العدد 325 - الأحد 27 يوليو 2003م الموافق 28 جمادى الأولى 1424هـ

قوة أميركا وضعفها

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ما عناصر القوة الأميركية؟ سؤال يمكن استطلاع عناصره من مجموعة مبادئ عامة لها صلة بالموقع والاقتصاد والاستثمار والمواد الأولية والتصنيع الحربي وقوة الإعلام والمعلومات والاتصالات وغيرها.

هذه العناصر الداخلية تدفع الدولة الأميركية دائما نحو الخروج من دائرة حدودها الجغرافية بذرائع شتى. وعادة تميل الدولة في الولايات المتحدة إلى تغليف هجماتها بالعوامل الدفاعية، واعطاء الحماية الأمنية أهمية قصوى لتبرير أسباب الاندفاع نحو الخارج. ففي الحرب العالمية الثانية مثلا، حسمت واشنطن خياراتها منذ البداية بدعمها السري لدول الحلفاء، ثم انتقلت إلى الدعم العلني بإرسال بعض قطاعات الجيش وطلائع القوات أو تقديم مساعدات لوجستية إلى بريطانيا والاتحاد السوفياتي. ثم انتقلت إلى التدخل المحدود في المعارك في شرق آسيا (المحيط الباسيفيكي) وشمال الاطلسي، الأمر الذي ازعج وأربك قوات ألمانيا في أوروبا، واليابان في آسيا.

كانت التدخلات مدروسة وانتظرت إدارة واشنطن فترة حتى تجد المبرر الكافي لإعلان انضمامها الشامل إلى جبهة دول الحلفاء، فجاء الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر فاتخذته واشنطن ذريعة لدخولها الحرب.

التاريخ الآن يتجاهل الأسباب التي دفعت القيادة العسكرية في طوكيو إلى شن ذاك الهجوم الذي اعطى المبررات لإعلان الولايات المتحدة رسميا تدخلها في الحرب وارسال مئات آلاف الجنود وآلاف الطائرات والدبابات للقتال في مختلف الجبهات.

الرأي العام لا يعرف الأسباب الحقيقية التي جعلت اليابان ترتكب تلك الحماقة وتعطي واشنطن كل المبررات للتدخل الشامل الذي حسم معادلة الحرب لمصلحة الحلفاء واستسلام اليابان من دون قيد أو شرط.

التاريخ يبدأ من الهجوم على بيرل هاربر. والصور واضحة في رسم معالم الاختلاف بين عالمين. فالأول (اليابان) عالم مغلق يريد السيطرة مستخدما كل عناصر القتل. والثاني (أميركا) عالم منفتح يحب الحياة ويعيش في سعادة وهناء. وفجأة ينقض الأول على الثاني ويبدأ بالاغارة على قاعدة عسكرية (مسكينة وبريئة) في ميناء بيرل هاربر.

وبعد ذلك تبدأ «الاسطورة» الأميركية تنهض من تحت انقاض الدمار والخراب والحرائق وتأخذ بالانتقام والثأر بدءا من انزال النورماندي وتحرير فرنسا واسقاط برلين، وصولا إلى القاء القنبلة النووية الأولى على هيروشيما وإعلان نهاية الامبراطورية اليابانية في الشرق.

هذه هي الصورة. أما الواقع فإن التاريخ لا يتحدث عنه كثيرا ولا يذكر الأسباب والعوامل التي دفعت طوكيو إلى اتخاذ قرار الحرب وشن هجومها المباغت على بيرل هاربر.

التاريخ في هذا المعنى لا يرحم. فهو دائما يتحدث عن الاقوياء والفريق المنتصر في الحروب... ويتجاهل إلى حد كبير جملة من العناصر التقت لتشكل في لحظة اجتماعها قرار الهجوم.

الأمر نفسه نجده في الكثير من الحالات التي تذكر النتائج ولا تتحدث عن الأسباب. وما حصل في بيرل هاربر يمكن قراءة ما يحاكيه في 2 أغسطس/ آب 1990 حين قرر صدام حسين مهاجمة الكويت. وتكرر الأمر في 11 سبتمبر/ ايلول 2001 حين ضربت الطائرات مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن.

التاريخ لا يرحم. انه فقط يتحدث عن «جنون العظمة» أو «الإرهاب» أو ما شابه من ذرائع، ولكنه لا يذكر الاسباب التي اجتمعت في لحظة ما ودفعت إلى اتخاذ هذا القرار أو ذاك. والرأي العام لا يعرف ولا يهتم كثيرا بالتفاصيل فهو عادة أقرب إلى قراءة النتائج لا الغوص في العناصر المعقدة التي تصنع المواقف والقرارات.

هناك ما يمكن ملاحظته من صلة في تطور المحطات الثلاث (بيرل هاربر، الكويت، ونيويورك) وهي تعاظم القوة الأميركية ونموها السياسي العالمي استنادا إلى استثمار تلك الضربات وإعادة توظيفها داخليا لتلبية حاجات القوة التي تبحث دائما عن فريسة لسد متطلبات دولة ترى نفسها انها الوحيدة التي لا تقهر في هذا العالم. وهذه هي نقطة ضعف القوة الأميركية. فهي حين تصل إلى مرحلة اللااشباع والغرور ستضطر إلى المغامرة العسكرية في سلسلة من «الحروب الدائمة» أو الانكفاء والتراجع الى جغرافيتها حتى لا يصاب مركزها بالشلل بسبب انتشارها في اطراف بعيدة من العالم. احد الأمرين سيحصل عاجلا أم آجلا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 325 - الأحد 27 يوليو 2003م الموافق 28 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً