لقد أصبحت عملية خلط الأوراق بالنسبة إلى قضية التجنيس مسألة واضحة وظاهرة للعيان وبدأت تتكاثر كتابات «تحت الطلب» في هذه المسألة، ولكن ما يهون الخطب أن الرأي العام بدأ يتشكل إلى قناعة تامة بأنه مع التجنيس بالقانون وضد التجنيس السياسي، وهذه نقطة مضيئة تحسب للمعارضة، بتوثيقها وعقلانيتها وحرصها الدائم على الوحدة الوطنية. والشيء الأجمل أنها هذه المرة خطفت المبادرة وراحت عبر قفزة علمية توثيقية أن تضع الجميع في موقع رد الفعل لما كسبته من صدقية في الطرح والتوثيق ولغة الأرقام.
الكرة الأخرى التي ألقتها المعارضة في شباك المشككين، أو بالأحرى من أرادوا أن يكونوا مشككين هو ابتعادها عن الإنشاء وخطابات اليوتوبيا والسُكر بزبد البحر الذي أصبح سمة بارزة لكتابات متنوعة ذهبت جفاء فلم تمكث في الأرض ولم تنفع الناس، إذ أصبحت محل سخرية بعد أن كانت زمنا تلعب بعقول وعواطف الناس. لا أحد يستطيع أن يزايد على حب مجتمعنا البحريني لفلسطين فيكفي الشعب البحريني أنه قدم شهيدا من أجل فلسطين وشعبها «والبذل بالنفس أغلى غاية الجودِ»... ولقد شهد للشعب البحريني بموقفه الصارم تجاه مقاطعة البضائع الأميركية وغيرها وسجل أفضل موقف ضد الحرب العدوانية على العراق، وكل إخواننا العرب ومن عاشروا هذا الشعب شهدوا له بالكرم والأخلاق، غاية الأمر أن المطالبة بالقانون مسألة لا يفاوض عليها حتى ولو اتهم الشعب ـ من قبل أي مثقف منتفع هنا أو هناك ـ بالإسرائيلية. فليس غريبا أن يخرج عليك غدا أي مثقف تكوَّر كرشه بالتملق وبالتمسح بأي خطأ لأن يقف ضد الناس ليقول: هؤلاء إسرائيليون لأنهم طالبوا بتطبيق القانون عند منح الجنسية.
وغدا سيخرج عليك من يقول لك: اُخرج من منزلك واعطهِ لأي شخص وإلا فأنت لست بكريم وإن ذلك يتناقض والكرم «العذاري» الذي عُرف به الشعب البحريني.
هناك مقولة لزعيم فلسطيني ستبقى وساما للجميع، قالها ذات يوم في وجه الاحتلال: «فلسطين ليست أرضا بلا شعب لتحتضن شعبا بلا أرض».
ونحن البحرينيين نحمل أفضل الامتنان لكل عربي مخلص خدم هذه الأرض ولا يوجد أحد منا لم يدرس على يد عربي ممن خدموا البحرين، هذه مسألة واضحة. إن تجنيس مثل هؤلاء يضيف حضارة إلى البحرين مادام بالقانون وكلهم محل ترحيب. حقيقة، الجميع يغبط المعارضة هذه المرة فهي بحق قلبت كل الموازين وما ردود فعل الكتابات - التي خرجت من ثلاجة الاتهامات المثلجة فتحولت من 500 في المئة من درجة الحرارة بعد أن كانت 500 تحت الصفر - إلا دليلا واضحا على أن الندوة جاءت بشيء استثنائي لوعي رقمي توثيقي، وهذا دليل على نجاح لغة الأرقام. والسر في الحضور الجماهيري المتنوع ليس من أجل إنشاءٍ هنا أو هناك وإنما لكون الدعاية التي قدمت على أن هناك لغة أرقام وتوثيقا والذي بحق استطاع أن يحرك الأرض من تحت الملف ويحرج الجميع.
طبعا، ستكون هناك ردود فعل متواضعة، إنشائية، خطابية تطالب المعارضة بإثبات البراءة وحسن النية والوضوء قبل الشروع في طرق هذا الملف، و... ولكن كل ذلك يذهب هباء منثورا إن تمسكت القوى السياسية بلغة التوثيق والأرقام لأنها لغة العصر والمنظمات الدولية. اليوم، لو جئت إليها بأطنان من السباب والتشكيكات فإنها تذوب جميعا أمام وثيقة علمية واحدة بحجم جسد النملة. المؤسسات العالمية اليوم لا تبحث عن مطبلين أو عن كروش أو عن الكاتب الفلاني ماذا حلل وعن ذاك ماذا قال. هي تسألك ماذا تمتلك من مواثيق؟ اليوم قد تقلب الطاولة على دعاة الحرب على العراق ولو بعد زمن إذا أثبت أن لا برنامج نوويا في العراق... الادعاءات كثيرة والكل حلل وناقش وشتم ولكن في نهاية المطاف بعد انتهاء السراب وذهاب مفعول كل القنابل الدخانية، الناس والمجتمع تسأل عن علمية ما طرح وصدقيته. قال رجل من المعارضة: «الندوة كشفت عن كم من المعلومات»، لذلك الجميع يدعو إلى حل عاجل لهذا الملف بعيدا عن الإنشاء والبكاء على تبرعات فلسطين، فكل ذلك لن يزيد في المعارضة خردلة
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 324 - السبت 26 يوليو 2003م الموافق 27 جمادى الأولى 1424هـ