المواقف التي صدرت عن «لجنة المتابعة العربية» في اجتماعها الاخير بشأن موضوع العراق، اتسمت بالجرأة والروح العالية من المسئولية تجاه مسألة لاتزال مدار نقاش وتساؤل في الولايات المتحدة وبريطانيا. إلا ان اكتفاء «لجنة المتابعة» بإصدار مواقف عامة تعيد تأكيد الثوابت العربية من الحرب المفتعلة على العراق، لا يكفي لإعادة قراءة الحدث من جديد في ضوء التداعيات التي تحصل على الجبهتين العراقية والدولية.
«لجنة المتابعة» بحاجة إلى خطة عربية بديلة تنطلق من تلك الثوابت التي وضعتها القمة العربية الاخيرة في شرم الشيخ وتعيد صوغها في برنامج عملي يأخذ في الاعتبار التطورات التي حصلت منذ الاحتلال حتى الآن.
حتى الآن لاتزال «لجنة المتابعة» تؤكد ثلاثة ثوابت: رفض الحرب، رفض الاحتلال، ورفض الاعتراف بالامر الواقع، واخيرا، وهذه هي الاضافة الجديدة، رفض ارسال قوات عربية إلى العراق. والخلاصة ان موقف «لجنة المتابعة» هو تأكيد المقاطعة العربية للاحتلال من خلال تثبيت رفض التعامل معه مباشرة أو بالواسطة. وهذا ما عبرت عنه «لجنة المتابعة» برفضها الاعتراف بما يسمى مجلس الحكم الانتقالي العراقي.
هذه المواقف العربية السلبية من الاحتلال جيدة وهي تؤكد مرة اخرى وجود حد ادنى من المسئولية القومية المشتركة لمواجهة حرب مفروضة بالقوة، وعلى رغم ارادة العالم، ضد دولة عربية محاصرة منذ 13 سنة.
إلا ان السلبية في التعاطي مع الملف العراقي لا تكفي للاجابة عن اسئلة تشمل حدود التعامل مع الواقع وتداعياته التي ربما اتجهت نحو تبني سياسة دولية لمعالجة ازمة متفاقمة تبدو القيادة الاميركية غير قادرة حتى الآن على احتواء عناصرها المتفجرة. فالوضع في العراق ليس جيدا لا على مستوى الداخل ولا على مستوى الاحتلال نفسه. فالاحتلال يبدو انه وصل إلى طريق مسدود في التعامل مع الشعب بعد ان اكتشف وجود ممانعة اهلية ترفض التطبيع معه، كذلك تبدو الفوضى هي المنتصر الاول من انهيار الدولة، الامر الذي يشكل خطورة على وحدة العراق مستقبلا في حال استمرت الفوضى وتحولت إلى قانون يحكم علاقات الجماعات الاهلية ويهدد مسار المشترك الوطني.
العراق فعلا في خطر. والاحتلال يتحمل المسئولية التاريخية والسياسية عن الفوضى وكل ما يحصل من تداعيات تمس جوهر الوحدة الوطنية التي نهضت عليها الدولة تقليديا بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم. فالنظام شيء والدولة مسألة مختلفة.
النظام العراقي انتهى وهذا امر غير مأسوف عليه. الخوف الآن على الدولة ونسيج العراق الاهلي ووحدته التاريخية - الجغرافية. والفوضى المنظمة أو العفوية في حال تصاعدت وانتشرت من غير ضوابط او حدود قانونية واخلاقية لها ستنتقل من دائرة النهب والسرقات إلى دائرة انشاء «امارات حرب» مستقلة تؤسس لاحقا حدود دويلات متناثرة تتحمل كل دويلة مسئولية امنها وحماية الناس الموجودين في دائرة نفوذها وصلاحياتها.
ربما يكون الاحتلال خطط لمثل هذا النوع من الفوضى ليجد امامه المبررات الموضوعية التي تملي عليه لاحقا الاعتراف بها والتعامل معها باعتبارها امرا واقعا لإدارة شئون البلاد امنيا وترك قضايا الدفاع والخارجية في اطار مسئولية الاحتلال نفسه.
الموقف العربي من ملف العراق لايزال على حاله على رغم الضغوط الاميركية، ولكنه يتسم بنوع من السلبية: لا للاحتلال لا للاعتراف بالامر الواقع، ولا لإرسال قوات عربية.
هذه السلبية ليست كافية لانقاذ الدولة العراقية من الانهيار والفوضى. واذا كان الوضع العربي لا يسمح بدعم المقاومة العراقية وتشجيع قيام انتفاضة مدنية ضد الاحتلال على غرار الانتفاضة الفلسطينية، فإن الدول العربية قادرة، على الاقل، على انتاج خطة عمل تنطلق من الثوابت، مستفيدة من فشل الاحتلال في تطبيع الشعب العراقي معه، ومن استعداد الهيئات الدولية للتحرك للمساعدة على اخراج القوات المحتلة وارسال قوات بديلة بإشراف الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وغيرهما من منظمات اسلامية واقليمية.
مقاطعة لجنة المتابعة العربية للاحتلال حجر زاوية في الموقف القومي المشترك، إلا ان هذا لا يمنع من طرح مشروع عمل يعتمد آليات خطة تقوم على فكرة ارسال قوات عربية بالتضامن مع الأمم المتحدة وبالتفاهم مع هيئات شرعية ومنتخبة من قبل الشعب العراقي
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 335 - الأربعاء 06 أغسطس 2003م الموافق 08 جمادى الآخرة 1424هـ