تخبط السياسة الاميركية في مرحلة ما بعد احتلال العراق هو الصفة الاساسية التي طغت على ادارة واشنطن. فهناك تيار يريد توسيع دائرة الحرب لتشمل دول الجوار، وهناك تيار يريد تجميد الوضع على حاله واستثمار العراق حاليا قبل الانتقال إلى توسيع دائرة الهجوم السياسي.
حتى الآن يبدو الاول هو الأقوى والأعلى صوتا مستفيدا من تحالفه مع «اسرائيل» واللوبي المتطرف المؤيد لاستراتيجيتها الخاصة في «الشرق الاوسط».
التيار المجنون الذي يرفع شعارات هجومية باسم استراتيجية «الحرب الدائمة» يرى في «اسرائيل» الحليف الدائم والثابت بغض النظر عن اتجاهات الرياح السياسية في دائرة تعتبرها واشنطن أهم منطقة تمس أمنها الوطني والاقتصادي (الطاقة والنفط).
وعلى اساس هذا التحالف (لقاء مصالح) يدفع التيار المجنون الادارة الاميركية إلى استكمال مشروعها الهجومي في أسرع وقت وقبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2004.
وبسبب هذا الضغط تشهد المنطقة الكثير من السياسات المتخبطة بين التهديد والوعيد وبين انتقاد «الجدار الأمني» في فلسطين والوعد بدعم قيام دولة فلسطينية قبل العام 2005.
إلا ان اصوات التهديد هي الأقوى وتبدو انها هي السياسة المرجحة في الأشهر المقبلة. ويمكن اختصار نقاط استراتيجية الهجوم في بعض البنود التي لم توفر دولة من دول جوار العراق.
التيار المجنون الذي يسيطر سياسيا على ادارة البيت الابيض وجه حديثا سلسلة انتقادات عشوائية إلى السعودية طاولت اتهامات غير موثقة للرياض. كذلك قام بالتشهير بالحكومة الايرانية وممارسة ضغوط على اوروبا لقطع صلاتها الدبلوماسية والتجارية مع طهران. وقام التيار المجنون بتبني سلسلة تهديدات اسرائيلية ترافقت مع اطلاق مخاوف من نمو قدرات ايران في انتاج الطاقة النووية لأغراض سلمية. كذلك قام التيار المذكور بدعم تل ابيب في استفزاز سورية، في محاولة للضغط عليها لتمرير «خريطة الطريق» في طبعتها المعدلة اسرائيليا ووقف دعمها للانتفاضة.
إلى السعودية وايران وسورية (واحيانا حكومة انقرة الاسلامية) اندفع التيار المجنون إلى تبرير استمرار تحليق الطيران الاسرائيلي في الاجواء اللبنانية لاستدراج حزب الله إلى معركة تخطط لها تل ابيب... والتشهير بقيادة ياسر عرفات باعتباره رئيسا فاشلا لتبرير استمرار حصاره في مقره الرئاسي في رام الله.
كل هذه الأفعال والأقوال وغيرها من سياسات طائشة ارتكبها التيار المجنون الذي يرسم سياسة البيت الابيض في الأشهر الثلاثة الاخيرة. وهذا لا يعني ان التيار الثاني هو المفضل ولكنه الأقل جنونا قياسا بالأول.
التيار الأقل جنونا يريد الاكتفاء الآن بالعراق ويشدد على اهمية ضبط الوضع الأمني هناك بالتركيز على التهدئة في بغداد اولا وانشاء حكومة موالية تتمتع ببعض الشرعية والولاء من الشارع العراقي تمهيدا للاعتراف بـ «اسرائيل» وتبادل السفراء معها... وبعد ذلك يمكن الانتقال إلى دول الجوار وتوسيع دائرة الحرب حين تأتي الظروف المناسبة. إلا ان التيار الثاني يتفق مع الاول على مسألة محددة وهي ضرورة القضاء على المقاومة العراقية لأن استمرارها يحبط امكانات التطبيع مع الاحتلال وبالتالي تعطل احتمالات التطبيع مع «اسرائيل».
والفشل الاميركي في «التطبيعين» يعني تعطيل امكانات توسيع دائرة الحرب ضد الدول المجاورة للعراق. وهذا هو جوهر تخبط السياسة الاميركية
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 324 - السبت 26 يوليو 2003م الموافق 27 جمادى الأولى 1424هـ
