ذكرت مصادر أميركية أن طاقما من المخططين الأميركيين يتخذ من إحدى الدول الخليجية مقرا له للتخطيط للحرب المقبلة التي يهدد تيار المحافظين الجدد - المهيمن على القرار في البيت الأبيض - ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بشنها على مواقع نووية في إيران لمنعها من الحصول على قدرات تسليحية نووية.
وقال تقرير نشرته مؤسسة «فري برس» الأميركية في موقعها على شبكة الانترنت، ان طاقم المخططين - الذين يتمتعون في مقرهم بتلك الدولة بحراسة قوات أميركية - يستخدمون أجهزة كمبيوتر خاصة بهم تتضمن برامج تحدد إيران هدفا تاليا بعد العراق، اذ أقاموا خطوط اتصالات مؤقتة وتم اختبارها مع واشنطن. وأحد هذه الخطوط كان مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية والآخر مع البنتاغون. وعبر هذه الخطوط فإن قوة العمل هذه ستتلقى آخر المعلومات الاستخبارية من داخل إيران. فيما تأتي بعض المعلومات الاستخبارية الأخرى من الكيان الصهيوني، وعملاء سريين لجهاز الموساد الإسرائيلي في طهران.
ويصف مصدر أميركي مطلع «مجموعة خبراء البنتاغون» تلك بأنها عبارة عن مركز أبحاث للبنتاغون من أجل الحرب المقبلة. وهم ينتمون الى تيار المحافظين الجدد المصمم على توجيه حكومة الرئيس الأميركي جورج بوش، باتجاه موقف أكثر هجومية يتوج بشن حرب ضد إيران، أبرز دعاتها وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشئون نزع السلاح جون بولتون، الذي كان وجه أخيرا تحذيرا جديدا عن تهديد نووي مفترض تشكله إيران. وكان بولتون فعل ذلك في خطاب ألقاه في المؤتمر السنوي للوبي اليهودي الإسرائيلي المعروف باسم «إيباك» في شهر إبريل/ نيسان الماضي، وكانت مقولته الأخطار النووية «التي تعتزم هذه الحكومة (الأميركية) مجابهتها عندما تنتهي الحرب مع العراق»، وخلص إلى القول انه «في أعقاب صدام، فإن التعامل مع برنامج الأسلحة النووية الإيراني سيكون بأهمية التعامل نفسها مع التهديد الذي تواصل كوريا الشمالية فرضه».
وكان المدير الأسبق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (السي آي إيه) جيمس وولسي قال في خطاب ألقاه اخيرا في لوس أنجليس إن «الحملة ضد العراق ما هي في الحقيقة سوى بداية الحرب العالمية الثالثة، وإنها الحرب التي قد تستمر عدة عقود».
ويسود اعتقاد في بعض الأوساط السياسية بأن هناك إعدادا فعليا لشن هجوم على إيران يتوقع أن يبدأ في وقت مبكر من العام 2004، وفي هذا السياق فإن طاقم المحللين واللوجيستيين والمتخصصين في الدعم، يعقدون اجتماعاتهم لوضع خطط الهجوم بسرعة إذ إن «الهدف هو إيران الذي سيكون على نمط التدمير الفظ الشامل لنظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين».
وفي نطاق الخطط لإعادة بناء العراق، فإن البنتاغون ستخصص عددا من القواعد الجوية العسكرية العراقية لاستخدام قواتها في أية عمليات ضد إيران. كما أن القواعد في أفغانستان ستوفر قوة جوية كبيرة تمكن من شن هجوم على شكل كماشة. وستدعم ذلك حاملات طائرات أميركية وسفن حربية مطلقة للصواريخ في الخليج. وسيتم الضغط على تركيا من أجل السماح باستخدام مجالها الجوي من أجل هجمات جوية من الشمال.
ويقدر المحافظون الجدد بأن إيران يمكن أن تترنح - على حد تعبير بولتون- في وقت سريع، ربما على الأرجح بأسرع من الوقت الذي استغرق في الإطاحة بنظام حكم الرئيس صدام حسين. ويقول هؤلاء ان نظام الحكم في طهران أضعف من حيث المعدات، فطائراته بالمصطلحات العصرية «عتيقة» فليس لديهم ما يجارون به الطائرات العسكرية الأميركية إف - 18 أو دباباتها، على رغم أن بوسع إيران أن تضع في الميدان جيشا كبيرا ولكنه مسلح تسليحا سيئا لخوض حرب تكنولوجية عصرية. ويبدي دبلوماسيون أميركيون مخاوف من مواصلة المحافظين الجدد الضغط متجاهلين تحذير وزارة الخارجية الأميركية، إذ كتب اثنان من مستشاري كولن باول مذكرة له يوضحان فيها أن هناك خطرا متزايدا بأن السياسة التي يتبناها بولتون ومجموعته «تنشر الكراهية المتزايدة في مختلف أنحاء العالم» غير أن المذكرة التي أرسلت بالفاكس إلى مجلس الأمن القومي لم تؤثر على مستشارة الرئيس الأميركي للأمن القومي كوندوليزا رايس، التي كان نقل عنها قولها في الأيام الأولى لحكومة بوش «إن مهمتي هي جعل كولن (باول) يتحدث الى الناس حتى الموت في الوقت الذي يسمح فيه لدونالد (رامسفيلد) بأن يقول إنه سيضربه على رأسه إذا لم يسمعوا». وهي تقف الآن بحزم إلى جانب المتطرفين دعاة استخدام القوة في حكومة بوش الذين يرون أن العراق هو «خريطة الطريق» الطبيعية للتعامل مع إيران من أجل ألا تشكل تهديدا لـ «إسرائيل» كما هي حال العراق الآن.
غير أن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى التابع للوبي اليهودي الإسرائيلي ذكر في أحد تقاريره الأخيرة عن إيران بعنوان «الأسلحة النووية الإيرانية: كيف يمكن أن تنتقم إيران؟» بأن رد فعل إيران على الهجمات الأميركية يمكن أن يكون في ثلاثة أطر زمنية: فوري ومتوسط وطويل المدى. وفي الفترة الفورية بما في ذلك خلال الهجمات نفسها ستقوم إيران بإجراءات دفاعية رئيسية. فستوجه أقوى رد دفاعي تستطيعه بقواتها الجوية والدفاع الجوي كما أنها ستحاول مهاجمة أي نقاط تستخدم للهجوم.
وستقوم إيران بإجراء تقييم إن كانت العملية تمثل هجوما محدودا على البرنامج النووي أو هجوما شاملا على نظام الحكم. وعندها ستضع إيران قواتها غير المشتركة في الرد في حالة تأهب وتوزع إمكاناتها المهمة بما في ذلك المواهب القيادية والقوات الصاروخية وتطبق خطط طوارئ بما في ذلك خططا أمنية داخلية من أجل هجوم أوسع. كما أنها يمكن أن تستعد أيضا لإغلاق مضيق هرمز وإعداد ألغام وزوارق صغيرة وصواريخ ساحلية دفاعية وتعزيز وجودها في جزر الخليج. ولدى انتهاء الهجوم فإن إيران ستقيم الأضرار وتحدد المسئولية. وإن الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين من انبعاث المواد الإشعاعية ستشكل وضعا خطيرا بصورة خاصة مع احتمال رد إيران باستخدام أسلحة كيماوية وبيولوجية. وعلى أية حال فإن التقرير يقول إن إيران تستطيع أن توسع بسرعة تأثيرها بإدخال دول أخرى في المنطقة بضرب أية مصالح أميركية تصل إليها، وتهديد شحنات النفط من خلال مضيق هرمز. ويتعين على الولايات المتحدة أن تتعامل على الأرجح مع أزمة عامة في الخليج.
ويرى المعهد الصهيوني أنه على افتراض أن الوضع لن يتفاقم بسرعة إلى عمليات عدائية رئيسية فإن رد إيران في المدى المتوسط يقوم على تبني أسلوب أكثر تحديدا. إذ يبدأ صناع القرار الإيرانيون بموازنة الخيارات من أجل رد محسوب ومناسب. فسيقومون بحملة سياسية ـ دبلوماسية على أمل إظهار إيران بأنها الطرف المعتدى عليه، وتحاول تخويف اللاعبين الإقليميين وإقامة الأسس من أجل استئناف برنامجها النووي. وعندما سيتخذون الإجراءات الدفاعية أو العقابية المتوافرة في المنطقة التي تتفق مع استراتيجيتهم السياسية والأكثر أهمية هي انهم سيباشرون الإعداد لرد انتقامي استراتيجي طويل المدى.
