها الصغرى المهم هي نفسها الشابة الصغيرة الحالمة والفرح يناديها والسعادة تفتح ذراعيها وشريك الحياة يدعوها. ومجنونة ان لم تلبِّ النداء تاركة أولادها للبؤس والشقاء والاستسلام لمصير مظلم مجهول من دون أم ترشد وتوجه أو تأخذ بأيديهم إلى الصواب. أم تركتهم لتعيش الحياة مرة ثانية مع رجل غير والدهم يقدر جمالها وشبابها وثقافتها ورصيدها. ولكنه للأسف الشديد لم يقدر مدى تضحيتها والأخطار المترتبة عليها وما مصير أولادها بعد أن تخلت عنهم اكراما لعيونه ونزولا عند رغبته ومبالغة في ارضائه واسعاده. سيدتي: أي أمومة هذه تدفعك إلى التخلي عن فلذات كبدك وأي حب يضاهي حبهم وأي رجل مهما بلغ حبك له يغنيك عن تغنيهم باسمك - ماما - ماذا دهاك فررت منهم وتركت الحياة معهم وكأنهم لا يعنون لك شيئا. انه سيتخلى عنك يوما والدليل مساومته لك على التخلي عنهم... سيدتي: بربك كيف يمكنك الاستمتاع بحياتك بمعزل عن صغارك. أي أمومة هذه تأخذك بعيدا عن معاناتهم وهمومهم... ان وجودك بينهم بلسم لجروح اليتم في أعماقهم. لمسة حنان منك تخفف أوجاعهم. ابتسامتك الصادقة كل صباح تعيد الحياة إليهم. ثمة ضوء ينبثق من أعماقك يضيء لهم ظلمة الحياة وغدرها... عزيزتي: طفلة الأمس قد انتقلت إلى مرحلة النضج... انها تتعرض لتغيرات جسدية وأزمات نفسية، انها سن الأنوثة يا سيدتي. ان طفلتك قد استيقظت حواسها واطلقت أفكارها وأنت، أينك بعيدة عنها ألا تستحق منك الاهتمام؟ عزيزتي الأم: انني لا أطلب منك في هذه السطور أن تنسلخي عن الحياة وتغرقي نفسك في الهموم ولا أحرِّم عليك متعة تشعرين بحاجتك إليها ولكن رصيد سعادتك لن يكتمل إلا إذا علمت صغارك كيف يفرحون وكيف يسعدون بأيامهم. عوديهم الاقبال على الحياة كما تقبلين عليها، ساعديهم على تخطي متاعب الحياة وأزماتها ولحظاتها القاسية.
ان الأمومة يا سيدتي تحتم عليك احتضان فلذات كبدك والعناية بهم ولملمة جروحهم وتعويضهم عن حنان الأب لا هجرهم والتخلي عنهم من أجل رجل أحمق ساومك عليهم، رجل لو كان يحبك حقا لأحبهم. ولكن أقولها بيقين لقد جمعت بينكما أنانية وأطماع هذا الزمان
العدد 335 - الأربعاء 06 أغسطس 2003م الموافق 08 جمادى الآخرة 1424هـ