العدد 321 - الأربعاء 23 يوليو 2003م الموافق 24 جمادى الأولى 1424هـ

صورة المرأة في روايات فوزية السالم «2»

حاولت الكاتبة فوزية السالم في رواياتها الثلاث «الشمس مذبوحة والليل محبوس» و«النواخذة» و«مزون وردة الصحراء» فضح المجتمع الخليجي المهووس بعاداته وتقاليده، بل ومحاربة الجديد الذي يطرأ على المجتمع، ومن هنا رسمت السالم بعض شخصياتها الروائية الانثوية، وهي تلك الشخصيات التي تحارب القيد الاجتماعي الذي تراه خارجا عن نطاق الشرائع والقوانين الالهية والانسانية، في الوقت الذي ترى الروائية ان هناك بعض العادات والتقاليد ينبغي التأمل فيها، بل والغاؤها تبعا لعامل التطور وفعل التحولات المجتمعية.

شيدت علامات الشخصية الضعيفة في «وضحة» التي لا تقوى على إعلان الرفض أو القبول في بناء حياتها المستقبلية، في رواية «الشمس مذبوحة والليل محبوس» وبنت شخصية «هيا» في رواية «النواخذة» التي عوقبت طوال حياتها لانها أحبت «حمود» شابا من حيها، كما رسمت شخصية «مزون» الشابة المتطلعة إلى معرفة العالم الاجتماعي والثقافي والاكاديمي في مزون.

وهذا يعني ان الكاتبة تطرح قضية مجتمعية تعد من اخطر القضايا واعقدها في منطقة الخليج العربية، وتتطلب تأملا فاحصا، وتحديا مدروسا في مجتمع يسيطر فيه الرجل.

لقد كانت الرواية في السابق تجعل الشخصية الروائية ذات علاقة بالفرد نفسه في ضوء العفوية في بناء الشخصية وتركيبها، وفي ضوء العالم النفسي والروحي لها، والى افراد عالم الرواية، ولكن التطور الذي طرأ على الرواية جعل الشخصية تدخل في عالم العلاقة بالعالم الخارجي المسكون بالموضوعات الكثيرة والقضايا المتعددة، والاشكالات الواقعة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وغيرها، فضلا عن اللغة التي تفرض على الكاتب بحثا في دلالاتها وانساقها، فلم تعد اللغة المعجمية الدلالة والسجعية والاطناب هي الاساس، لذلك اصبحت اللغة فارضة على الروائي ان يبحث عن شكل جديد لعمل السردي.

لقد سيجت المرأة الخليجية بسياج العرف الاجتماعي، بحيث حرمت من البوح بما تكنه من معاناة أو هموم أو عواطف تجاه الرجل. وهنا تصور السالم حالة المرأة في ضوء القيد الاجتماعي في رواية «الشمس مذبوحة والليل محبوس» مكبلة، مقيدة، محصورة في البيت وخارجه.

لم تعط الكاتبة الشخصية الانثوية/الأم دورا مخالفا عن تلك المعروفة في العلاقات السائدة في المجتمع الخليجي، فهي امرأة تصبح زوجا بقوة الارادة الابوية والاجتماعية والتقاليد المفروضة، وتضعف في مواجهة تحديات الشخصية الذكورية الاب/ الزوج، وكون المجتمع قد وضعها في الاساس على انها مخلوق ضعيف، فيكمن وجودها في الحياة لتبعية الرجل جسديا ونفعيا.

رسمت الكاتبة لرجل واحد شخصيات انثوية أربع هن الزوجات لهذا الرجل، ومن خلال الدور الذي تمارسه تلك النسوة داخل البيت، فقد كانت الاسرة الخليجية إلى وقت قريب تعد اسرة ممتدة ومركبة، فهي اي الاسرة تتصف بتعدد الزوجات بالنسبة إلى رجل الاسرة، كما تضم عددا من الاخوة وابناء العمومة المتزوجين، لذلك ترى الاجيال موجودة في هذه الاسرة من الاجداد والآباء والابناء والاحفاد.

ومن المعروف في عرفنا ان الرجل الخليجي يتأكد من رجولته وقوته الجسدية من خلال تكرار الزيجات، ومن دون النظر إلى تلك العلاقات العاطفية التي تبنى وتشيد بين المرأة والرجل، فالرجل حين يرغب في الزواج يبحث عن ضالته.

وهكذا تأتي أم وضحة/مزنة في الشمس مذبوحة والليل محبوس لتقنع ابنتها بالزواج من رجل متزوج باثنتين على رغم انها على علاقة عاطفية مع احد افراد حيها.

«يمه حمود شيقول؟

يا بنتي حمود صغير... وفقير... يتيم، أنا أكد عليه... وأبوك ما يرضي فيه».

«أهرب إلى أمي مزنة... تأخذني إلى الحمام، تحل شعري، تجلسني على التختة... تضع الحنة والسومار... تأتي بالشيرة، وتزيل زغبي» ص 22.

فهذا هو الدور الذي كانت تقوم به الأمم مزنة وفق الظروف المعيشية التي تعيشها الاسرة، بحيث كانت تحاول اقناع وضحة بالزواج، وممارسة دورها كامرأة ترى انها تعرف مصلحة وضحة وتعرف ما ينبغي ان يكون ضمن المستوى الثقافي والمعرفي لديها.

غير ان ما هو دفين ولم تستطع وضحة التي تعبر عن دور المرأة/الفتاة التي لا تقدر على مواجهة الاب بالرفض أو القبول أو بالابلاغ عن حبها وعلاقتها العاطفية، تبدأ العلاقة الزوجية تتعثر لعدم تكافؤها بين الاثنين في العطاء والتعامل اليومي.

لهذا ظهر دور آخر للمرأة/الأم وهو السعي إلى اقناع وضحة بأهمية تغيير اتجاه الحب، من الحب نحو الشاب/محمود، إلى الحب نحو الزوج، ولكن حياتها هذه لم تكن راضية بها وهي في احضان رجل لا تكن له شيئا من الحب والعاطفة والميل الاجتماعي أو الجنسي. ففي الشمس مذبوحة والليل محبوس تقول:

«تهمس أمي مزنة

- كيف أصبحت!

- آهه يا يمه كيف أصبحت

- خذوني معكم... تكفين يا يمه

- عيب يا وضحة... العروس ما تترك بيتها» ص 23-40.

وهنا تبدأ المشكلة عند الفتاة/وضحة، فبعد ترك الحبيب تكره الزوج منذ الليلة الأولى، فهي لا تريد البقاء في بيت الزوجية، بل تريد الرحيل مع عائلتها، وهذا يعني ان التبعية التي يسعى الرجل إلى ان يلحقها للمرأة. فالمرأة قد حدد لها الموروث الاجتماعي والاعراف تبعتها للرجل وصاغرة تحت قدميه، فما يربطها به وتلك العلاقة الجسدية، وهذا يعني ان هناك عنفا تتعرض له المرأة، هو عنف الزواج القسري من قبل الاسرة، بل وهناك العنف الجسدي الذي ينتج عنه مرض نفسي وكره للحياة والناس معا.

اما في رواية مزون... وردة الصحراء فالامر مختلف، بحيث المرأة/الزوجة زيانة تتعلق بحبل رجل اجنبي هو ايف الفرنسي الذي لا يرتبط واياها حضاريا ولغويا ولا دينيا، ولكن الحب الذي نشأ بينهما لم يراعِ الاعراف الاجتماعية بل انها فرضت سلطتها بوصفها امرأة، وتناست انها متزوجة، في الوقت نفسه هناك في الطرف الآخر زوجها حمود المنشغل بتجارته في زنجبار.

واذا كانت وضحة علامة الرفض الخفي، الدالة على سطوة الرجل/الاب وجبروته في تزويج ابنته في رواية الشمس مذبوحة والليل محبوس، فإن هيا في رواية النواخذة تسجن وتقيد بالحبل وكأنها حيوان اجرب، تبعد عن أعين الناس لانها احبت شابا في حيها «سعود»، هذا العذاب الجسدي أدى إلى مرض نفسي قاس على الفتاة بقي معها طوال حياتها على رغم محاولات العلاج والتطبيب، وهنا يطلب من هيا الخروج من قيدها النفسي والمادي.

وهذا الرفض العلني من ابراهيم العود تجاه هذه العلاقة العاطفية، يقبله قبول اب وضحة زواجها من الرجل الذي يكبرها سنا والمتزوج باثنتين، فالابوان في الروايتين يقتلان حبا نثرت بذوره على قلوبهم، كما يعني ان الانسان في بعض المجتمعات وخصوصا المرأة تمنع من إعلان رفضها أو قلقها أو حبها أو مشاعرها لكي لا تعطى فرصة البحث وطرح السؤال والتجاوز، علما بان الزواج هو اتخاذ قرار في ضوء نمط سلوكي وسلوك اجتماعي، إذ خبرات وتجارب الانسان الحياتية وتعليمه وثقافته تكفل له حرية الاختيار.

بهذه الحالة يعني ان العنف القسري ممارس على المرأة من قبل الاسرة سواء اكان ابا ام اما، فالمؤسسة الاسرية تلعب دور السلطة الفارضة لكل القوانين والمعايير التي تراها صالحة، لذلك يظهر الكثير من اشكال العنف ضد المرأة من قبل الآخر القريب منها نسبا، فالزواج القسري أو رفض الزواج أو تعدد الزيجات هو فرض وعنف قسري أيضا كله يدخل ضمن النطاق التعسفي الذي تعيشه المرأة العربية المسلوب حقها في مجتمع يرى فيه سلطة الرجل هي السلطة الرئيسية في المجتمع تبعا لهذا الموروث الرجولي، والقوة الفحولية التي يتمتع بها الرجل، لهذا فالعنف يمارس ضد النساء من قبل افراد أو مؤسسات كما تمارسه النساء بعضهن البعض لاسباب اجتماعية أو نفسية أو اقتصادية، ويمكن تقسيم العنف إلى العنف الجسدي والعنف النفسي والعنف اللغوي.

لقد ظهر العنف الجسدي في الروايات حين فرض ابراهيم العود الحبس على ابنته هيا، وظهر العنف النفسي على وضحة التي باتت زوجا لرجل لا تكن له ادنى حب أو عاطفة، وبمعنى آخر ان الرجل في هذه الحالة هو الذي يتملك السلطة التي تؤهله ليكون مضطهدا للمرأة في محيط الاسرة، ونطاقها بحكم مسئولية الرجل الاقتصادية والاجتماعية لهذه الاسرة.

ولكن حين نرى الشابة مزون الطالبة بالمعهد العالي للفنون بالكويت ترغب في الزواج فوضعها مختلف عما كانتا عليه وضحة وهيا، إذ كانت تمتلك القدرة على الاختيار والقبول واتخاذ القرار، وطرح اسئلتها المتعلقة بالحزن والحب والبوح العاطفي.

وهنا فمزون هي الفتاة المتطلعة إلى حياة جديدة، حياة غير التي تراها في اخواتها وازواجهن، تريد ان تكون كائنا اجتماعيا مستقلا في علاقته مع المجتمع، يمارس حقه الطبيعي المشروع كما يمارسه الرجل من دون ان يكون هناك اخلال بالقيم والاعراف التي تحترم المرأة، وتحميها من براثن الرجل.

وهذا ما جعلها تمتلك حرية القرار والمصير، فلم تتوان مزون عن السفر بمفردها تزور بقاع العالم، ولم تقبع بين الجدران الاربعة في المنزل، بل راحت تتنقل بين المؤسسات الثقافية و الادبية والفنية، وبهذا فمزون شخصية سعت في رواية مزون كما سعت قبلها نايفة في رواية النواخذة نحو المغامرة والتمرد... نحو فهم الذات وفهم الآخر، فضلا عن فهم المكان. غير ان مزون كانت مختلفة عن نايفة بحكم البيئة والتربية والدراسة التي حظيت بها مزون لذلك كان مستواها التعليمي والثقافي هو ما ساعدها في ولوج المغامرة والتحدي للواقع المعيشي الذي راح مصالحه الاقتصادية على المضاربات المالية والصفقات التجارية، فتمردها لهذا الواقع ليس في رفضها اياه، بل في مطالبة الآخر بفهمه وتطوره بحسب البعدين الثقافي والحضاري.

يكبر بطن «جنة» وتلد مولودا، اسماه ابوه عبدالله، ويعيد تجربة اخته هيا في الارتباط العاطفي، فيرتبط بفتاة بدوية من الصحراء، وعلى رغم ان عبدالله لم يعلن المواجهة والتحدي في وجه العادات والمجتمع، فإن الفتاة المحبوبة/نايفة ابنة الصحراء تكسر كل قيد وتفك كل رباط صحراوي وقبلي واجتماعي واسري تجاه الزواج والعلاقات العاطفية.

وهكذا كانت نايفة مصرة على عدم الزواج من ذياب، لذلك كانت تؤكد انه «لن يكون لذياب حق علي من دون اذن مني... لن يضع يده علي... لن يمس جسدي».

وفي حدود سبع صفحات تبين الكاتبة نجاح محاولات نايفة واصرارها على تحقيق حلمها الذي تمثل في الزواج من عبدالله بن ابراهيم العود. وهذا يعني ان منطقة الخليج العربية كانت ولاتزال تتصف ببعض العادات والمفاهيم التي تحد من مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية والتطور الاجتماعي والمسيرة التعليمية والثقافية.

ولكن هذه المحاولات في اصلاح الحياة الزوجية لوضحة لم تأت بثمار، بل ان الفجوة بين الزوج والزوجة بدأت في الاتساع ما أدى إلى ترحيلها إلى بيت ابيها، وهنا يأتي دور آخر أيضا للام مزنة، إذ ساهمت في اضفاء نوع من السعادة على وضحة أسهمت وبيان ان الطلاق عملية طبيعية لذلك بدأ التفكير ينصب صوب الشاب/حمود، وبهذا راح الجميع يقوم بمهماته تجهيزا واستعدادا لارجاع العلاقة العاطفية بين وضحة وحمود بعقد قرانهما.

لقد اقتصر دور الام/مزنة على التوجيه والارشاد، وقول ما تراه صالحا يسير الحياة الجديدة للفتاة/وضحة، من دون ان تجعل الكاتبة الام/مزنة تقوم بدور مخالف لذلك تبعا للعادات والتقاليد التي كانت ولايزال بعضها واقعا ملموسا في مجتمعنا الخليجي، فلم نر دورا للرفض الحقيقي، بل القبول بالظروف التي تطرأ على المرأة، ثم علاجها وفق ما يتناسب وقبول الظرف نفسه، وليس وفق ما تدعوه الحاجة إلى فضح الزيف وتحطيم القيد وكسر الحواجز المجتمعية. بحيث رأينا الموقف السلبي للأم/مزنة من الزواج في بدايته الأولى ثم البحث عن سعادة أخرى عندما دعت الحاجة إليها.

وهذا يعني ان المكنون في متخيل الشخصية الروائية الام/مزنة لم تقو على كشفه والتصريح به، وهذا خاضع ايضا للدور الذي كانت تقوم به الام في الاسرة الخليجية منذ زمن بعيد والى اليوم، ما يؤكد ان الكاتبة وتبعا للعادات والدور الذي تمارسه المرأة سعت إلى بناء الشخصية/المرأة وكأنها شخصية بسيطة التكوين الفني مسطحة، لم تنمُ طوال حوادث العمل الروائي ولم تتغير، بل استقرت عند حدود النصح والتوجيه





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً