العدد 334 - الثلثاء 05 أغسطس 2003م الموافق 07 جمادى الآخرة 1424هـ

العراق... والصيغة اللبنانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تتجه إدارة الاحتلال الاميركي إلى تبني «الصيغة اللبنانية» أساسا للحكم في العراق. ويرجح ان يقر مجلس الحكم الانتقالي مبدأ الاتحاد الفيدرالي في الدستور الجديد، معتمدا تلك الصيغة قاعدة لنهوض دولة بديلة عن «نظام صدام». فالفيدرالية كما يقال تضمن وحدة الدولة وتعطي لكل منطقة (الشمال والوسط والجنوب) حرية محدودة لإدارة شئونها المحلية.

والسؤال إلى أي حد يمكن ان تنجح «الديمقراطية التوافقية» في بلد يختلف في تكوينه والكثير من خصائصه عن لبنان؟

الصيغة اللبنانية ليست مختلقة (مخترعة) وإنما هي نتاج تكوين خاص لدولة مركبة طائفيا، قامت أصلا على تنازلات متبادلة لاحتواء تعقيدات التوازن الأقلي في بلد اشتهر انه ملجأ للجماعات الهاربة سياسيا من حكم مركزي والباحثة عن جغرافيا جبلية (مرتفعات) تحميها من الملاحقة.

هذا لا يعني ان لبنان هو صيغة فريدة من نوعها. فالخاص اللبناني هو عام في البلدان التي تشبه طبيعته الجبلية أو يتصادف موقعها على هامش أو جوار أو اطراف قوة مركزية (دولة كبرى). فالخاص في هذا المعنى هو عام نجده في الكثير من الحالات وخصوصا تلك البلدان التي تشكلت دولتها السياسية نتيجة موقعها الجغرافي وتميزت طبيعتها بارتفاع جبالها... حين كانت المرتفعات في عصور سابقة تلعب دور الحامي من الملاحقات.

حتى دولة مثل سويسرا قامت فلسفتها السياسية في وسط أوروبا بسبب تلك الخصوصية (مرتفعات). فجاءت الدولة السويسرية نتاجا لتوازن القوى (أقليات قومية مجمعة في ملاجئ جغرافية). فالنظام السويسري (ثمانية كانتونات) ليس اختراعا بل هو مجرد جواب تاريخي على ظروف محددة فرضت على المجموعات السويسرية لاحقا التعايش وفق صيغة توافقية (اتحادية) لا تكون فيها غلبة لفئة على أخرى.

لبنان يحاكي سويسرا في صيغته التوافقية المشرقية ولكنه في الجوهر لا يتطابق معها. فالأول طائفي والثانية «قومية». لبنان اتحاد طوائف (17 طائفة وما فوق) وسويسرا اتحاد قوميات (ثمانية أعراق على الأقل).

لبنان يحاكي سويسرا في انه دولة أقليات أيضا ولا توجد فيه أكثرية ساحقة تسمح لها بالسيطرة السياسية على الدولة وتفرض من خلال أجهزتها الإدارية قوتها المركزية على المجموعات الوطنية (الطائفية) الأخرى.

لا أكثرية في لبنان. وإذا وجدت فيه تكون أكثرية نسبية وليست مطلقة. لذلك نهضت فلسفة الدولة على أساس توازن الأقليات (الطائفية). فالدولة في لبنان تقوم على فلسفة الطائفية وبسبب تلك الخصوصية كانت السلطة مرنة لأن فكرتها تعتمد مبدأ التوافق وتوزيع الحصص بين المجموعات الأهلية.

الدولة في لبنان نهضت على قواعد تختلف عن تاريخ الدول في المشرق العربي وهي تأسست وفق شروط تختلف عن الدول العادية التي تقوم على فكرة بديهية وهي قيادة أكثرية راجحة للسلطة تحيط بها أو تتعايش معها اقليات صغيرة (دينية او قومية) في إطار دولة واحدة ومشتركة.

العراق في هذا المعنى لا يتشابه مع لبنان ولا مع سويسرا. وتاريخ دولة العراق تقليديا يختلف عن تواريخ الدول الحديثة في المنطقة. فالدولة العراقية مركزية التكوين ومن الصعب ان يتوحد كيانها الوطني وسلطتها السياسية في إطار توافقي يعتمد مبدأ الحصص بين مناطقه وطوائفه وعناصره الوطنية.

تقليد مجلس الحكم العراقي الانتقالي للصيغة اللبنانية (نظام حصص) مجرد اصطناع مفتعل لحل سياسي وهمي لا أساس واقعيا له. فالدولة العراقية بحكم طبيعتها الجغرافية وخصائصها التكوينية تتطلب المزيد من المركزية لضبط الاطراف وشدها إلى المركز. والمركزية لا تعني الاستبداد كما يرى بعض أعضاء مجلس الحكم بل هي صيغة حل سياسي لبلد مركب من مرتفعات وسهوب وصحراء وتوحده مجاري الأنهار من الشمال إلى الجنوب

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 334 - الثلثاء 05 أغسطس 2003م الموافق 07 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً