قبل أن أباشر الموضوع وأدخل في تفاصيله، أحب أن أبدأه بمقدمتين أساسيتين:
الأولى: لا خلاف بين الفقهاء في جواز عمل المرأة، وانتسابها لمختلف الوظائف شريطة أن تحافظ على دينها وعفتها، وهي أمور مطلوبة منها سواء أكانت في وظيفتها أم في أي مكان ووضع آخرين.
الثانية: تبقى الحاجة والضرورة ضاغطتين على المرأة، كي تقبل بمسلك الوظيفة، لتؤمن الممكن من المال والمصروفات لنفسها ولعيالها في بعض الأوقات، التي تكون فيها يد الزوج قليلة الحيلة، فهناك عوائل كثيرة لا غنى لها عن راتب الزوجة أو البنت، لتتخفف من الديون وتبتسم قليلا للحياة.
لا تمنع هاتان المقدمتان من السؤال الآتي: هل فكرت المرأة الموظفة في أثر وظيفتها على حياتها العائلية؟ هل سبق أن عرضت هذا السؤال على نفسها؟ لا أقول ذلك لتندفع إلى ترك وظيفتها اعتباطا، وإنما لكي تعي بعض المضاعفات التي تسببها الوظيفة، فتسعى جاهدة لتجنبها أو التخفيف منها.
يتحدث بعض المتابعين للشئون العائلية والأسرية عن الطلاق العاطفي، الذي يمكن أن يتسبب فيه انشغال المرأة بالعمل والوظيفة، وهم طبعا لا يعتبرونه سببا يتيما في وجود مثل هذه المشكلة (الطلاق العاطفي)، لكنهم يعتبرونه سببا مهما في وجودها.
يشير هؤلاء إلى قضايا متعددة في عدهم عمل المرأة أحيانا سببا للطلاق العاطفي، فإذا اتفق دوام المرأة مع دوام الرجل، فإنها في الغالب تصل بيتها متعبة مرهقة، من دون أن يشفع لها تعبها هذا أمام زوجها (غالبا) في ترك بعض مسئولياتها أو التقصير فيها.
وهنا يكمن الفرق بين الرجل الموظف والمرأة الموظفة، وهو أن وظيفة الرجل تنتهي بانتهاء دوامه في العمل، ليأتي منزله ويستمتع بالراحة، بل ليتحول أحيانا إلى عبء جديد على زوجته بكثرة طلباته، أما الزوجة الموظفة فتنتهي من وظيفتها وتأتي منزلها لتبدأ وظيفة أكثر إرهاقا وتعبا.
إن الوصول للمنزل يعني بداية لمشوار جديد، يفتتح بالطبخ وإعداد الطعام، ثم تنظيف المنزل وترتيب متناثراته، من دون أن ننسى غسيل الملابس، وما يتبعه من كي وترتيب، لينعطف المسير نحو الأولاد ورعايتهم، وفي الكثير من الأحيان تتكفل المرأة بمراجعة دروسهم ومتابعة واجباتهم المدرسية.
هنا يمكن الإنصات للتساؤل القائل، ما الذي يتبقى عند المرأة من طاقة للحديث أو المرح أو المسامرة، وما مقدار الجهد المتبقي لديها لتعطي من مشاعرها وأحاسيسها وعواطفها لحياتها الزوجية، بعد دوام محدود في وظيفتها، ودوام مفتوح في منزلها ومع أولادها؟
أما حين يختلف دوام المرأة والرجل، فما أن يأتي أحدهما إلى المنزل حتى يغادره الآخر، فستكون مدة اللقاء بينهما محدودة وبسيطة، ما يعني أنها لن تستطيع النهوض بمشاعر الزوجين إلى السكن والمودة والرحمة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).
هنا تكون الحياة الأسرية مرهونة بوقت ضيق قد لا يوفي فيه كل شخص حقوق الآخر، ما يسمح بتسرب الملل لحياة الزوجين، ويهيئ الظرف المناسب لحالة الطلاق العاطفي.
إنني أفهم الأجواء المشجعة لعمل المرأة باعتباره ضرورة من ضرورات الرقي والتقدم الاجتماعي، وأن ذلك يجب أن لا يربط بحاجات المرأة المادية، أو الظروف الضاغطة التي قد تجبرها عليه، لأن المرأة جزء من المجتمع الكبير، وكل جهد منها سيساعد في تعجيل خطاها نحو التقدم والرقي، وسيساعد المرأة على مواكبة التحديات المقبلة.
لكن الذي لا أفهمه هو كيف يتنكر لعمل المرأة المنزلي من قبلنا نحن الرجال؟ كيف أصبح التفرغ لإعداد أولادنا والعناية بهم ليس عملا؟ وكيف أصبحت القيمة للمال الذي تجنيه الزوجة كبيرة ومحترمة، في الوقت الذي تلاشت فيه قيمة الجهد التربوي والعائلي الذي تصرفه المرأة لإسعاد أسرتها وأولادها؟ وكيف ثبتنا أن وظيفتها ستسهم في التقدم والرقي الاجتماعي وتنكرنا لتربيتها واعتبرناها تخلفا لا رقي فيه؟.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2320 - الأحد 11 يناير 2009م الموافق 14 محرم 1430هـ