العدد 328 - الأربعاء 30 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الآخرة 1424هـ

الإسلام وقراءة التاريخ وما بعد الحداثة

تشكل منهجية قراءة التاريخ أو فهمه المتجدد عاملا حاسما في تفسير الأشياء واستيعاب الأمور وقدرة ذلك على حركة المجتمعات وتقدمها.

ولا يعني فهم التاريخ النظر إلى سلسلة الحوادث ومحاولة تفحص التفسيرات المتعددة لكل حدث وما يصاحب ذلك في أخذ التفسير أو القراءة المناسبة للاعتقاد أو المصالح.

يقول المؤرخ البريطاني «أي أج كار» إن مؤرخي التاريخ كالطهاة عندما يضفون صيغتهم الطهوية عبر اختبارات متعددة من وصفات البهارات وغير ذلك في وجبات الطعام. فالمؤرخون يضفون للتاريخ ميلهم الأيديولوجي وطريقة القراءة أو الاستيعاب عند سرد قصص أو أخبار مختلفة للحدث نفسه.

ورأى الخبير الفرنسي في القرن التاسع عشر رينو هارنس أن «الخطأ في قراءة التاريخ أو بعض عناصره هو جزء من تكوين القومية ولهذا فإن مفهوم القومية غير متجانس مع مسيرة التاريخ». وقراءة التاريخ تتم دائما وفق صوغ أفضل الأشكال القومية ولهذا غالبا ما يصاحب هذه القراءة تجميل نقاط معينة منها وتشويه نقاط أخرى.

ويتطلب فهم التاريخ والنزاهة في تفسيره وقراءته بموضوعية أخذ كل الحوادث ذات العلاقة وليس تسليط الضوء على حوادث مختارة. كما لا يمكن فهم التاريخ بواقعية إذا كان التركيز على شرح الحوادث وحدها فحسب بل يتطلب وبقدر الأهمية دراسة الدوافع لهذه الشروحات. وتفسير الحوادث وحدها من دون استيعاب الدوافع لا تضع مشاهد التاريخ في تصوراته المعقولة.

ويرى «فارباتش» عن قراءة التاريخ في عصر ما بعد الحداثة «أن التاريخ يوجد أساسا لتفسيره وليس ككتلة من الحقائق والمعلومات التي يعتقد أنها تشكل التاريخ. فالتاريخ يفسر باستمرار ويتغير باستمرار بسبب استمرار التفسيرات الجديدة لذلك تعد محاولة توحيد ذلك ناتجة هي نتيجة تفكير محدود».

فالتحولات الاجتماعية المستمرة والحركة الديناميكية تجعل المجتمع قابلا بصورة أكبر لرؤية واقعية بعلاقته بالماضي وذلك بالانفتاح على تاريخه وجعله على اتصال مباشر مع الظروف الآنية لقراءة الماضي وذلك بالانفتاح على تاريخه وجعله على اتصال مباشر مع الظروف الآنية لقراءة الماضي من زاوية الحاضر. وهذا لا يعني رفض الماضي لان أي مجتمع لا يمكن أن يعيش من دون ماض وإنما تغير قراءة علاقة التوازن بين الماضي والحاضر.

وبالمقابل فإن انعدام حركة المجتمع وقلة الأعمال الفكرية تجعل المسلمين يرون التاريخ واقفا كبركة ماء بينما واقع الحال أن التاريخ كالنهر الجاري الذي يمر بأراض وترع، أي الاستمرارية في التغيير والعمل.

والمجتمع لا يتغير حتى يتم إشراك العنصر الإنساني وطاقاته واستخدامه للأساليب المنطقية وتوفير الحلول للمشكلات والتعامل مع التحديات وفهم التحولات تجعل الإنسان غير مفصول عن التاريخ بل العكس. وهذا يقود إلى اكتشاف وتسخير الطاقات الكامنة والمواهب الكثيرة لأفراد المجتمع. وتغير الواقع والظروف تعني بالضبط تغير الأفراد واستثمار عنصر الإنسان وإضافاته المهمة للمجتمع والمباشرة في تأسيس علاقة متبادلة ومتفاعلة بين الفرد ومجتمعه والمستقبل (عبر مراحل الماضي والحاضر)، وهو ما يعني مجابهة الحياة ليست كوحدة منفصلة بل إنها متكاملة ومترابطة الأجزاء.

وهذا ما يعطي الواقع الحي لممارسات وأفعال وطقوس المسلمين في عصر ما بعد الحداثة الذي يرى أنه لا معنى للحقيقة أو لا وجود لفاصل بين الحقيقة والوهم. وبما أننا نؤمن بنوع من الحقيقة المطلقة فممارسة واقع الفعل لتأكيد نوعية وديناميكية المعنى وذلك بربط التاريخ الحي بطقوسنا وأعمالنا الإسلامية من شأنه أن يثري الموروث الإنساني ويحيل الطقوس والأعمال الدينية إلى حاجات إنسانية كما يمكننا من مواجهة التحديات الجديدة عن طريق إيجاد أدوات ووسائل حديثة لتهيئة العقل للاستجابة لهذا الواقع الجديد. وهو ما يمكننا من معايشة الواقع وفهم ما يحيط بالمسلمين بكل المظاهر المباشرة وغير المباشرة للنظر إليها من زاوية الواقع. والأكثر من ذلك تسهم في طرح تفسيرات حديثة وجديدة للتراث وطرح طرق غير تقليدية لقراءة النص أو تفسير القرآن أو تصور الغيب وغير ذلك

العدد 328 - الأربعاء 30 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً