العدد 2320 - الأحد 11 يناير 2009م الموافق 14 محرم 1430هـ

خلايا النحل

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كنت أتمنى منذ سنوات أن أزور حملة التبرّع بالدم، ولكن كانت ظروف العمل بالصحيفة في موسم عاشوراء تحول دون ذلك.

من حسن حظّي هذا العام أن انتهيت مبكرا ليلة العاشر من المحرّم، قبيل العاشرة بقليل، فاتصلت بأحد العاملين بالحملة، فعرفت أنه سيتم تمديد الفترة ساعة إضافية حتى الحادية عشرة.

في تلك الليلة، عندما تدخل مركز النعيم الصحي ستجد على يمينك خيمة كبيرة منصوبة في موقف السيارات، تتسع لأكثر من مئة متبرع. يُنادى عليهم بأرقامٍ متسلسلة، فيدخلون إلى قاعةٍ أخرى للانتظار، حيث يجري توزيعهم تباعا على 36 سريرا، ويقوم الطاقم المختص بإجراء الفحص المعتاد تمهيدا لسحب الدم.

المركز كان خلية نحل، فبالإضافة إلى الطاقم الصحي من أطباء وممرضين (عددهم 55)، هناك طاقمٌ آخر من المتطوّعين، يزيد على 120 شخصا من الجنسين، موزّعين على لجان الضيافة والخدمات والإعلام والعلاقات العامة، غير العاملين بصفة مؤقتة، في مجال الطباعة والتصوير وإدخال المعلومات في أجهزة الحاسوب.

الحملة تدخل عامها العاشر، وتعتبر من أفضل نماذج العمل التطوّعي العام، فهي حصيلة جهود شهرين، يشارك فيها الصندوق الخيري ومركز الشباب، إلى جانب المآتم بمنطقة النعيم، فضلا عن متطوّعين من مناطق أخرى.

قبل وصولي شهد المركز دخول مجموعة سياحية من الأجانب بالصدفة، كانت قد تأخرت طائرتهم فحجزت لهم شركة الطيران بأحد فنادق المنامة للمبيت. ولأن الوقت كان مبكّرا نزلت المجموعة للشوارع تستطلع أحياء العاصمة، فوجدت نفسها أمام المركز ولفت نظرها تدفّق هذه الأعداد الكبيرة، فدخلت من باب الاستطلاع، وأدهشها وجود حملة تبرّع بالدم. سألوا: هل هناك كارثةٌ حصلت تستدعي هذه الحملة؟ فأجيبوا إنها حملةٌ أهليةٌ سنويةٌ لرفد بنك الدم الوطني بالدم، في مناسبةٍ دينية. عادوا للسؤال: وكم يحصل المتبرع من مقابل مادي؟ واستغربوا لمّا علموا أنها دون مقابل.

إحدى السيدات بالمجموعة أعجبتها الفكرة النبيلة، فبادرت للمشاركة وتبرّعت بدمها، فالتقط لها أصحابها الصور التذكارية، فنادرةٌ تلك البلدان التي تنظّم حملاتٍ رائعة من هذا القبيل. حتى في دول الخليج الشقيقة، هناك مفاوضاتٌ جماعيةٌ لشراء الدم من الخارج لسدّ النقص، بينما تمثّل البحرين حالة استثنائية تحقّق لها ما يشبه الاكتفاء الذاتي، بفضل هذه الروحية التي يتمتّع بها هذا الشعب الكريم، ويترجمها في حملاتٍ كثيرةٍ في محرم وصفر ورمضان.

في الليلة السابقة نُظّمت حملة خاصة بالنساء، قدّمت 145 وحدة دم، مقابل 632 للرجال، واستقطبت ما مجموعه 1208 من الجنسين، وحظيت بتغطيةٍ إعلاميةٍ تستحقها. ورسالتها الإنسانية وصلت لقلوب البحرينيين، وإن ظلّت بحاجةٍ إلى خطابٍ يصل للأجانب المقيمين، فهم يمثّلون اليوم نصف السكان، والأرقام الأولية بالحملة تشير إلى أن نسبة مشاركة الأجانب 5 في المئة للرجال، و8 في المئة للنساء. فمثل هذا الدم سيذهب لعلاج من يحتاج إليه، بغضّ النظر عن جنسيته أو لونه أو عرقه أو دينه.

هذه الحملة يفتتحها تقليديا وزير الصحة، وأنا أشاهد خلايا النحل هذه، تمنّيت لو حضر وزير الداخلية، ووزير العدل، ووزيرة الإعلام... فهذه هي الخامة البحرينية الطيّبة التي يجب الرهان عليها وعدم التفريط فيها، اتباعا للطفيليين من تجّار وباعة الأوطان، الذين يمدحون المسئولين نهارا، ويشتمونهم في سهراتهم ليلا. وأتمنّى من اللجنة المنظمة العليا أن تضع الوزراء الثلاثة على رأس قائمة الضيوف المدعوين العام المقبل.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2320 - الأحد 11 يناير 2009م الموافق 14 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً