العدد 326 - الإثنين 28 يوليو 2003م الموافق 29 جمادى الأولى 1424هـ

هل تعيد انتخابات «الوفاق» الجدل بشأن المشاركة والمقاطعة؟

انتخابات «الوفاق» «والقوائم المغلقة»

محمود السيد الدغيم comments [at] alwasatnews.com

-

قد تكون انتخابات جمعية الوفاق الوطني الاسلامية المقبلة من المسائل الأكثر خطورة على مستوى التيار الاسلامي الذي تقوده «الوفاق»، بل على مستوى تحديد الخيارات السياسية للمعارضة السياسية على ضوء الموقف من المشاركة والمقاطعة. فعلى رغم أن «الوفاق» اتخذت خيار المقاطعة، فإن الخيار وسط دوائر نخبوية تحديدا لم يحسم بعد، ومازالت الكثير من الاثارات بشأن هذا الموضوع تتداول بصورة سرية وعلنية في أحيان أخرى، كما أن التعاطي مع البرلمان مازال مثار خلاف وجدل، وخصوصا مع وجود المجالس البلدية المنتقصة الصلاحيات، والتي تسيطر الوفاق على ثلاثة مقاعد رئاسية فيها، واقل من النصف بقليل من أعضائها أعضاء في هذه المجالس.

فمن الواضح جدا أن الوفاق لم تخطط للدخول في انتخابات المجالس البلدية وفق استراتيجية المقاطعة التي تم حسمها بشق الأنفس إلا لاستعراض القوة، ليكون تأثير المقاطعة بحسب التصور والقرار الذي تم اتخاذه في المشاركة أو المقاطعة أوقع وأبلغ تأثيرا، إلا أن الشيء الذي لم يتم حسابه أبدا، هو مصير الأعضاء المشاركين في الانتخابات البلدية، والذين كانوا ومازالوا ضريبة استعراض القوة، وفقا لسياسة التهميش التي تتبعها الحكومة مع المجالس البلدية، والتي - وبقدرة قادر - استطاعت أن تجعل منها شيئا لا يذكر في الوسط الشعبي الذي انتخبها استجابة لإرادة الوفاق، ما جعلهم مذبذبين في التعاطي مع البرلمان الحالي، بعد الدفع باتجاه أننا لو كنا نريد التعاطي مع أعضاء البرلمان، لدخلنا في هذه التجربة من الأساس.

نقطة أخرى يمكن إثارتها بخصوص الانتخابات المقبلة، وهي في غاية الحراجة والحساسية، لكن يجب ذكرها، وحجم التبعات المترتبة على الخيارات الناتجة، سواء بهذا الاتجاه أو ذاك، وهي حال الانكفاء في النشاط الداخلي للجمعية، واقتصار النشاط على مجموعات صغيرة داخلها، تعمل هذه الأيام على تشكيل قوائم انتخابية وفقا لتوجهات سياسية حادة، لضرب هذا التوجه أو ذاك، مع غياب الحالة السياسية الجماهيرية العامة عن طبيعة هذا الحراك وإشكالاته، واقتناعها في الأغلب الأعم بأن الخيار الذي اتخذته الجمعية باتجاه المقاطعة هو الخيار السائد، في حين يكشف بعض أعضاء مجلس الإدارة عن قلق تجاه هذا الموقف، نتيجة تغير القناعات وعدم وقوفها على أرضية صلبة.

هذا التوجه الخطير هو أشبه بحالة احتقان داخلي متبادل إزاء الخيارات التي تم طرحها إبان الانتخابات البلدية من جهة، وفي الموقف المعاكس إبان الانتخابات النيابية من جهة أخرى. وفي كلتا الحالتين فقد تم تغييب الرأي الآخر، ما أفرز انقلابا على المواقف والقرار، وعدم وجود دعم لمشروع المجالس البلدية، واشتغال أعضاء الجمعية بالهم السياسي الداخلي بصورة مفرطة. وللتاريخ يمكن القول: ان المخالفين لرأي الجمعية في المجالس البلدية كانوا أكثر انضباط في تعاطيهم مع القرار منه في الانتخابات النيابية، وذلك لردة الفعل العكسية تجاه موقف المقاطعة القوي، والذي وصف بأنه «تحشيدي» وألغى الرأي الآخر.

والحال ان الجهات المستفيدة من القرار بالاتجاه المعاكس تحديدا كانت تتمترس خلف طرح العلماء لرأي معاكس يخدم الكثير من القوائم الحاضرة لدخول الانتخابات كصف ثان بدل الصف الأول، وقد ضعفت عن طرح وجهة نظرها بشكل علني أو تعمدت عدم طرحه، مشددة على ضرورة احترام رأي العلماء وعدم الالتفات إلى توجهات الشارع، بحيث تغلب هذا الطرح حتى على مسألة المشاركة والمقاطعة، وبدأ الخلط بين من يقود ومن يقاد بشكل مبك مضحك في بعض الأحيان.

ضاعفت هذه التوجهات بشكل كبير من حالة التمزق الداخلي، وقطعت أواصر العلاقة بين أطراف الرأي المتباين، وخلقت نسبة من الريبة من طبيعة نوايا التوجهات المشاركة تحديدا، ما ضيع على الطرف المشارك وفق قناعات بهذا الخيار طرح رأي وجيه يمكن من خلاله تخفيف حدة الاحتقان والتوجهات الحادة، وتشكيل قناعات الجمعية وفق تصارع القناعات وغلبتها، من خلال تصارع الآراء وفق العملية الديمقراطية، ومن خلال آلية الجمعية العمومية التي تم التحضير لها جيدا في الانتخابات البلدية، وأصبحت مثار إشكال في الانتخابات النيابية، وكل ذلك ساعد على ارتفاع درجة الريبة غير الخافية على المتتبع لدراماتيكية الصراع بين الأطراف المتجاذبة آنذاك.

ويبدو أن هذا النفس نفس نام وبقوة ونحن ندخل انتخابات الوفاق، في ظل غياب الرأي العام عن هذه المعادلات البينية المرهقة، ولتخفيف ذلك الوهج القاتل، يجب أن تعقد حلقات حوار مستمرة لجميع أطراف الجمعية، وتفعل الجمعية العمومية النائمة في سبات التصارعات والتخدير القصدي في بعض الأحيان، وينظر إلى التوجهات بحقيقتها وخدمتها لمصالح الناس، لا إلى طبيعتها الحزبية في بعض الأحيان، لذلك قد يمزق مشروع الوفاق، ويعمق الجروح باتجاه طرف غالب لاغٍ للآخر، وطرف مغلوب منكسر يجر وراءه ذيولا مغلوبة منكسرة، ومؤيدين كثيرين لا يجدون في الوفاق مشروعهم، ولا يستبعد أن تنفصل عن الوفاق فيما بعد الكثير من القوى الفاعلة، فيغيب مشروع «الوفاق» الإطار الجامع لكل الأطياف، لتكون غير قادرة على الاتصال مع الجميع، لأن للكثير من هؤلاء من يمثلهم غير الوفاق

العدد 326 - الإثنين 28 يوليو 2003م الموافق 29 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً