شغل الصحف الأميركية، التقرير الذي نشره الكونغرس الأميركي بعد عشرة أشهر من التحقيق في هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 والذي تضمن انتقادات قاسية لوكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إي» ومكتب التحقيقات الفيدرالي «اف بي آي» ووكالة الأمن القومي «إن أس إي» لعجزها عن الإفادة من معلومات مهمة عن هجمات محتملة أو مراقبة تحركات أفراد معروفين لديــها تنقلوا بسهولــة داخــل الأراضي الأميركية بينهم خاطفا الطائرات خالد المحضار ونواف الحازمي والعقل المدبر المفترض للهجمات خالد شيخ محمد. وتحدث التقرير عن تفويت «أفضل فرصة لكشف مخطط 11 سبتمبر» بعدم إطلاع وكالات الاستخبارات مكتب التحقيقات الفيديرالي في سان دييغو على أن المحضار والحازمي ارهابيان مفترضان. غير انه خلص إلى ان أجهزة الاستخبارات لم تملك «أدلة دامغة» تشير تحديدا إلى مخطط 11 سبتمبر، مع توافر معلومات، يعود قسم منها إلى العام 1994، عن عزم تنظيم «القاعدة» على شن هجمات بطائرات.
فاعتبرت افتتاحية نيويورك تايمز، انه كان من الممكن ألاّ تقع اعتداءات 11 سبتمبر «الإرهابية» لو ان وكالات الاستخبارات الأميركية الداخلية والخارجية قد تبادلت المعلومات عن تنظيم «القاعدة».. لكن الصحيفة الأميركية، لاحظت أيضا ان إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تعد بإجراء تغييرات على مستوى أجهزة الاستخبارات لكن التغييرات ما زالت حبرا على ورق ولم يتم تنفيذ أي إجراء.. واستنتجت واشنطن بوست، من قراءاتها للتقرير، انه يظهر أهمية أن تعمل أميركا، على فهم كيف تحولت الولايات المتحدة، إلى بلد هش، تعرض لهجوم كارثي. لكن استنتاجات إيريك ليشتبلاو في نيويورك تايمز، وصلت إلى حد اعتبار التقرير مقدمة للإطاحة بآمال جورج بوش الابن الانتخابية، فهذا التقرير الذي يثبت فشل الاستخبارات الأميركية والذي يزيد الشكوك عما إذا كانت الإدارة الأميركية اتخذت إجراءات كافية في موضوع مكافحة «الإرهاب»، ستضاعف من قوة خصوم بوش الديمقراطيين، خصوصا أن أميركا على أبواب الانتخابات الرئاسية، بحسب تقديرات ليشتبلاو.. ولفتت نيويورك تايمز في افتتاحيتها، إلى انه اتضح بالاستناد إلى تحقيق الكونغرس في أداء وكالات الاستخباراتية الأميركية، انه كان من الممكن ألا تقع اعتداءات 11 سبتمبر «الإرهابية»، لو ان وكالات الاستخبارات الأميركية الداخلية والخارجية قد تبادلت معلوماتها التي كانت تملكها عن نشاطات تنظيم «القاعدة». ورأت الصحيفة الأميركية، انه من الصعب القول انه كان من الممكن الحؤول من دون وقوع اعتداءات 11 سبتمبر لكن لا بد من التشديد على انه كان لا بد من أن تعمل وكالات الاستخبارات بجهد أكبر من الجهد الذي بذلته العام 2001 خصوصا أن العدو الذي كان يواجهها كان تنظيم «القاعدة» المتطور والمراوغ. وعلق إيريك ليشتبلاو في نيويورك تايمز، على التقرير الصادر في أميركا، عن فشل الاستخبارات الأميركية في التعامل مع الاعتداء «الإرهابي» الذي وقع في 11 سبتمبر 2001 ورأى ان هذا التقرير قد يجبر إدارة بوش، على مواجهة سؤال محير ظن البيت الأبيض انه قادر على التغاضي عنه لفترة معينة، وهذا السؤال هو كيفية الحؤول من دون وقوع اعتداءات «إرهابية» أخرى. ونقل عن مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأميركية، انه يتم تطوير لائحة بالإصلاحات التي لا بد من أن تنفذ بهدف محاربة «الإرهاب». على ان من بين الإصلاحات هو إنشاء مركز جديد تديره وكالة الاستخبارات المركزية، بهدف خلق جو من التعاون بين كافة الوكالات الاستخباراتية ما يساعد في تحليل أي تهديد «إرهابي». كما انه سيتم تحديد دور مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي لا بد من أن يسعى للحؤول من دون وقوع اعتداءات «إرهابية»، إلى جانب إنشاء قسم فيدرالي يعنى بالأمن الداخلي في أميركا. ونقل عن خبراء مطلعين، ان صدور هذا التقرير سيزيد من الشكوك عن ما إذا كانت الإدارة الأميركية، قد اتخذت إجراءات كافية في موضوع مكافحة «الإرهاب». وأضاف أحد الخبراء، ان هذه المسألة ستزيد من قوة خصوم الرئيس بوش الديمقراطيين خصوصا أن أميركا، على أبواب الانتخابات الرئاسية.
ويقع تقرير لجنتي الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ في 900 صفحة وقد حصلت وكالة اسوشيتد برس على مقاطع مفصلة منه قبل نشره. وهو يورد تفاصيل جديدة عن مخطط الهجمات وفشل أجهزة الاستخبارات الاميركية التي لم تملك في الواقع «أدلة دامغة» على احتمال حصول هجمات سبتمبر كما حصلت. وإذ أكد انه حتى لو لم يسجل تقصير في أداء الاستخبارات، فإن الأدلة لم تظهر انه كان ممكنا تجنب الهجمات، رأى ان «النقطة الأهم هي ان فريق الاستخبارات لم يحاول ان يقيم علاقة بين كل هذه المعلومات الأمر الذي كان يمكن أن يزيد فرص كشف المؤامرة ومنع (أسامة) بن لادن من الهجوم على الولايات المتحدة».
وأثار التقرير شكوكا في صلة السلطات السعودية بالخاطفين، قائلا ان عمر البيومي، الذي يُعتقد انه عضو في المخابرات السعودية أو عميل لـ «قوة أجنبية»، تلقى «تمويلا غير محدود من السعودية». وأضاف ان المحضار والحازمي حصلا على «معونة كبيرة» من البيومي الذي كان على صلة بـ «القاعدة». وأعيد النظر في معظم الاجزاء المتعلقة بدور السلطات السعودية بالخاطفين كما كان متوقعا، لكن التقرير انتقد تعاون حكومة الرياض في مكافحة الارهاب. علما ان مجلة نيوزويك، كانت أول من تحدث عن التقرير قبل نشره، وكشفت ان لجنة الكونغرس للتحقيق في هجمات 11 سبتمبر، يثير تساؤلات عديدة عن دور محتمل للسعودية في هذه الهجمات. وقالت المجلة الأميركية ان إدارة بوش رفضت نشر عدد كبير من المقاطع الرئيسية عن دور الرياض ودول أخرى، وقد حذفت هذه المقاطع من الصيغة النهائية للتقرير. وبحسب نيوزويك، فإن التقرير يشير إلى ان الرياض لعبت العراب المالي واللوجستي لإرهابيي 11 سبتمبر، وشكلت بذلك أساسا ضروريا ولابد منه لنجاح الاعتداءات. وقالت أن التقرير يتضمن معلومات خطيرة تشير إلى ان أحد شركاء الخاطفين المسؤولين عن الاعتداءات وهو عمر البيومي الذي ربما كان عميلا للحكومة السعودية، وتحدث التقرير عن المساعدة التي قدمها دبلوماسيون سعوديون في سفارة بلادهم في واشنطن لتسهيل دخول عدد من الانتحاريين في اعتداءات 11 سبتمبر إلى الولايات المتحدة والإقامة فيها، وأضافت المجلة الأميركية أن التقرير سيثير بالتأكيد تساؤلات عن الدور الذي لعبه بعض المسؤولين الرسميين السعوديين ربما لتسهيل تحركات الخاطفين. لكن وكما توقعت المجلة الأميركية قبل أيام من نشر التقرير، تم حذف المقاطع التي كانت بلا شك ستثير من جديد «غبارا» في سماء العلاقات السعودية الأميركية التي لم تخل منذ 11 سبتمبر من الغيوم.. هذا في حال كان ما زعمته «نيوزويك» حقيقة.. وقد لا تكون.. لكنه في أي حال.. يضيف إلى الرئيس الأميركي جورج بوش العالق في رمال العراق وفي «خريطة الطريق» وفي خرائط الشرق الأوسط!! متاعب إضافية قد لا يكون التقرير «الكونغرسي» إلاّ إضافة محلية قد يلعبها «الديمقراطيين» في وجهه لتحول من دون انتخابه لولاية ثانية.. كما يتوقع الكاتب الأميركي إيريك ليشتبلاو
العدد 327 - الثلثاء 29 يوليو 2003م الموافق 30 جمادى الأولى 1424هـ