العدد 328 - الأربعاء 30 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الآخرة 1424هـ

صورة المرأة في روايات فوزية السالم (3)

في الوقت الذي ترسم فوزية السالم نمطا من المرأة السلبية في المجتمع الخليجي، وكأنها عنصر استهلاكي أكثر منه إنتاجيا، ترسم أيضا امرأة ذات صيت وجبروت متسلحة بالعادات المجتمعية والأسرية والتراثية، لذلك نرى أم الزوج/ الرجل تبحث عن نساء ليكن زوجات لابنها، وهو بدوره يفرح، بل يتفاخر بين الاصدقاء وفي الأحياء بأنه قادر على الزواج بأكثر من زوجة، وهذا ليس مستغربا، فالعادات والتقاليد التي تؤيد تعدد الزوجات كانت منتشرة في منطقة الخليج العربية.

تتمظهر العادات والتقاليد كتاج يوضع على رؤوس العباد، فالمرأة/ الأم هنا تفرض دورها القوي ورأيها الذي لا يقبل النقاش أو التنازل عنه، فهي التي تبحث لابنها عن الزوجات، وهو الذي يقبل بذلك بالطريقة التقليدية من دون أخذ رأيه أو التحاور معه، أو معرفة ما يفكر فيه. فالزواج من الأولى لأنها من الأهل، كما أن هذا الزواج أو ذاك بهذه العملية وبهذه الظروف القاسية ما هو إلا مؤسسة عنف واضطهاد، تمارسه أم الزوج على زوجاته، لذلك تصبح المرأة عبدة في البيت تؤدي وظائف معينة قسرا وجبرا، وظائف فصّلت عليها منذ ليلة زفافها، وتكمن في العمل المنزلي والطبخ والكنس، وعدم رفع العين في وجه الرجل أو الزوج، والنوم والانجاب، فهي آلة عمل وتفريخ تحركها الأيدي رغبة وقسرا كيفما شاءت.

ورغبة في زيادة عدد أفراد الأسرة و«الخلف» وقعت الزيجة الثانية من «فطيمة» التي انجبت الأبناء والبنات، ثم تلا ذلك الزواج بزوجه ثالثة حبا في التنوع، غير أن الثالثة لما لم تستطع أن تفي بتنفيذ الرغبات الزوجية دخلت الزوجة الرابعة، ولولا أن هناك حدا شرعيا لتعدد الزوجات لأكثرت الأم من تزويج ابنها من دون أن يعلن اكتفاءه.

وكما كان الرجل/ الأب قد تزوج أربع نسوة في رواية «الشمس مذبوحة»، ففي رواية «النواخذة» يتزوج ابراهيم العود الشخصية الذكورية الرئيسية مرتين، مرة من «أم عبدالعزيز»، والأخرى من جارية أتي بها في أثناء تجارته عبر البحار والتطواف بين موانئ البلدان بعدما حملت منه بطريقة غير شرعية.

وإذا كانت «جنة» قد حملت وأنجبت من «ابراهيم العود»، فإن «زيانة» حملت وأنجبت من الرجل الفرنسي «إيف» في رواية «مزون» وهنا تعطينا الكاتبة مؤشرا على الشجاعة الابداعية في الطرح والقول والرؤية، شجاعة طرح المسكوت عنه في ثقافتنا الخليجية.

أما الأب عبدالعزيز في رواية «مزون» فيتزوج أربع نساء أيضا، وهذا ما يدل على امتداد الأسرة الواحدة من جهة، وعلى نظرة الرجل الخليجي إلى مؤسسة الزواج من جهة أخرى، إذ الرجل هو المالك المسيطر المتحكم في مصير أفراد الأسرة نساء ورجالا.

وعلينا أن نتصور العلاقة التي تنسج بين ضرات في بيت واحد وأم كبيرة في السن متغطرسة في قولها وحركاتها وأوامرها، وزوج لاه بأعماله وشئونه خارج المنزل. مما لا شك فيه أن الأم/ العجوز في رواية «الشمس مذبوحة» تؤيد زوجة على أخرى بحكم خلق نوع من الحساسية والغيرة.

وخلاصة القول ان الكاتبة كانت تؤكد مفهوم «جورج لوكاش» نحو الرواية، فيرى الرواية افراز المجتمعات البرجوازية على الصعيد الأدبي، وهذا ما كان بارزا في الروايات الثلاث وفي ضوء محاولات الكاتبة للتطوير وكشف الزيف داخل المجتمع المرتبط بالبنى الاجتماعية والاقتصادية، لذلك باتت الرواية سيرة ولوحة اجتماعية، وتعبيرا عن الواقع الاقتصادي والسياسي بنضج ووعي حضاريين.

وكذلك حاولت أن تسلط الضوء على طرائق التفاعل والتعامل بين المرأة والرجل في منطقة الخليج العربية، إذ نراها ناقشت الزواج وسلطة العادات والتقاليد الفارضة جبروتها على المرأة من دون الرجل، فكشف الحالات النفسية التي تعاني منها المرأة الخليجية في العلاقة الزوجية، مثل: العلاقة المتقطعة بين زيانة المركونة في عمان وزوجها حمود المنشغل بتجارته في زنجبار، أو في تلك الحالات النفسية التي تراكمت عند وضحة التي زفّت إلى بوسعود من دون إرادتها، أو هيا التي تعذبت طوال حياتها.

كما تكشف الكاتبة عن تلك العلاقات المتجانسة في الزواج، لم يكن هناك تجانس تعليمي وحضاري وثقافي بين زيانة وايف حين بنيا علاقات عاطفية بينهما، وكذلك ليس هناك تجانس اجتماعي واقتصادي بين وضحة وبوسعود وانما التجانس التعليمي والثقافي والاقتصادي برز في العلاقة العاطفية بين مزون وخالد التي تنج عنها زواجهما.

وهنا تعلن الكاتبة ومن خلال روايتها الثالثة رغبتها في التغيير والتحول واعطاء المرأة حقها في محاربة القيود المكبلة بها طيلة عقود من الزمان، واتاحة الفرصة لها لأن تشارك في صنع مستقبلها واتخاذ قرارها الذي يجعلها تمارس هوايتها وتحقق طموحاتها التعليمية والاجتماعية والاقتصادية، وانخراطها في عالم الرجال من خلال التعليم المختلط أو الوظائف المختلفة.

وفي ضوء هذه العلاقة كانت هناك ظاهرة الكنية أو الاسم الذي يضاف الى الاسم الأصلي، أو حذف ليبقى المضاف والمضاف إليه معبران بالكنية عن الاسم الاصلي للفتاة، فقد ظهرت اسماء بهذه الكنيات، مثل: أم عبدالعزيز، أم سعود، وفي الوقت ذاته ابرزت مجموعة من أسماء الفتيات من دون كنية، مثل: وضحة، نايفة، جنة، مزون، زوينة.

إن هذه الظاهرة المرتبطة بالكنية موجودة في التراث العربي، ولم تكن انتقاصا من مكانة المرأة حين تكنى، بل كان بعض الرجال يُعرفون بأمهاتهم، مثل: عمرو بن كلثوم. بمعنى ان الكاتبة لم تكن متعمدة طرح هذه الكنية على فئة من النساء وترك الأخريات على رغم ان التاريخ لم ينصف المرأة في اطلاق الاسم أم عدم اطلاقه، أي هناك من يتحرج كثيرا حتى ونحن في القرن الواحد والعشرين أن يخبر باسم زوجته أو بناته.

لقد قامت الكاتبة بنقل ما هو هامشي في الثقافة العربية وجغرافيتها الى المركز، فالمرأة الخليجية أولا، والمنطقة ثانيا من حيث دورها الثقافي والحضاري والتاريخي، لذلك كانت المركزية التي أرادتها الكاتبة تكمن في ثقافة المكان وحضارته وتاريخه الانساني، وعلى تلك الثقافات الأخرى - ان كانت تؤمن بحوار الحضارات، وتبادل المعرفة الثقافية - أن ترى هذه المنطقة من الزاوية الحضارية، وليس من الزاوية النفطية، والموقع الاستراتيجي.

كما ان هذا الحفر في تكوين شخصية المرأة اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا مع وجود سلطة الرجل هو حفر في بنية ما كان مسكوتا عنه طيلة الفترات الزمنية الماضية، فالكاتبة وهي تطرح هذه القضايا - التي تمس تاريخ المرأة وحياتها المجتمعية المنغمسة في تيارات التقليدية والأعراف الاجتماعية - لم تكن مؤرخة لكي تسجل لنا الماضي وتفاعلاته مع المرأة، بل هي روائية تنظر الى المرأة وما يحيط بها نظرة ثاقبة ورؤية تأملية تحليلية للوقوف على تلك المجريات، وما هو موجود في عصر التغيرات والتحديات المختلفة، وما يمكن استشرافه مستقبلا لهذا المخلوق الذي عاش يضحي ولايزال لكي يحافظ على النوع ويبني المجتمع.

بعد دراستنا لصورة المرأة في روايات السالم من خلال سيرة بنائها وعلاقة ذلك بالعتبات الأولى، تبين أن الكاتبة سعت جاهدة الى رسم صورة المرأة الخليجية رسما يكشف واقعها الذي تعيشه، واقع عانت منه المرأة منذ عقود وعهود اقتصاديا واجتماعيا، فقد اضطهدت من قبل المجتمع الصغير المتمثل في أسرتها، والمجتمع الكبير المتمثل في محيطها المجتمعي المحلي، أو الاقليمي بحكم مجموعة من العادات والتقاليد والاعراف التي اعطت الرجل حق السيطرة والامتلاك.

إن السيطرة التي وقعت على المرأة من الطرف الآخر، وقع بوصفها بنتا صغيرة لم تبلغ الحل بعد كما حدث لزوينة التي راحت مريضة منزوية، وبوصفها بنتا قاربت على الزواج كما حدث لوضحة، وبوصفها حبيبة وعاشقة كما حدث لهيا ونايفة، وبوصفها جارية كما حدث لجنة، وغيرها من الاشكال التي ابرزتها الكاتبة ضمن بنية المجتمع الخليجي.

وهذه المحاولة والسعي من قبل الكاتبة مراده مسك يد المتلقي العربي لأخذه الى دهاليز العلاقة المنسوجة في المجتمع الخليجي بين المرأة والرجل، ليرى ويتأمل مدى المعاناة التي عانتها المرأة، وكيف استطاعت ان تحارب بعض القيود وتفك الحصار عنها، وتنال جزءا من حقوقها المشروعة.

وهنا تبرز بعض الملاحظات لابد من التنويه بها، مثل:

- بيان سيطرة الرجل/ الزوج في المجتمع الخليجي، وخصوصا إذا كان مقتدرا ماليا، وصاحب مال وفير وتجارة كبيرة.

- علاقة الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل هي علاقة غير متكافئة في كثير الأحيان، فالرجل هو صاحب اتخاذ القرار، فضلا عن مسألة الكنية التي واكبت بعض الشخصيات النسوية في الرواية تعمدا وتترك الآخر ليقول المتلقي ما يقول، إن هذه المسألة تحتاج الى بحث ودراسة ليس في الرواية العربية، بل في الثقافة العربية

- ابراز دور المرأة من خلال تحدي الواقع الذي تعيشه عن طريق العمل ومحاربة العادات كما كان في نايفة التي حاربت القبيلة واصرت هروبا على الزواج ممن تحب وترضى، أو عن طريق الوعي والثقافة والعمل بواسطة التعليم والبعد الاكاديمي، كما حدث في شخصية مزون التي استطاعت ان تحب وتتزوج وتسافر الى مناطق متعددة من دون قيد او شرط متحدية رؤية الرجل الشرقي للمرأة، إذ تدخل في حوارات تكشف من خلالها هذه الرؤية وتتصدى لها بوعي حضاري.

- إن محاولة الكاتبة سبر أغوار عالم المرأة العربية، وتحديدا المرأة الخليجية، وما كانت تعانيه من سلطة الرجل وسلطة المجتمع، هي محاولة لتضع المرأة نفسها في موضع المسئولية المجتمعية، وما ينبغي ان تقوم به تجاه نفسها، وغيرها من اجل البناء والتطوير.

- ان كل الشخصيات التي شكلتها الكاتبة وبنت بها عالمها الروائي النسوي، هي شخصيات جاءت من بنية المجتمع الذي غرس فيها الخوف والتردد والرضوخ للآخر، لذلك اعطت بعض الملامح للمرأة التي تتطلع اليها، المرأة التي تتمرد على الوضع الذي يسجنها، ويقبعها في زاوية النسيان، ويتركها لأوهام وخرافات





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً