العدد 328 - الأربعاء 30 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الآخرة 1424هـ

امرأة عابرة للقارات ولا شيء يعترض سبيلها

أحلام مستغانمي في «عابر سرير»

لم تكد تصدر رواية «عابر سرير» لأحلام مستغانمي حتى نفذت الطبعة الأولى، كما حصل مع «ذاكرة الجسد» الجزء الأول من الثلاثية إذ وصلت إلى عشرين طبعة في أقل من عشر سنوات، وهذا أمر نادر الحدوث في تاريخ الرواية العربية. بعناية تختار «أحلام» عناوين روايتها التي تعطي ـ للوهلة الأولى ـ انطباعا جسديا سرعان ما يتفتح المعنى على دلالات سريرية غير متوقعة. فتعبر «ذاكرة الجسد» «سرير» أحلام، ليتنازع عليه الحب والموت وأوجاع الوطن ورجاله الشرفاء الذين يعبرون بأقدارهم من دون انحناء، متشبثين بأحلام الخاسرين.

وبمنطق الصورة نفسها التي تلتقطها آلة التصوير، تأتي «عابر سرير» كصورة لـ «ذاكرة الجسد» إذ يظهر فعل الكتابة بديلا لفعل الجسد، ففي عالم من السرد الشعري المفرط والذي يبدو أحيانا متكلفا ولا يخلو من الإقحام والاستعراض الثقافي باستحضار أفعال وأقوال وأدباء مشاهير، ترسم أحلام أبطالها المتشابهين الى درجة التطابق فهم دائما معطوبون جسديا أو جرحى حرب أو (حب) «كدت أقول له طبعا لان رجال تلك المرأة يتشابهون» ص 116 حب حياة أو أحلام التي تبقى في أجزاء روايتها الثلاث امرأة عابرة للقارات مدمرة للرجال تعبر أجسادهم وتنهش ذاكرتهم وتسبب فوضى في حواسهم فهي دائما الشهية البهية الدائمة العبور. يعشقها أكثر من شخص في اللحظة نفسها ويتقاسمون وجعها على وقع الدفوف القسنطينية.

«كنت أفكر وقتها في امرأة هي الوريثة الوحيدة لذلك الحداد الجميل، وانزلق تحت شراشف غيابها.

سريري لم يخلُ منها، تلك التي بعد كل زيارة يتجدد عبقها، أخفي ثوبها كما نخفي ليلة العيد ثيابنا تحت الوسادة. أزور رائحتها ويعودني في الوحدة قميص نومها.

عامان من الوفاء لقميص نوم سرق كل عبق الأنوثة المعتقة في قارورة الجسد.

كنت أواضب على اشتهائها كل ليلة واستيقظ كل صباح وعلى سرير آثار أحلام مخضبة بها» ص 132 - 133

تتعرف في الرواية إلى مصور جزائري فاز بجائزة الصورة العالمية لصورة التقطها لكلب نافق في إحدى المجازر، يطلق على نفسه اسم «خالد بن طوبال» بطل «ذاكرة الجسد» ويسافر إلى باريس ليتسلم الجائزة وهناك يقع في فخ المصادفة فيتعرف إلى «زيان» الرسام الكهل المصاب بالسرطان والراقد في أحد المستشفيات، والذي يشترك معه في عطب جسدي فزيان ذراعه مبتورة وخالد أصيب برصاصة أيضا في ذراعه أثناء تصوير إحدى المظاهرات فأصبحت شبه مشلولة، وحب حياة أو أحلام التي رتبت لها المصادفة موعدا في باريس للقاء أخيها «ناصر» المقيم في ألمانيا هربا من الجحيم الجزائري، حياة التي تبدو في «عابر سرير» قد عدلت عن كتابة الروايات فهي ـ على حد قولها ـ كالقمار تعطيك وهما كاذبا بالكسب، وما عاد يستهويها قتل أبطالها بل تدعهم لقدرهم أو لأنظمتهم العربية التي تمنحهم موتا بأشكال وأحجام مختلفة «وهي كالأنظمة العربية تحترف توثيق جرائمها فالرواية مليئة بقصص كثيرة عن الموت الذي تعرض له الكتاب والقضاة والشعراء وغيرهم من الجزائريين والعرب، فالجزائر لها تقاليد في قتل مثقفيها على حد تعبير الكاتبة.

«اصبح ضروريا إصدار كتالوج للموت العربي، يختار فيه الواحد في قائمة الميتات المعروضة طريقة موته. مستفيدا من جهد أمة تفوقت في تطوير ثقافة الموت فقد تختار بدل أن تموت ميتة كردية مرشوشا كالحشرة بالمبيدات الكيماوية، أن يكون لك شرف الموت بالمسدس الذهبي لإله الموت نفسه أو أحد أبنائه. وقد تفضل بدل أن تسلم حيا إلى الكلاب الجائعة، وتدور بأحشائك في ساحة سجن كما حدث في سجون مغاربية أن تحفر بنفسك قبرك وتتمدد به بملء إرادتك فيذبحك الإرهابيون وأنت مستلق بوضعك النهائي المفضل». ص 260

تأخذ الرواية خطا تصاعديا وتبلغ الذروة عند موت «زيان» إذ تصبح اللغة قوية ومباغتة الى درجة تكاد تقطع الأنفاس إذ لا يستطيع القارئ التقاط أنفاسه بين السطر والسطر ويزيغ بصره وهو يرى الشخصيات تعبر جسور قسنطينية أو أحلام ويتبادلون الأسماء والأدوار والأوجاع في فنتازيا مذهلة فتتوحد حياة مع نجمة حبيبة كاتب ياسين في توأما نجمة ويصبح «زيان» هو «زياد» و«فرانسوا» «كاترين». فلا يعود القارئ يميز ان كان يقرأ «ذاكرة سرير» أو «عابر جسد».

«من يصدق شيئا غريبا عن امرأة كزهرة توليب سوداء تدعى تارة حياة وتارة نجمة تأتى دائما في آخر لحظة.. في آخر مشهد لتقف أمام نعش رجل توقف عن الهذيان لفرط ما انتظرها» ص 292

«أيتها المترددة ذعرا ارمِ بنفسك فوق هذا الصندوق الخشبي الذي يضمه كما كنت ترتمين طفلة صغيرة على حجره، يوم كان يلاعبك، يضمك إليه بذراع واحدة يستبقيك ملتصقة إلى صدره. هو ذا ممد أمامك من لك بعده؟ من كان لك سواه؟ الثمي صندوقه الثمين سيعرف ذلك حتما. لا تصدقي أن الخشب غير موصل للحرارة. الموت لا يعترف بنظريات الكيمياء» ص293

«عابر سرير» رواية عليك أن تقرأها قراءة حذرة منذ الصفحة الأولى حتى لا تصاب بالذعر أمام تلك الروئ الفجائية الصاعقة أما ذلك الارتطام المدوي بالآخر. أي شيء جميل هو في نهايته كارثة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً