العدد 323 - الجمعة 25 يوليو 2003م الموافق 26 جمادى الأولى 1424هـ

لماذا هذه الحرب المعلنة بين العلمانيين والإسلاميين؟

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

أسئلة تبادرت إلى ذهني وأنا أتابع كتابات المفكر والكاتب المصري محمد سعيد العشماوي منذ فترة من بينها:

- لماذا يحاول العلمانيون تشويه صورة الإسلاميين والإسلام؟

- ثم لماذا يتبادل الطرفان الإسلاميون والعلمانيون الكراهية؟

- أليس كلاهما - وخصوصا ونحن نتحدث عن بلداننا العربية - جذورهما إسلامية؟

- هب أن العلمانيين تبنوا أيديولوجيات يرفضها الإسلاميون إلا أنهم يستخدمون الكلمات أو العبارات التي تؤكد أصولهم الإسلامية فلماذا يضغط الإسلاميون عليهم بحيث تبلغ كراهيتهم لهؤلاء بأن يقفوا مع عدو كالولايات المتحدة ضد حكومة نجيب الله في أفغانستان لأنها حكومة علمانية مدعومة من السوفيات على رغم جذور تلك الحكومة الإسلامية؟ والعلمانيون (لا يقصِّرون) فهم أيضا يكرهون مشايخ الدين ويعتبرونهم جميعا من دون استثناء كأنهم جماعة من الوحوش يحاولون تقويض الفكر والقضاء على التنمية وجعل الأمة متخلفة، ويريدون أن يعيدوا الأمة إلى عصر الكهوف.

هكذا يتربص كل منهما للآخر حتى ضاع الكثير من البسطاء من أمتنا العربية والإسلامية وسط ضباب التراشق بالتهم والكلمات، ولكن كما يتضح للمشاهد أن البسطاء قد حسموا أمرهم وانتصر المعسكر الإسلامي أخيرا ولهذا فهناك مد ديني بدا يتسع مع الأيام فكلما أرادت الولايات المتحدة الأميركية وبعض من يسيرون في فلكها أن يشوهوا الإسلام والمسلمين، زادوا التصاقا بهم.

فبدلا من أن يتفق الطرفان الإسلامي والعلماني (أقصد طبعا قياداتهم ومنظريهم ومفكريهم) على خدمة الأمة وشعوبها ومقاومة الظلم ورفض التبعية والتعاون على البر فيما يضع حدا للقيادات الظالمة لشعوبها ويتفقان على محاربة الكفرة الحقيقيين الذين لا يصلون إلا رياء ولا يؤدون شعائر الإسلام إلا ليخدعوا شعوبهم بينما يأتون بالفسق والفجور ونهب المال العام ويقيمون حفلات - وخصوصا في السر - لا يأتي بها الأوروبيون أنفسهم.

ومن الطريف أن كلا الطرفين الإسلامي والعلماني لديهما من المنظرين من يحول الباطل إلى حق والحق إلى باطل، فالدينيون كثيرا ما فلسفوا أخطاء أنظمتهم وصاروا يفترون ويأتون بالمقاييس التي يريدها الحكام ويبحثون في خطبهم عن الآيات والأحاديث التي تدعم هذه القيادات الظالمة لتبرر خطاياهم.

والغريب أن ثقافتهم الواسعة وقدرتهم على استيحاء الأفكار الدينية والآيات والأحاديث النبوية التي تتناسب مع هذه المغالطات والتي تقنع بسطاء الناس وفقراءهم، ما يجعلهم يقتنعون فعلا فهي جاهزة بين أيديهم فالفقر والجوع يعطونه نكهة وخصوصا ليحببوه إلى نفوس هؤلاء حتى يعتبروه الآلية التي تصلهم إلى جنة الله، فما دام محروما حتى الآن من بيت في الإسكان فلماذا لا يحلم بقصر من دون رسوم كهرباء ولا ماء ولا بلديات في الآخرة؟

وتَحَمّل أخطاء النظام وتجاوزاته والصبر عليها هي من آليات المسلم الحقيقي الذي سيبني من خلالها قصرا في الجنة وتسهيلات أخرى من فتيات جميلات وأنهار من خمور حتى صاروا يغرون المدمنين عليها في الدنيا ويحلمون بها.

ولهذا فإن كثيرا من الأنظمة العربية والإسلامية اختصرت الطريق والمصروفات فبدلا من أن تحسن أوضاع مواطنيها اقتصرت ذلك بالإغداق على بعض العلماء والمشايخ وأشبعتهم حتى التخمة فصاروا خير دعاة إلى السلام والهدوء والاستقرار السياسي اذ صاروا يطمئنون هؤلاء البسطاء الطيبين بأنهم في دار زائلة ولا يستدعي التمرد وسفك الدماء، فالله وحده سيحاسبهم إذا كانوا قد ظلموا. حتى في هذا صاروا يشككون الناس فيه بوضع «إذا» حتى لا يغضبوا أولياء نعمهم.

والعلمانيون وخصوصا من خلال كتابهم ونقادهم ومنظريهم هم أيضا صاروا يلعبون بحساب هؤلاء البسطاء ويخدعونهم ويحاولون تزييف الكثير من الحقائق ويحاولون خلال حربهم المعلنة على هؤلاء المشايخ بحيث يقنعوهم بأن عليهم أن يطالبوا المشايخ بضرورة فصل الدين عن السياسة لأن ذلك من مصلحة الأمة، فعلى هؤلاء ألا يدخلوا ساحة هم غير مؤهلين لها فهم خير من يؤم الناس في الصلاة ويرشد الناس في الحج ويكشف أحكام الزكاة وما يرتبط بقضايا الدين لأن السياسة بحرها غزير فإذا دخلوا فيها يرتبكون في كيفية تسييرها فيغرقون الأمة معهم، ومن الطريف أن قدراتهم الثقافية والفكرية وجدلية الحوار لديهم تجعلهم هم أيضا قادرين على تزييف الحقائق اذ يربط كل تخلف بالإسلاميين والإسلام ويعدونه بالجنة على هذه الأرض فينخدع هؤلاء ويرون أن جنة في اليد خير من عشر جنات مجهولات.

فالضحية ايضا هم هؤلاء البسطاء حتى صاروا محتارين بين قدرة العلمانيين والإسلاميين في الإقناع.

وخوفي أن المرحلة المقبلة ستخرج جيلا لا يصدق لا هذا ولا ذاك حتى ربما يحكم عليهم بأن كلا الطرفين دجال فالعالم الذي يكرر في كل خطبة ضرورة التمسك بأركان الدين وذكر الله في كل لحظة ويضيف بعد ذلك ضرورة القبول بما يجري من ذبح لكرامة الإنسان وفرض الفقر عليه ليكون لهم عربونا لدخول الجنة دجالٌ أبا عن جد.

والعلمانيون الذين يعدون الناس بحكم «البرولتاريا» وخلق جنة على الأرض من خلال حكم الشعب لنفسه، ومن منطلق من كل بقدر طاقته ولكل بقدر حاجته أيضا دجالون.

فكلاهما وصلا إلى الحكم، وكلاهما فشلا في تحقيق رفاهية للشعب حتى أصبح الشعب يضج من حكمهم كما يحدث اليوم في إيران إذ بدلا من أن تصبح حياة المواطن الإيراني أفضل من أيام الشاه، صار يترحم على تلك الأيام وها هم الإصلاحيون في البرلمان الإيراني لم يتمكنوا من الاستمرار في قبول تجاوزات المحافظين، ما دفعهم إلى التقدم بعريضة وجهها النواب الإصلاحيون إلى المحافظين وقعها 153 نائبا في البرلمان يدعونهم إلى القيام بالإصلاحات التي تضع حدا لهذه العزلة.

وجرب البسطاء أيضا حكم العلمانيين فصاروا كما قال المثل المعروف «شهاب الدين أسوأ من أخيه» فنظام صدام العلماني أبلغ شعبه حدا أن يستعين الشعب حتى بالأميركان ليخلصوهم منه. وسجون ومعتقلات الدول العلمانية العربية المماثلة للعراق تعج بآلاف الأبرياء بسبب اختلافهم في الرأي.

وفي عدن كانوا يتقاتلون ويقصفون بيوت بعضهم بعضا بالطائرات، واتضح للبسطاء أن كلاهما يكذب وكلاهما يخدع ومن بين الأمور الطريفة التي قرأتها حديثا لأحد المفكرين العلمانيين الذي استخدم كل ثقافته في تشويه الإسلام البريء اذ يرى أن هناك من الممارسات الخاطئة لمشايخ الدين الكثير مثل ما نجده اليوم في بلادنا بمحاربتهم قانون الأحوال الشخصية فصاروا يدافعون بذلك عما كان يمارسه النظام السابق بتجاهل متعمد لهذا القانون فكان يتحدث عنه بين وقت وآخر عندما تتحرك المرأة البحرينية ثم يتجاهله بعد ان تكون قد ملت من محاولاتها، وها هم هؤلاء المشايخ يتقدمون بعريضة لمنع مناقشة قانون الأحوال الشخصية الذي يرتب حياة الأسرة، فهم بذلك يخدمون الجهات الرسمية التي يزعجها هذا القانون بل وكل القوانين الأخرى بحسب ظني، ان المفكر المصري محمد سعيد العشماوي بلع حدا في الإساءة للإسلام كعلماني أن فلسف قضية غريبة اكد فيها أن الإسلاميين أخذوا من ثقافة الأتراك الذين هم من سلالة المغول بعد أن سيطروا على البلدان العربية الرغبة في الحروب وترك المهن على اعتبارها عملا دونيا لا يرقى إلى مستوى السادة، ما يكشف أن الكاتب كعلماني يحاول تشويه صورة الإسلاميين من غير دلائل حقيقية وحوارات مقنعة. وقد نشر ذلك تحت عنوان «شعارات الإسلام السياسي المدمرة»، وحتى في مقاله تحت عنوان الإسلام السياسي وثقافة الكراهية، يحاول الإساءة لثقافة المسلمين من خلال مرحلة قصيرة مر بها بعض المسلمين وخصوصا بعد حوادث نيويورك وواشنطن، لكن يعطيها صفة العمومية وكأنه يؤكد ما تريد الولايات المتحدة إثباته زورا بإلصاق الإرهاب بالثقافة الإسلامية.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يشوه كلا الطرفين الآخر، فالإسلاميون يشوهون العلمانيين على رغم أن فيهم من يؤمنون بالله لكنهم كسالى يقصِّرون في الإتيان ببعض الشعائر غير أنه يظل كثيرون منهم لا يمكن إلصاق تهمة الزندقة بهم من دون وجه حق مع أن الزندقة لا قاعدة واضحة لها لكن الإسلاميين يضعون الجميع في كفة واحدة ويعادونهم إلى درجة أن بعض علمائنا صاروا يمتنعون عن مصافحة بعض العناصر السياسية ويشوهون كل عمل وطني قاموا به لتصحيح الوضع السياسي قبل إعلان جلالة الملك مشروعه الإصلاحي.

وكذلك فإن العلمانيين يشوهون صورة الإسلاميين بشكل يعممون فيه ذلك على كل الإسلاميين في الوقت الذي يجب أن يكون ذلك استثناء لا قاعدة كرفع شعار ضرورة فصل الدين عن السياسة فمثلما نجد أن الزندقة استثناء لدى العلمانيين كذلك فإن التشدد لدى الإسلاميين يجب اعتباره استثناء لا قاعدة.

لهذا فإن هناك عناصر قيادية من الإسلاميين لديهم النضج الكافي والتحكم المطلوب في الموازنة بين الدين والحياة وبين احتياج المسلم بشكل متوازن بين أخلاقيات الإسلام وأركانه وبين الاهتمام بالعلم والتكنولوجيا وإفساح المجال أمام المرأة للمشاركة الفعلية إلى جانب الرجل في التنمية.

كذلك فإن العلمانيين فيهم من العناصر الواعية والقادرة على التوازن بين الاهتمام بالعلم وعدم معارضته للثقافة الدينية إذا وصل للقيادة.

ولذلك آن الأوان لإجراء مصالحة بين هذه الأطراف واختيار الصالح للقيادة.

إن استمرار علاقة التوتر من خلال عقول دينية متخلفة تكفر ملايين الناس من غير وجه حق لا يخدم بلداننا ويجعل حتى مواقع التلاقي من أجل البحث عن مصالح المواطن في المجلس النيابي والمؤسسات الأخرى أمرا مستحيلا لا يصب في صالح الوطن، وكذلك فإن التطرف لدى بعض العلمانيين في إلصاق تهم بكل الإسلاميين من دون وجه حق يجعل العداء معهم مستمرا، ما لا يساعد على الالتقاء عند نقطة واحدة تخدم الوطن بينما الأعداء على الأبواب يتمنون أن تتسع الهوة بين كل الأطراف، بين الإسلاميين أنفسهم، وبين الإسلاميين والعلمانيين، ما يساعد على القبول بسيادة الأجنبي لفك الاشتباك كما حدث في العراق وكما يبدو الوضع في سورية وإيران حاليا.

وأعتقد أن الإسلاميين ليسوا بعيدين عن إدراك أهمية السورة القرآنية الكريمة «الكافرون»: «قل يا أيها الكافرون.لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين»، أي أنه حتى الاختلاف الديني لا يفسد للود قضية فالرسول (ص) رضي بأن يتعامل مع مشركي قريش الذين كانوا يعبدون الأصنام ونزلت تلك السورة على لسان سيد المرسلين فهل العلمانيون أشد كفرا من مشركي قريش الذين آذوا الرسول وأصحابه، فلمصلحة مَنْ تتراشق كل الأطراف ويشوه كل طرف صورة الآخر بينما المستعمر يريد العودة إلى الشرق الأوسط لتثبيت دعائم الكيان الإسرائيلي على حساب الشعب الفلسطيني عدا المواويل الأخرى المخطط لها والتي تدور في رأسه

العدد 323 - الجمعة 25 يوليو 2003م الموافق 26 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً