بينما لاحظ المحللون الإسرائيليون تراجعا واضحا في الموقف الأميركي إزاء جدار الفصل العنصري الذي تصر حكومة آرييل شارون على مواصلة بنائه في الضفة الغربية ويشكل إحدى العقبات التي تعترض مسيرة التسوية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، أعلن مسئول إسرائيلي انه لم يظهر أي تضارب في الآراء بين الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون الذي سوّق مشروع هذا الجدار تحت ذرائع أمنية. وتحدثت الصحف العبرية عن اللقاء «اللطيف» بين بوش وشارون، وهي كانت تتوقع أن يكون صعبا وخصوصا بعد انتقاد واشنطن لـ «إسرائيل» لبنائها السياج الأمني في الضفة الغربية، ونقلت الصحف عن مصادرها انه كان أفضل الاجتماعات الثمانية بين الجانبين.
وكان شارون، قد استهل مؤتمره الصحافي بتهنئة بوش «على انتصارك الرائع في الحملة العراقية وإسقاط صدام حسين من السلطة».
وقال إن هزيمة صدام حسين «ستخدم تقدم عملية السلام بين (إسرائيل) والفلسطينيين والعالم العربي بأسره». مثنيا على انتقادات بوش لسورية وإيران قبل أيام قائلا: «تصريحاتك الأخيرة المتعلقة بالأخطار الصادرة من سورية وإيران تثبت مرة أخرى جدية نواياكم في مواصلة الحرب ضد الإرهاب. ويجب أن يقال بكل وضوح لهاتين الدولتين ان أعمالهما الشريرة لن تستمر، يجب ألا تكون هناك أية تسوية مع الإرهاب والشر».
ونقلت عن مسئولين إسرائيليين رفيعي المستوى، ان إيران تحاول أن تملأ الفراغ الذي تركه انهيار النظام العراقي وهي تدعم بشكل متزايد «حماس» وحزب الله وغيرهما. وأضاف المسئولون ان إيران تقدم 50 ألف دولار لعائلات الانتحاريين وهو مبلغ يساوي ضعف ما كان يعطيه الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بحسب إشارة الصحيفة العبرية.
إذا وكما لاحظت الصحف العبرية فإن شارون نجح في ربط بوش بـ «أجندة الإرهاب»، فيما حاول أبو مازن أن يربط الرئيس الأميركي «بأجندة الاحتلال» حسبما عبّر عكيفا إلدار في «هآرتس». وكانت «يديعوت أحرونوت» قد نقلت عن مصادر سياسية إسرائيلية في ختام لقاء شارون رايس، انه «لا يوجد أي سور بين شارون وبوش، فالرئيس بوش يعتبر تفكيك البنية التحتية للارهاب قضية أساسية». وقالت مصادر سياسية ان اللقاء مع رايس كان إيجابيا وانه عقد تمهيدا لاجتماع رئيس الحكومة الإسرائيلي مع بوش. في حين لاحظ ناتان غوتمان في «هآرتس»، منفردا بين المحللين الإسرائيليين، ان شارون عاش لحظات محرجة حاول تبديدها عبر توزيع الابتسامات طوال فترة قراءة التصريح الذي كان سبق أن أعده ليتلوه بعد لقاء الرئيس بوش. ولاحظ غوتمان انه لشدة ارتباك شارون، كان هذا الأخير غير قادر على قلب صفحات تصريحه حتى انه توقف عن الكلام ليقلب الصفحات، لكن بوش أتى ومدّ له يد العون في هذا الأمر. معتبرا ان هذه الحادثة ساعدت بوش على الإعلان عن ان «إسرائيل» تحتاج دائما المساعدة الأميركية. أما زئيف شيف في «هآرتس» فرأى ان اختلاف «إسرائيل» مع الولايات المتحدة يحمل طابعا إيجابيا.
معتبرا ان رفض الأميركيين التراجع عن مطالبتهم بتغيير طريق السياج الفاصل هو بمثابة رسالة واضحة إلى «إسرائيل»، تقول انه لا يمكن العودة إلى الخدع والألاعيب التي لجأ إليها الإسرائيليون بعد اتفاقات أوسلو، مثل خلق حقائق على أرض الواقع للتأثير على نتيجة المفاوضات. وقال شيف انه عبر مواقفه الراهنة بشأن السياج فإن بوش يظهر انه يتخذ من حدود 1967 حدودا مستقبلية بين «إسرائيل» والدولة الفلسطينية.
لكن شيف استدرك فقال إن هذا لا يعني ان الأميركيين يدعمون وجهة نظر الفلسطينيين بشأن السياج بشكل كامل. وإذ رأى ان الفلسطينيين محقون في قولهم بان السياج يلحق ضررا بالمزارعين، شدد على انه لا يحق لا للفلسطينيين ولا للأميركيين أن يطلبوا من «إسرائيل» ألا تحمي نفسها من الاعتداءات «الإرهابية» ومن إمكان قدوم أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى أراضيها. وقال شيف ان الجانب الإيجابي أو (السلبي)، للاختلاف الإسرائيلي الأميركي بشان موضوع السياج الفاصل، سيظهر جليا إذا أصر الرئيس بوش، على أن تغير «إسرائيل» طريق السياج. وختم بالقول: بما انه لا أحد يعرف ما إذا كان وقف النار (الهدنة) سيستمر أم لا، فلابد من المضي في بناء السياج الفاصل شرط أن يكون ذا طابع أمني وقائي على طول الخط الأخضر؛ لأن هذا الأمر سيخفف من التأثيرات السلبية للسياج على حياة الفلسطينيين. وبخلاف غوتمان رأى عكيفا إلدار في «هآرتس» ان الانطباع الأول الذي يمكن أخذه بعد لقاء شارون بالرئيس بوش، هو ان هذا الأخير قد اقتنع بأن الأولوية الآن تكمن في قيام السلطة الفلسطينية بتفكيك المجموعات المسلحة. وبدا له ان الرئيس بوش لم يقبل إذا الحجة التي قدمها أبومازن، انه لا يستطيع تفكيك مجموعات مثل «حماس» والجهاد لأن هذا الأمر قد يؤدي إلى نشوب حرب أهلية. وقال إلدار: إذا دققنا في ما تأتّى عن لقاء بوش شارون، يمكن الاستنتاج بأن بوش ليس حاضرا كي يكون في مواجهة مع شارون.
كما انه يظهر جليا ان ما يهّم بوش، أكثر ما يكون هو الانتخابات الأميركية التي باتت على الأبواب. فرأى الكاتب الإسرائيلي، ان شارون قد نجح في ربط بوش بـ «أجندة الإرهاب» فيما حاول أبومازن، أن يربط الرئيس الأميركي «بأجندة الاحتلال» ولكنه فشل في ذلك. وأضاف ان شارون تمكن بذكاء كبير من ربط مسألة السياج الفاصل بموضوع «الإرهاب»، فشدد على ان هذا السياج يحول دون وقوع عمليات «إرهابية»، ما يعزز مسار السلام. وإذ لفت إلى ان بوش أمطر شارون بوابل من المجاملات، لاحظ إلدار ان بوش الذي رأى ان السياج الفاصل هو مسألة «حساسة» لم يذكر أبدا ان السياج «مشكلة» كما سبق وأعلن
العدد 330 - الجمعة 01 أغسطس 2003م الموافق 03 جمادى الآخرة 1424هـ