العدد 328 - الأربعاء 30 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الآخرة 1424هـ

أدونيس و«تمثال المسيح المحجب»

في «كونشيرتو المسيح المحجب»، الذي أهداه أدونيس الى فرانتشيسكا كوراو، تكتشف نصا بعد نص أن أدونيس كائن مسكون بإحراج اللغة... تلك التي ظلت وستبقى قرونا تستدرج ملايين من المهووسين بها اكتشافا واقتناصا وتوظيفا دون أن تنفد، فيما هم ينفدون واحدا تلو الآخر يذهبون باتجاه التوحد مع التراب، حيث الصمت موهبتهم الأخيرة والوحيدة.

بعد زيارة لنابولي في العام 2002 يكتب من برلين هواجس المدينة قبل هواجسه هو، بما فيها هواجس تمثال «المسيح المحجب» لـ «سامارتينو»، هواجس ساحة بلايني، كنيسة سان دومينيكو وساحتها، كنيسة النيل وتمثاله.

أقول بلغة تحرج اللغة ذاتها يكتب أدونيس مستنطقا مدينة نابولي، بل ومؤنسنا لها، الطرق والتاريخ والذات والبلاطة الرمادية والتعريج على المنفى في ظل حفاوة المكان به وحفاوته بالمكان... «تذكرت المعري وغبار الوجود وقلت ربما علي أن أصغي اليه وأن «أخفف الوطء» ترى هل يجيء الغبار الذي يغطي تلك البلاطة الرمادية على عتبة هذه الكنيسة من جسد الأكويني أو من جسد جيوتو؟ أهي يد الغبار التي تلامس كتفي؟ وهواء هذا الزمان من أي غبار يجيء»؟

لا يدع الفضاء على حاله... يستدعي فضاءه المشرقي حين يرمق بمخيلته إحدى الأشجار النابتة في فضاء من الاسمنت، وحتى الطرق يُنبت لها أجنحة بحيث تحلق في مدى لا تطاله حتى الأسطورة!

«لكن الطرق تطير تحت شمس بدأت تحل جدائلها الطويلة فوق شرفات تمد أيديها للأفق مليئة بالورد، كأن الألوان في الأزقة الباذخة أخذت تميل إلى الانزواء لكي تحسن تذكر الوجوه القديمة ، اليونانية، والرومانية، ووقع الخطوات... (بوكاتشيو، بتراركا، توما الأكويني، جيوتو، سامارتينو)... الخطوات على البلاط نفسه الذي عشقته قدماي» (كل شيء تغير الا هذا البلاط).

يعمل على «شعرنة» حتى مقص الأظافر حين يتحول الى مدخل لاختطاف طائرة هناك، في الغرب المتحول والمرتد على عقبيه بعد حوادث 11 سبتمبر/أيلول... بل يكفي أن تكون مشرقيا لتكون مشروع اختطاف للغرب كل الغرب بكل انجازاته بدءا بنيوتن وهو في قبره وليس انتهاء بمبنى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية!

مقص للأظافر... مقص آخر للورق بحجم الإصبع «لن يطير معك الى ميونيخ» قالت الشرطية الإيطالية، كيف رأت فيّ خاطفا أنا الذي ولدت مخطوفا؟!

تقرأ له وكأنك في الهزيع الأول من المكان في الذروة من تلك الأجنحة المتناسلة في الأمكنة التي يرتادها راصدا المؤجل والمهمل والمركون هناك في وحشة الزوايا، في الوجوه المتفرجة على هذه الجلجلة التي أحياها فرانتشيسكو بتوليفته الرائعة بين الإيقاع العربي وإيقاعه الإيطالي أو كما يقول أدونيس: بين الكلمة التي تنحدر من فم السماء والكلمة التي تصعد من فم الأرض!

تلك الأنامل الباذخة والمفكرة تثير الدهشة بإعادة تجسيد الألم في صورته التي جاءت مستلة من التاريخ والجغرافيا وتراث من الخيانات... الموجة التي انسدلت على جانب من التمثال... والماء الذي تجسد الى «منديل متجعد»... أية لغة يمكنها ألا تشعر بالحرج أمام «عبقرية أنامل» سامارتينو وعبقرية البذخ في اللغة التي يفاجأ بها أدونيس المدن والأمكنة التي جاءها كاشفا ومكتشفا الغامض؟ ليتركنا في مهب قراءته وكتابته التي لا تشبه أية كتابة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً