العدد 327 - الثلثاء 29 يوليو 2003م الموافق 30 جمادى الأولى 1424هـ

من غرائب اغتيال عدي وقصي: آل بوش، آل حسين!

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

في مارس/ آذار 2003، صرح وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد، لمحطة «الجزيرة» بالآتي: «إن اميركا ليست في وارد بناء امبراطورية. ونحن لا نتّبع سياسة بناء وخلق المستعمرات».

هل يمكن للوزير رامسفيلد أن يقنع العالم بسبب وجود حوالي 150000 جندي أميركي في العراق؟ هل يمكن للوزير رامسفيلد أن يفسر للعالم سبب وجود حوالي 750 قاعدة عسكرية أميركية، موزعة على أكثر من 130 بلدا؟ هل يمكن للوزير أن يفسر سبب صرف وزارته على الترسانة الأميركية، حوالي مليار دولار يوميا، هذا عدا الإضافات؟ هل يريد رامسفيلد أن يقول إن اميركا امبراطورية على رغم ارادتها؟ وهي كذلك لأن الحياة لا تعترف بالفراغ، وبسبب غياب البُعد المنافس لها؟... على كلٍّ هي البطل، والعالم يتحمّل تصرفات هذا البطل مهما كانت النتائج. ولابد من التعامل مع هذا الواقع.

يبدو الاكيد هنا، أن اميركا امبراطورية، لكن من نوع جديد. وتبدو فرادة هذه الامبراطورية، في أن العالم كله تقريبا، يتقبّل قيمها، عاداتها وإنتاجها، وخصوصا الوهمي Virtual Reality.

بسبب التقدم الاميركي الهائل في حقل الاتصالات (صوت وصورة)، من الاكيد أن الرئيس بوش كان قد تابع العملية العسكرية ضد آل حسين على شاشة عملاقة، لكن آمنة في الوقت نفسه، حتى ولو أظهر تحقيق الكونغرس عن 11 سبتمبر/ ايلول، ضعف وكالات الاستخبارات الاميركية. وأن ما صرح به القائد العسكري في العراق الجنرال سانشيز، بشأن صوابية قرار قائد القوة المهاجمة في الدخول عنوة إلى حيث يوجد قصي وعدي، لا يمكن أن يقنع احدا. فإن هذا القرار (البحث، إلقاء القبض أو القتل بحسب وصف المهمة) حتى ولو كان على المستوى العسكري يندرج في الخانة التكتيكية. فإن نتائجه، هي حتما ذات تأثير استراتيجي على الإدارة الاميركية، في الداخل الاميركي، كما في العالم. من هنا يمكننا الجزم، بأن قرار التصفية كان قد اتخذ مسبقا، وأن ما شهدناه من تأخير وما شابه، ليس إلا عملية إخراج اميركية هوليوودية، لكنها ليست بالتأكيد ابرع من انتاجات وإبداعات ستيفان سبيلبرغ، وخصوصا في مجال المؤثرات الخاصة Special Effects.

ما تأثيرات هذه العملية

على الادارة الاميركية؟

أتت العملية العسكرية ضد اولاد الرئيس المخلوع صدام حسين لتنقذ الرئيس بوش من ورطته. فهو كان قد بدأ بالتعرض لسهام المعارضة، بعد أن كذب في خطاب حال الامة بشأن العراق والنيجر. كذلك الامر، بدا الرئيس بوش عاجزا عن مسك الاوضاع في العراق. فالمقاومة العراقية مستمرة، والجنود الاميركيون القتلى إلى تزايد مستمر. والرئيس صدّام حر طليق يوجّه الرسائل الصوتية إلى الشعب العراقي، ومن داخل العراق، وتحت انف الاستخبارات الاميركية، العسكرية منها والمدنية. والشعب العراقي يريد خروج الاميركيين بأي ثمن.

تأتي اهمية العملية في نوعية واهمية الاهداف المقصودة. فالقتيلان هما ولدا الرئيس المخلوع، اللذان كانا يساعدانه على حكم العراق، حتى ولو عبر إرهاب العراقيين. وهنا لم تشذ اميركا عن استراتيجيتها الثابتة في استهداف مراكز ثقل العدو والمتمثلة بالقيادة والسيطرة. وبعد هذه العملية، تكون اميركا أسقطت ورقتين إضافيتين من ورق اللعب الخاص بالعراق، لتسهل المهمة لاحقا.

من خلال هذه العملية، وعملية القتل والعرض العام لهذه الجثث، يتبين أن اميركا توجّه رسائل في كل الاتجاهات: إلى العرب المحيطين بالعراق، وإلى العراقيين في الداخل. إنها ضربة معنوية كبيرة للمعارضين العراقيين الذين يريدون خروج الجيش الاميركي. أميركا تريد ان تقول انها باقية ومتورطة أكثر، وهي عازمة على القيام بكل ما يلزم لتحقيق أهدافها. ومن خلال ذلك، تقول للمقاومة إنه لا سبيل لها للانتصار عليها.

من خلال العملية ترفع اميركا من معنويات عسكرها الذي بدأت تصعب عليه الحياة في العراق، فهو لم يدرّب باعتباره جيشا يعمل لحفظ الامن في محيط عدائي، وإن كل انتصاراته كانت بسبب حركيّته العالية وقدرته على المناورة. وها هو الآن، يعمل كقوة ثابتة في بلد تعمّه المتناقضات في كل المجالات: الدينية، العرقية وحتى المذهبية.

ستساعد العملية ايضا في رفع معنويات وكالات الاستخبارات الاميركية بعد أن منيت بهزائم متعددة كانت اولها 11 سبتمبر، وعدم امكان القبض أو قتل اسامة بن لادن، وعدم امكان القبض على صدام أو قتله، وعدم العثور على اسلحة دمار شامل، وأخيرا وليس آخرا عدم التوقع المسبق بإمكان وجود مقاومة عراقية عسكرية للوجود العسكري الاميركي. من هنا تزامن نشر تقرير الكونغرس المتعلق بـ 11 سبتمبر، مع تنفيذ العملية.

ستساعد هذه العملية معنويا القائد الجديد للقيادة الوسطى الاميركية الجنرال جون ابوزيد، المطلوب منه ومن القيادة السياسية الاميركية وضع حد وبسرعة للمقاومة العراقية، وذلك عبر رسم استراتيجية ملائمة للقضاء عليها.

ستساعد هذه العملية الاميركيين ومجلس الحكم المؤقت في عملية إعادة بناء القوى الأمنية العراقية. فالكابوس قد أُزيح عن رؤوسهم، وهم حتما سيتطوعون لذلك، وخصوصا أنه لا يوجد بديل لهذا العمل. كذلك الامر، قد تشجع هذه العملية المترددين على البوح بمعلومات يملكونها عن المقاومة، وعن أماكن أسلحة الدمار الشامل إذا وجدت، او حتى عن اماكن وجود القيادات العراقية المطلوبة اميركيا، وعلى رأسها الرئيس صدام حسين، وخصوصا أن المكافآت المالية مغرية جدا في ظلّ عراق أصبح فقيرا جدا.

وأخيرا وليس آخرا، ستعطي هذه العملية الناجحة الادارة الاميركية دفعا على المستوى الدولي. فالدول المعارضة لأميركا كانت تنتظر بفارغ الصبر الفشل الاميركي، لتعيد فتثبت صحة وجهة نظرها، فتعود بذلك إلى المشاركة في عملية اتخاذ القرار. كذلك الامر، قد تشجع هذه العملية المترددين من الدول الحليفة لأميركا، على اتخاذ القرار والانخراط في المشروع الاميركي في العراق. قد تكون اليابان أول البادئين. وقد تليها الهند التي رفضت المساعدة منذ اسبوعين،

ما الأمور الغريبة في هذه العملية؟

قد يقول بعض المحللين ان اميركا استعملت الكثير من القوة العسكرية، ضد اهداف صغيرة نسبيا من الناحية العسكرية على الاقل. فتكون بذلك قد خرقت مبدأ كلوزفيتز بشأن ضرورة التناسب والتوازن بين الاهداف والوسائل. وقد يردّ البعض، أن طبيعة الاهداف، حتى ولو كانت ضعيفة عسكريا، تلزم اميركا على التصرف كما تصرفت. فالاهداف مهمة جدا للمرحلة المقبلة. وأميركا كانت تبحث عن نجاح مهم، كي تستمر في هذا الزخم في العراق. كذلك الامر، كانت اميركا تخاف من الفشل العملاني على الأرض، في ظل توافر معلومات أكيدة مئة في المئة. ليتكرر الفشل الذي حصل في افغانستان خلال عملية اناكوندا ضد بن لادن والقاعدة، حين استطاع بن لادن الفرار.

وقال بعض المحللين إنه كان أفضل لأميركا ان تقبض عليهما نظرا إلى ما يملكان من معلومات عن الرئيس صدام، أو عن مكان وجود اسلحة الدمار الشامل. وقد يردّ البعض ليقول، هل تريد اميركا معرفة مكان اسلحة الدمار الشامل، وهي غير موجودة؟ وقد يثبت الابنان انها غير موجودة، فهل تريد اميركا وضع نفسها في هذا الموقع؟ طبعا كلا. تريد اميركا إنهاء آل حسين إلى غير رجعة، وهذا ما عبّر عنه الرئيس بوش.

إن الامر الغريب في هذه العملية، يكمن في الامور الآتية:

- في وجود قائدين مهمين جدا من النظام القديم، في بيت غير محم، ومن دون حماية تذكر.

- في وجود قصي وعدي سوية مع ولد احدهما، في منطقة يسيطر عليها الاميركيون. فالعمل السرّي المقاوماتي، يحتم اصلا التوزّع والانتشار. فمن الغريب ان يوجد الابنان سوية، في الوقت الذي يبحث فيه الاميركيون عنهما.

إلى ماذا يقودنا هذا التحليل؟

إذا اعتبرنا أن قصي وعدي كانا يقودان المقاومة ضد العسكر الاميركي، فإن وجودهما معا هكذا كهدف سهل للاميركيين، قد يعني سوء التخطيط من قبلهما. ويمكن اعتبارهما هاويين، وهما اللذان كانا يتفننان بطرق القتل والتعذيب. وقد يعني أن رأس المقاومة قد قُطع. وإذا ما كانا يعدّان الموصل وما يحيط بها للعمل المقاوماتي بهذه الطريقة، فقد يعني هذا الامر أنه لن تكون هناك حياة واستمرار لهذه المقاومة. فعلى الاقل، كان عليهما حماية نفسيهما عبر التستر والاختفاء، وعدم المكوث في المكان نفسه لأكثر من ساعات أو دقائق معدودة. وكان عليهما التنبّه إلى أي عمل عسكري محتمل ضدهما، فيحضرا سيناريو خروجهما من المعركة في حال حصلت، عبر خلق معركة بديلة بين الاميركيين وبعض قوى المقاومة. وخصوصا أن طبيعة العراق الجغرافية لا تسمح بالتستر والتخفي الكاملين. لكن ما حصل اظهر انه لم تكن هناك قوى مقاومة تحمي قيادتها.

ماذا تعني هذه الامور؟

- قد تعني هذه الامور، أن اولاد الرئيس صدام لا علاقة لهما مباشرة بالمقاومة العراقية ضد الاميركيين. وأثبت الواقع هذا الامر.

- وقد لا يعني مقتلهما تراجع العمليات ضد الاميركيين. فهي استمرت كما كانت وبالوتيرة نفسها. وهي قد تزداد حدتها انتقاما لهما، وخصوصا من قبل مناصريهما.

- قد يعني هذا الامر، أن الاب هو الذي يقود المقاومة. من هنا سيكون مركز اهتمام الاميركيين في المرحلة المقبلة. وخصوصا أن وضعه اصبح أكثر معطوبية بعد مقتل ولديه.

- وقد يقول البعض، أن حتى الاب لا يسيطر تماما ويقود المقاومة كما تعودنا ان نرى في تاريخ المقاومات. لا بل هناك مجموعات خارج العراق هي التي تدير المقاومة، وقد تكون القاعدة على رأسها.

في الختام، قد يريد العراقيون التأكد من مقتل نجلي الرئيس صدام. وقد يتهمون اميركا بأنها فبركت الامر. وقد ينتظر البعض منهم ظهور الرئيس صدام، وانتصار المقاومة. لكننا نقول ان العراق ومستقبله، هما اهم من مصير طغاة الحكم السابق. لكن هذا الامر، لا يعني حتما التسليم بالاحتلال الاميركي. فيبقى المطلوب من الشعب العراقي، وخصوصا مسئولي الطوائف والاثنيات، التحلي بالعقلانية في بلد كان فيما مضى مصدر العقل والحضارة

العدد 327 - الثلثاء 29 يوليو 2003م الموافق 30 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً