العدد 330 - الجمعة 01 أغسطس 2003م الموافق 03 جمادى الآخرة 1424هـ

أين يكمن لغز تدمير المفاعل النووي العراقي؟

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

أي شيطان كان النظام العراقي الذي ترأسه صدام طوال أكثر من ثلاثة عقود؟ وأي بؤس عاشه هذا الشعب الذي تحمل كل تلك العذابات والضغوط؟ وبأي ضمير مرن على رغم ما شاهده الجميع من سقطاته وغلطاته التاريخية مازال هناك من يبرر أخطاء صدام حسين؟

هذا ما يحير الكثيرين! والغريب أن كل يوم يمر يكتشف المواطن العربي سقطات جديدة لهذا النظام الفاشي. كان من بين الموضوعات التي لم يبتلعها المثقف العربي ذلك اللغز الكامن وراء ضرب المفاعل النووي العراقي من قبل «إسرائيل» بتلك السهولة حتى صار ساعتها يتساءل: كيف استطاعت الطائرات الإسرائيلية أن تطير كل تلك المسافة لتصل إلى الأراضي العراقية من دون مواجهة؟ كيف قامت تلك الطائرات بنسف المفاعل من دون أن يطلق صاروخ أو رصاصة في اتجاهها؟ فالمعروف أن مثل هذه المواقع حصينة وهناك عيون ساهرة لردع أي اعتداء عليها لأن تكاليفها بالمليارات عدا خطورة تفجيرها التي قد تسبب انتشارا واسعا لرذاذ التفجير... كل ذلك لم يحدث! إذا ما هو اللغز وراء امكان «إسرائيل» تفجير هذا المفاعل الذي أثار كل هذه الضجة التي تركزت فقط على اتهام بغداد لطهران بأنها تعاونت مع «إسرائيل» في تسهيل مهمتها للقيام بهذا العمل؟

ومهما كانت الذرائع والأسباب والادعاءات إلا أن الذي لا يقبله عقل الإنسان هو كيف يمكن ضرب المفاعل من دون الضغط على الزناد من قبل حراس المفاعل لإطلاق ولو رصاصة واحدة تجاه الطائرات المعتدية؟

وفي زحمة الحرب العراقية الإيرانية، ثم في زحمة العدوان العراقي على الكويت وتبعات ذلك فيما بعد تناسى الشعب العربي أن يواصل استمراره في التساؤل عن أسباب ما حدث للمفاعل النووي العراقي. في بعض الأحيان يجد المثقف أنه قد ينشد ضالته في وريقات أو كتيبات أُهملت لعدم إحساسه بأهميتها، لكنه قد يجد ضالته فعلا ضمن هذه الوريقات المهملة لو ألقى نظرة عليها.

ومن الطريف أن هذا اللغز الذي حير الكثيرين مثلي لم أجد جوابا شافيا له إلا أخيرا من خلال كتيب صغير لا يتعدى عدد صفحاته الـ130 صفحة وتحت عنوان غير لافت للنظر هو «فسيروا في الأرض فانظروا...» من تأليف محمد التيجاني السماوي والكتاب أشبه بأدب الرحلات فهو يصف زياراته للعراق ولقائه بعدد من المشايخ والمراجع الشيعية إذ يبدو أنه من شيعة تونس.

وعلى رغم أن المرء يشم من خلال سطور الكتاب أن المؤلف لديه حس طائفي أكثر مما يجب (حبتين) لكن سرده لما يرويه وقصصه ولقاءاته التي يذكرها يُشمّ منها الكثير من الصحة والصدق فهو يأتي بالشخوص الذين التقى بهم، بأسمائهم ويستخدم كلماتهم ويذكر تفاصيل تلك الوقائع بأسماء أماكنها.

ومن هنا فإن ما أورده في كتابه من تجاوزات النظام العراقي وجرائم صدام وعمالته للغرب والدور الذي أسند إليه للقيام به بدعم مادي من دول الخليج يحس فيها القارئ أنها صادقة. وفي الحقيقة إن هذا الكتيب من دون غيره أجاب وبشكل تحليلي ودقيق على السؤال المحير واللغز الذي اكتنف عملية ضرب المفاعل النووي العراقي وهو تحليل واقعي ومنطقي ومقنع إذ جاء على لسان أحد ضحايا النظام العراقي الذي كان على صلة بالمفاعل من خلال وظيفته.

والكاتب نفسه محمد التيجاني يؤكد خلال مقدمته أنه لم يضف شيئا على لقاءاته بل أتى بها بكل تفاصيلها كما هي إذ قال: «اقدم للقراء الكرام ولكل الأحرار هذه الرحلات العملية كما وقعت من دون زيادة ولا نقصان وسيجدون فيها مفاجآت ومسامرات لا تخلو من المأساة كما لا تهمل بعض التحديات وقد حاولت الاختصار الشديد مراعاة لظروف القراء الكرام من دون تفريط فيما هو واجب ذكره ومن دون تفويت لما هو واجب تركه»، وهذا يعني أن الكاتب جاء بالأمور الحساسة وترك التفاصيل التي لا يستفيد منها القارئ أو لا يقتنع بها هو.

المهم عندي هو حديثه عن ضرب المفاعل النووي العراقي واللغز الكامن وراءه.

وفي الحقيقة أنا في حيرة من أمري، هل أختصر الوريقات التي ذكرها المؤلف أو آتي بها كما أوردها وخصوصا أنها قصيرة؟

أنا أعلم أن الكثير من القراء اطلعوا على الكتاب لكني أود أن أبينه كشهادة إثبات لأولئك الذي هاجمونا ونحن نوقع عريضة المثقفين العرب التي كانت تطالب صدام بالتنحي قبل أن يتم دك بغداد وما سيجره من دمار على البلد العريق وما يصاحب ذلك من سقوط آلاف الضحايا إذ وصفنا بعض المعجبين بصدام بالقطيع، ثم اتضح فيما بعد أن قطيع الغنم هم من راهنوا على صدقية صدام والنظام العراقي إذ تنحى ولكن بعد أن تم دك عاصمة الرشيد من دون أن تصبح أسوار بغداد مقبرة للمارينز الأميركي.

لآتي بالحكاية كما وردت إذ دار الحوار بين الكاتب محمد التيجاني وصديقه العراقي عيسى عبدالرسول في منزل الأخير بالكوفة وكان ضابطا في المخابرات اللاسلكية ويعمل على الرادار قبل أن يتم تسريحه من الجيش وتسميمه ليموت في منزله بعد يومين فقط من إطلاق سراحه بعد اعتقاله بستة أشهر لأنهم علموا بوقوفه على سر عدم الدفاع عن المفاعل.

يتحدث الكاتب «هل تصدق أن دولة مثل العراق التي أنشأت مفاعلا نوويا بذلك الحجم في العاصمة بغداد تتركه من دون حراسة؟ أهذا معقول في الحسابات العسكرية وخصوصا أنها في حال حرب مع إيران؟». «ضحك عبدالرسول ضحكة استهزاء، وقال: بغداد كلها حراسة وكلها صواريخ مضادة للطائرات وليس هناك متر واحد خال من الحراسة المشددة، وإذا كنت انا في الكوفة اكتشفت الطائرات المعادية عند اختراقها الأجواء العراقية فكيف تغيب عن رادارات بغداد المكثفة والموجودة في كل مكان؟

قلت في لهفة: أكمل القصة، فما الذي وقع عند اكتشافك الطائرات الإسرائيلية؟ وهل أخبرت المسئولين بها؟

قال: طبعا، بأقصى سرعة اتصلت بمركز القيادة وأخبرتهم فكان الجواب في غاية البرودة، قالوا: أقفل الهاتف نحن اكتشفناها قبلك، ولم يزيدوا على هذه العبارة شيئا وأقفلوا الخط.

وفرحت على رغم ردهم الجاف وانتظرت الأخبار لحظة بلحظة لعلي أسمع بأن سلاح الجو العراقي أسقط طائرات إسرائيلية اخترقت المجال العراقي؛ لأني أعرف أن الوقت اللازم من دخول الحدود إلى وصولها إلى بغداد يستغرق عشرين دقيقة على أقل تقدير وهو وقت كاف للتصدي لها وإسقاطها أو إجبارها على الرجوع في أسوأ الحالات.

لكني فوجئت في الصباح بوسائل الإعلام العراقي تعلن تدمير المفاعل النووي العراقي من قبل «إسرائيل» المتحالفة مع إيران، كما فوجئت في اليوم نفسه بإقالتي من منصبي وإحالتي على المعاش، وربما سيجندوني للذهاب إلى جبهة القتال لأقاتل إخواني المسلمين... ثم أجهش بالبكاء. بكيت لبكائه ولما يخطط لهذه الأمة المنكوبة وقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون. قال: والأنكى من كل ذلك أني سمعت رئيس المكتب عندنا يقول لزميله وهو مسرور: وهكذا سيعرف العرب والمسلمون الذين تعاطفوا مع إيران أن إيران تتعاون مع «إسرائيل» وتستنجد بها لضرب العراق وتدميره والإستيلاء عليه.

فقال زميله: وهذه عندي أكبر من المفاعل النووي الذي ستعيد فرنسا بناءه بعد القضاء على إيران الخميني وسيكون العراق بعدها أقوى قوة في المنطقة وحزب البعث هو الذي يسود العالم العربي، وخرجت أنا من مكتبي إلى الحمام خوفا من أن يكتشفوا ما سمعته فيعدموني».

الحديث وماجاء في الحوارات يؤكد ماقلناه عن نظام البعث العراقي. وحتى لا أظلم حزب البعث أقول: هذا هو نظام صدام وإلى أين وصل به من تعاون مع الغرب وخدمة للولايات المتحدة بحيث كان يفرط حتى في أكثر ممتلكات الشعب العراقي والأمة العربية حساسية وأهمية، فهل بقي للمعجبين بهذا النظام وقائده من شك في أنه خان أمانة الشعب والقيادة وحزب البعث العربي الاشتراكي بمبادئه القومية التي كان يمكنه من خلالها أن يملأ فراغ عبدالناصر رحمه الله بعد خروجه من الساحة ورحيله إلى جوار ربه؟

أما آن للبعث العربي أن يعترف بخطئه التاريخي ويعتذر للأمة لما قام به قائده صدام من سقطات تاريخية أساءت لمبادئ حزب البعث العروبية ويعيد حساباته ويطرح برنامجه من جديد ليعيد ثقة عشرات الآلاف من الشعب العربي الذين اتبعوه وتم تضليلهم بهذا التاريخ الأسود الذي سطره صدام حسين؟

العدد 330 - الجمعة 01 أغسطس 2003م الموافق 03 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً