هنالك من ينشر نصا، وهنالك من ينشر غسيلا، وهنالك من ينشر نعيه وهو حي يرزق، وهنالك من ينشر أوبئة وأمراضا تكفي لتحويل هذا الكوكب الى مقبرة كونية تضج بالصمت، فما من مقبرة تقوى على ادعاء البلاغة، اذ يصبح الصمت بلاغتها الوحيدة، وهنالك من ينشر فرحا وأعيادا وحدائق وأساور وأوقاتا مليئة بالبياض والحب والخير.
بين النشر والطي حركة، حركة تكمن في التحرير، تحرير الكائن البشري من خوفه وعزلته وجبنه وادعائه ووهمه، ولطمه بحقيقته التي لا يقوى على مواجهتها، خصوصا إذا ما كان فقيرا على مستوى مقومات وجوده معنى وحضورا وتأثيرا.
النشر حضور والطي غياب وانكفاء وانزواء. النشر اعلان عما يجب قوله والشهادة عليه، اعلان عن البسط، والطي اعلان عن القبض وشتان بين الحالين. (واللي على راسه بطحة يتحسسها)!
(2)
علينا الإقرار بأنه ليس دائما ما يكون المحرر هو مصدر تذمر الشاعر أو الكاتب، فكثيرا ما يسقط بعضهم عقده وأمراضه على المحرر لغاية في نفس تريد الوصول والتسلق بأي شكل من الأشكال وضمن اشتراطاتها، كما أنه ليس دائما مايكون المحرر على حق، فثمة تجاوزات وأغراض ونيات لدى بعضهما، أما أن ننظر الى جانب من الصورة ونهمل الجانب الآخر فذلك هو المرض المستفحل بعينه!
(3)
الأنا ... وما أدراك ما الأنا، حبل مشنقة ينصبه الإنسان لنفسه بشكل مجاني وساذج، ينم عن خواء، واتساع رقعة الزيف الداخلي، وحين يصطدم بمن يسعى لإعادته الى رشده يمعن في الإصرار على ذات الحالة المرضية، فيما يصاب هو بنحول وهزال وضمور على مستوى القيمة والإحترام، وحين يصل الإنسان الى تلك المرحلة، من حقه أن ينصب مشنقة يطوق بها عنقه ليريح ويستريح!
(4)
الغرور واحد من العلل التي مني بها عدد من الشعراء، غرور «خمس نجوم» أو لنقل «First Class»، على رغم حداثة التجربة لبعضهم، تجربة لا ترقى لأسماء مربكة وفاعلة ومهيمنة على المشهد الشعري النبطي في المنطقة، ولا تكاد تقارن بأصوات بدأت للتو في الساحة الخليجية! تعج قصائد بعضهم بأخطاء على مستوى الوزن، وضحالة في الصورة، وتهتك على مستوى الموضوع، وتكرار في المضمون، وحين تبدي ملاحظاتك، يتم إخراجك ( دونما تصريح ) من دائرة الشعر والشعور، وتصبح هدفا للغمز واللمز والتطاول. ألم أقل لكم ذات كتابة: إننا بحاجة الى شخص بمستوى ( علي الكيماوي ) لتطهير هذه الساحة من أمراضها؟!
(5)
الفخر... وما أدراك مالفخر، فهو كغرض شعري في القصائد واحد من الأغراض التي اشتغل عليها السابقون واللاحقون من الشعراء، لكنه في زمننا هذا وعلى رغم ندرة الفروسية، وعلى رغم أنها بطولة بالكلمات، وبطولة من لغة، بطولة من خيال، بطولة من ورق، إلا أن «التجارة» أصبحت رائجة بحيث لا يتورع أحدهم عن إخراج الشعراء كل الشعراء من مملكة الشعر وتنصيب نفسه ملكا عليها، ملكا بلا رعية ولا حرس ولا بروتوكول!
هذه الظاهرة يجب التوقف عندها طويلا، فبالأمس كان للفخر مدعاة وسبب فرضته طبيعة الصراع الدائر والتعاطي معه والمواجهات القائمة والخطر المستفحل ، يضاف الى ذلك الإنجاز الذي تحقق في ظل مباشرة لذلك الصراع، وهو إنجاز يحق لنا أن نفخر به من دون أن ندعي اننا طرف فيه، أو نعمد الى التزوير وبوقاحة فجة الى الإدعاء باننا نحن الذين صنعناه! فبالنظر الى طبيعة هذه المرحلة القائمة على فقه الهزيمة وتبريرها، فقه الجبن وتبريره، وندرة الفروسية وتبرير غيابها، علينا أن نقول خيرا أو فلنصمت! في ظل طبيعة مرحلة تسوق ابناءها سوقا الى تعلم مبادئ مثل (ابعد عن الشر وغني له) و (خلك في حالك) لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينزوي العسكريون وهم في بزاتهم ونياشينهم العسكرية، ولا يجرؤ أحدهم على الإدعاء بما ليس فيه، فيما عسكريو الكلمة و«الردح» يطلون برؤوسهم باعثين حالا من الغثيان والتبرم في الأوساط التي يروجون فيها لسلعة لا يملكون حق تسويقها أو توزيعها!
اول النص
ليه الغرور؟
... عندك شعور ولي شعور!!!
... الفرق انك تنسج هدوم الغياب!
... وأنا أنسج أنسج لي حضور!!!
(الجمري
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 330 - الجمعة 01 أغسطس 2003م الموافق 03 جمادى الآخرة 1424هـ