العدد 330 - الجمعة 01 أغسطس 2003م الموافق 03 جمادى الآخرة 1424هـ

2 أغسطس

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لم تبدأ نهاية نظام صدام حسين في 2 أغسطس/ آب 1990. قبل ذاك التاريخ حصلت تحولات أوصلت نظام بغداد إلى اتخاذ مثل هذا القرار واعتبر مغامرة كبرى بكل المقاييس.

الخطوة الأولى بدأت في خريف 1988 عندما أعلنت إيران موافقتها على وقف اطلاق النار وانهاء الحرب مع العراق بناء على القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن. الخطوة الإيرانية أنهت الحرب وأدت إلى خروج العراق من حرب طويلة انتهت سياسيا إلى الفشل. وبات العراق دولة طموحة مثقلة بالضحايا والديون والبطالة، وتحولت القوات المسلحة في أسابيع قليلة إلى جيش ضخم يستهلك الموازنة من دون وظيفة.

وسلك النظام العراقي سياسة الهروب إلى الأمام متجاهلا اختلاف الظروف الدولية الناتجة عن بدء انهيار المعسكر الاشتراكي وحصول تحولات كبرى في منظومة التوازن بين السوفيات والولايات المتحدة. وبدلا من أن يستوعب الإشارات السياسية التي أطلقتها واشنطن ولندن آنذاك لجأ النظام إلى ممارسة استراتيجية التحدي في خطواته مطلقا سلسلة تصريحات استغلتها الولايات المتحدة لرفع درجة التوتر مع بغداد واستدراج صدام إلى الوقوع في المصيدة.

وبدلا من أن يراجع صدام حساباته دفع نظامه إلى ارتكاب مجموعة أخطاء لا تغتفر في نظر القوى الدولية التي كانت تعيش لحظات نشوة من الانتصار الذي حققته في «الحرب الباردة» وخروج الخطر الكبير وربما الوحيد في العالم من معادلة الصراع الدولي.

ومن تلك «الأخطاء» مطالبة صدام بخروج القوات الأجنبية من مياه الخليج لأن الحاجة إليها انتفت، وإعلان العراق مسئوليته القومية عن أي خطر تتعرض له أية دولة عربية من المحيط إلى الخليج، والاستمرار في تطوير برنامجه التسليحي معلنا عزمه على اطلاق أول قمر اصطناعي عربي في العام 1995 وغيرها من خطوات لها صلة بالأمن الإقليمي وتصميم المدفع العملاق وبرنامج الصواريخ العابرة للقارات. إلا أن أخطر ما أعلنه صدام آنذاك كان تهديده «إسرائيل» وكشفه أن العراق حقق التوازن العسكري الاستراتيجي بتوصله إلى انتاج صواريخ تحمل رؤوس «الكيماوي المزدوج» مشيرا إلى استعداده لاستخدامها وتدمير نصف «إسرائيل» وترك النصف الثاني يبكي على الأول.

هذا التصريح وضع أوروبا وأميركا في معسكر واحد ومضاد للنظام في العراق. ومنذ تلك اللحظة بدأت الخطوات الميدانية للتخلص من صدام من خلال سياسات الاستفزاز والدفع رويدا إلى السقوط في المصيدة وارتكاب الخطأ الذي يبرر الحرب عليه. في تلك الظروف الغامضة وقعت حوادث غير مفهومة في العراق عموما من نوع الانفجار الضخم الذي حصل في مستودع أو مصنع صواريخ أدى إلى مقتل 300 عراقي بينهم الكثير من العلماء والخبراء. وبعد الانفجار بقليل أعلن عن اعتقال الصحافي البريطاني بازوفت (مراسل الاوبزرفر) في بغداد حين حاول الحصول على عينة من التربة التي وقع فيها الانفجار. والمخيف في الموضوع أن صدام لم يستوعب الرسالة إذ حاكم المراسل الصحافي وأصدر حكما باعدامه الأمر الذي رفع من درجة التوتر بينه وبين العالم.

وفي تلك الظروف المبهمة أيضا حصلت حوادث غريبة من نوع اغتيال مصمم المدفع العملاق العالم البلجيكي جيرالد بول في بروكسيل، واعتقال مجموعة عراقية تحاول تهريب صواعق صواريخ إلى بغداد، واختفاء بعض المسئولين وتجار السلاح واكتشاف أوراق ووثائق تشير إلى صلات سرية بين العراق ومصانع مواد كيماوية وبيولوجية في أوروبا.

الغريب أن كل هذه الحوادث المتفرقة لم تقنع صدام بأن رأسه هو المطلوب وأن سياسة «الغنج والدلال» التي وفرها له الغرب خلال فترة حربه على إيران تغيرت الآن وعليه أن يستجيب للضغوط الدولية وإعادة تسليم سلاحه وصواريخه وقنابله إلى الجهات الرسمية وغير الرسمية التي قدمتها إليه من أجل مهمة معينة وليس من أجل العراق.

والمريب في الموضوع أن صدام لم يستوعب الدرس والإشارات بل فهم العكس ولجأ إلى سياسة التصعيد والتهديد ظنا منه أن الهجوم إلى الأمام هو أفضل وسيلة للدفاع، بينما كانت الخطة تقضي بأن يرتكب ذاك الخطأ حتى يقع في المصيدة ويعطي المبرر الكافي للقضاء عليه. وهذا ما حصل.

في الثاني من أغسطس سمع العالم الخبر الذي هز أسواق المال والأسهم ودفع أميركا إلى استنفار قواتها: دخل الجيش العراقي أراضي الكويت

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 330 - الجمعة 01 أغسطس 2003م الموافق 03 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً