قرار الحرب على العراق تحول إلى معركة أخلاقية بريطانية. فالمسألة لم تعد لها صلة بالمبررات التي استندت اليها الحكومة لإقناع الرأي العام بضرورة الحرب بل تحولت الى مسألة داخلية لها علاقة بصنع القرار ووسائل إخراجه واستغلال السلطة.
الحرب على العراق لم تعد مادة صحافية تنشر في الصفحة الدولية بل هي مجموعة أخبار محلية تتداولها الصحف العريقة في صفحاتها المحلية. فالعراق قضية أخلاقية بريطانية داخلية. ومعركة العراق تحولت الآن إلى معركة سياسية بين الحكومة والمعارضة، ومعركة اعلامية بين رئيس الحكومة طوني بلير ومدير هيئة اذاعة (بي بي سي)، ومعركة قضائية بدأت حديثا حين كلف القاضي اللورد هاتن برئاسة لجنة التحقيق في موضوع وفاة المستشار العلمي لوزارة الدفاع وخبير الأسلحة «المنتحر» ديفيد كيلي.
التحقيق القضائي هو الأهم والأخطر، وربما يكون النافذة التي ستدخلها الرياح لتعصف بما تبقى من شعبية لزعيم حزب العمال.
حتى الآن لا يزال بلير يرفض توسيع صلاحيات التحقيق ليشمل الأسباب التي دفعت بالعالم كيلي الى «الانتحار». والمعارضة تقول إن وفاة كيلي ليست مسألة بوليسية بل هي نتاج تداعيات أزمة ثقة بدأت منذ مايو/ ايار الماضي وتصاعدت عناصرها وتشابكت الى ان انتهت محطتها الأولى برحيل كيلي.
بلير لا يريد توسيع التحقيق لأنه سيخضع بدوره إلى جلسات للكشف عن الملابسات التي اخترعها لتبرير قرار الحرب. والمعارضة تقول إن المشكلة لم تبدأ بوفاة كيلي بل هناك جملة أسباب دفعته الى «الانتحار».
الصحافة البريطانية الآن انتقلت في هجومها من موضوع «الانتحار» الى سلسلة أخبار تتحدث عن ضغوط مارستها جهات معينة في وزارة الدفاع على مستشارها «المنتحر». فتلك الجهات طلبت من كيلي التعاون معها في معركتها ضد الـ «بي بي سي» وهددته بطرده من العمل والغاء معاشه وتعويضاته وضمان شيخوخته وتقاعده اذا لم يتعاون معها أو «يعترف» بأنه هو المصدر الذي سرب المعلومات الخاصة بالحرب الى هيئة الاذاعة.
المعركة اذا لم تعد لها صلة بالحرب على العراق بل انتشرت داخليا لتشمل الكثير من الملفات وعلى رأسها مؤسسة عريقة في مجال الاعلام. وبلير يريد الانتقام من هيئة البي بي سي لتصفية حسابات شخصية وربما سياسية من خلال اتهام مدير المحطة بالتغطية على اسم مصدر كشف ما تعتبره وزارة الدفاع من «الأسرار العسكرية».
معركة بلير مع هيئة الاذاعة ليست سهلة. فالأخيرة تملك من الصدقية والسمعة والقوة إضافة الى الاستقلالية الكثير من الأوراق لذلك تراهن على توسيع التحقيق ليشمل كل الملفات السياسية وألا يقتصر موضوع التقصي في مسألة ملابسات وفاة كيلي.
مستقبل بلير ارتبط الآن بماضي كيلي. وفي حال انتقلت لجنة التحقيق من الانتحار الى اسبابه والمسئول الذي سرب اسمه الى الصحافة ومدى صحة كلامه عن «أكاذيب» بلير... فإن القضية ستكون لها أبعادها السياسية الداخلية التي ستطغى على أصل المسألة وهي: لماذا كانت الحرب على العراق
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 323 - الجمعة 25 يوليو 2003م الموافق 26 جمادى الأولى 1424هـ