ويعتقد معدو التقرير أن إيران ستحاول على المدى الطويل اتخاذ خطوات لتحصين نفسها ضد أي هجوم آخر على برنامجها النووي أو هجوم أوسع على نظام الحكم. ومن المؤكد تقريبا أن إيران ستعيد بناء البرنامج، ما يعكس وضعه كثروة قومية ذات قيمة عالية. وما لم يقتل عدد كبير من العلماء والفنيين في الغارات، فإنه لا يوجد أي سبب يحمل إيران على عدم إعادة بناء البرنامج طالما أنها تمتلك المعرفة الضرورية والمهارات، وسيكون لدى إيران الأسس لمثل هذا البرنامج. كما أن إيران ستسرع الخطى على الأرجح لبرنامجها النووي وجهودها من أجل صواريخ بعيدة المدى لتحقيق قدر من الردع بأسرع وقت ممكن.
ويرى مراقبون أن هذه التفسيرات تشابه ما قدمه دعاة الحرب على العراق من مبررات قبل سنوات من شن الحرب الأخيرة واحتلال العراق.
ويقول التقرير ان نظام الحكم في إيران سيزيد إجراءاته الأمنية من أجل البرنامج، عن طريق بناء وزيادة وتقوية وتوزيع إجراءاته الدفاعية النشطة. وعلاوة على ذلك فإن إيران ستضع على الأرجح خططا لهجمات منتظمة وتنفيذها ضد أهداف ذات قيمة كبيرة للولايات المتحدة وحلفائها، وإن عددا من هذه الاحتمالات قائم بما في ذلك استخدام حزب الله لمهاجمة الكيان الصهيوني بصواريخ طويلة المدى من جنوب لبنان، وشن هجمات منتظمة على قوات الحلفاء أو الحكم الانتقالي في العراق، ومهاجمة حلفاء أميركا في الخليج أو رعاية عمليات ضد المصالح الأميركية في الخارج أو على الأراضي الأميركية. وهو ما يعتقده المعهد الصهيوني بأن من المرجح أن يمنح ذلك إيران فرصة أفضل لإقناع البعض - على الأقل - برفض الهجوم الأميركي عليها كما ستحاول إيران استخدام الهجوم الأميركي وسيلة لحشد الدعم السياسي المحلي، وأن أي قوى سياسية تحاول الاتفاق مع واشنطن ستكون في وضع دفاعي إذا لم يقض عليها كليا.
غير أن معهد اللوبي الصهيوني يعتقد في الوقت نفسه بوجود مضاعفات كبيرة لأي هجوم أميركي أو «إسرائيلي» على برنامج إيران النووي. لذلك فهو يدعو الولايات المتحدة إلى أن تكون مستعدة لصراع طويل المدى مع إيران التي ستبحث عن نقاط الضعف وتهاجمها. كما يدعو واشنطن إلى ضرورة أن توازن بين تكاليف وفوائد مواجهة إيران معادية بشكل مكشوف وأكبر بعد الهجوم الأميركي أو معارضتها لإيران مسلحة نوويا في مستقبل ليس ببعيد.
كما أنه يتعين على واشنطن أيضا أن توازن بين الفائدة قصيرة المدى لتأخير برنامج إيران النووي مقابل العواقب المحتملة طويلة المدى لتدمير تلك القوى في إيران التي تريد تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. فالمعهد الصهيوني يرى أنه في أعقاب هجوم أميركي أو إسرائيلي على إيران فإن واشنطن ستحتاج إلى إظهار «تصعيد الهيمنة» وهذا يعني وضع أهداف إيرانية أخرى ذات قيمة كبيرة كرهائن، والتوضيح بأن هناك أمورا أسوأ يمكن أن تحدث لإيران إذا قامت بعمليات انتقامية ضد أهداف أو مصالح أميركية. ويجب على الولايات المتحدة أيضا أن تكون مستعدة للدفاع عن أي من حلفائها الذين يقعون في متناول إيران
العدد 321 - الأربعاء 23 يوليو 2003م الموافق 24 جمادى الأولى 1424هـ