على رغم ان مسألتي الأسرى والانسحابات إلى جانب استمرار الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للهدنة بقيت محور الخلاف الأساسي الذي يهدد وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وجهت الصحف العبرية والمحللون الإسرائيليون الأنظار إلى المعركة التي يخوضها رئيس الحكومة الفلسطينية (أبومازن) الآن مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وترجح تقديرات بعض المحللين الإسرائيليين ان (أبومازن) سيخرج من هذه المعركة أقوى.
وبحسب يوئيل ماركوس في «هآرتس»، فإن أبومازن «ثعلب متمرس» فيما يرى آخرون ان أبومازن سينهي حياته السياسية بهذه المواجهة، وبحسب داني روبنشتاين، ليس لدى عباس، طموحات سياسية خارقة لذلك فهو إن أدرك ان عرفات، لن يسمح له بالقيام بأية خطوة إلى الأمام فسيقدم استقالته نهائيا ولن يتراجع عن قراره... على أي حال أجمعت التقارير العبرية، على ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يحاول إضعاف رئيس الوزراء محمود عباس، لكن الأخير (يقاوم) أو (يضعف) لمواصلة تحركات السلام بحسب المزاعم الإسرائيلية. وفي السياق أشار التلفزيون الإسرائيلي إلى ان الأميركيين يعملون من خلف الكواليس بشكل مكثف لدفع العالم بأسره للضغط على الرئيس عرفات لتسهيل عمل (أبومازن) وعدم المساس بصلاحياته، ونقلت الإدارة الأميركية عبر وسطاء تهديدات إلى عرفات تفيد أن استقالة (أبومازن) تعني انهيار كل التدخل الأميركي، وان عرفات سيبقى «تحت رحمة إسرائيل» وحيدا «ولن نستطيع تقديم أية مساعدة لك». لذلك «ينبغي عليك الابتعاد عن طريق (أبومازن) والكف عن عرقلته».
وعلى رغم ان الأزمة الداخلية الفلسطينية، بعد استقالة أبومازن تبدو انها في طريقها إلى الحل في ضوء تأكيدات وزراء ومسئولين بعضهم كان من منتقدي (أبومازن) مثل عضوي اللجنة المركزية صخر حبش وهاني الحسن، وبعضهم مؤيد لنهجه أو مشارك فيه كالوزيرين محمد دحلان ونبيل عمرو. ورفض المجلس الثوري لحركة فتح بالإجماع استقالة أبومازن... لوحظ عودة الحكومة الإسرائيلية إلى تصعيد حملتها ضد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وكشفت «معاريف»، عن بدء حكومة شارون اتصالات مع الولايات المتحدة ودول في أوروبا لإقناعها بضرورة إخراجه من الصورة تماما، في إشارة إلى إبعاده أو حتى تصفيته. وفيما كان الرئيس المصري حسني مبارك هاتف نظيره الفلسطيني ياسر عرفات داعيا إياه إلى حل الخلاف مع أبومازن وكان الموضوع ذاته مدار بحث بين عرفات ومبعوث الأمم المتحدة تيري رود لارسن. وفي السياق تواترت المعلومات عن إيفاد مصر وزير الاستخبارات عمر سليمان لإجراء مصالحة بين أبومازن واللجنة المركزية لحركة فتح. وقال عكيفا إلدار في «هآرتس»، ان أبومازن تمكن خلال أسابيع من عمل ما لم يستطع عرفات عمله، وأضاف انه إذا نجح، فإن هذا يعني تلقائيا فشل عرفات. معتبرا ان عرفات لن يسمح بحدوث هذا. لكن إلدار، يرى ان أبومازن يحظى بورقتين حاسمتين يمكن أن تسمحا له بتجاوز الأزمة: دعم الولايات المتحدة التي تراهن عليه كليا، وعدم وجود من يحل محله.
وتطرق داني روبنشتاين في «هآرتس» إلى الخلاف بين عرفات وأبومازن، مؤكدا ان السبب الرئيسي وراءه هو رئيس السلطة الفلسطينية دون سواه. ولفت روبنشتاين، إلى أن عرفات، منزعج لأنه خسر جزءا كبيرا من سلطته منذ تعيين أبومازن، رئيسا للوزراء الفلسطيني فرئيس السلطة الفلسطينية لم يعد يشرف بشكلٍ مباشر على أموال السلطة الفلسطينية ولا على الأمن الداخلي الفلسطيني ولا حتى على الاتصالات الدبلوماسية. وأشار الكاتب الإسرائيلي إلى ان ما بقي لعرفات، هو قيادة «فتح» والإشراف على نشاطات السلطة الفلسطينية مستنتجا ان عرفات، يعوّل كثيرا على اجتماعات التنظيم لإثارة الانتقادات ضد أبومازن، من دون أن يتدخل هو لإيقافها أو حتى أن ينبس ببنت شفة. أما على الجانب الآخر من الخلاف فلاحظ روبنشتاين، ان أبومازن، يحمل سلاحا في يده وهو التهديد بالاستقالة الذي استعمله مرات عدة في السابق وهو يساعده اليوم ضد الحكومة الإسرائيلية. وتابع شارحا ان تهديد أبومازن، بالاستقالة يتضمن رسالة إلى شارون، يطلب فيها أبومازن المساعدة في موضوع المعتقلين ومسألة الحواجز الأمنية. وختم روبنشتاين، بالقول ان ليس لدى عباس، طموحات سياسية خارقة لذلك فهو إن أدرك ان عرفات، لن يسمح له بالقيام بأية خطوة إلى الأمام فسيقدم استقالته نهائيا ولن يتراجع عن قراره.
من جانبها أيضا «هآرتس» زعمت ان ياسر عرفات اتهم عباس بخيانة مصالح الشعب الفلسطيني... وكشفت نقلا عن مصدر فلسطيني حضر اللقاء الذي جمع المنسق الخاص للأمم المتحدة تيري رود لارسن، وعرفات، ان الأخير اتهم رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس، بخيانة مصالح الشعب الفلسطيني. ونقلت «هآرتس»، عن المصدر نفسه ان عرفات كان يستشيط غضبا حين ذكر أبومازن وان ذلك فاجأ أقرب مساعديه. وأضافت الصحيفة الإسرائيلية نقلا عن المصدر ذاته ان عرفات، قال أيضا خلال اللقاء ان أبومازن، يتصرف كمبتدئ لا يعلم ماذا يفعل وتساءل كيف يجرؤ أبومازن، على الوقوف بقرب العلم الإسرائيلي وإلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي وأن يتصرف بود مع رجل ذي تاريخ معروف للعالم كله. كما نقلت الصحيفة أيضا عن مصادر دبلوماسية ان لارسن، رد على عرفات، بتأكيد أهمية دعم العملية التي بدأها عباس، التي تتضمن وقف إطلاق النار واستئناف المحادثات الدبلوماسية.
وعلق يوئيل ماركوس في «هآرتس»، على ما قاله السفير الأميركي في «إسرائيل» دانييل كيرتزر، بأن رئيس الوزراء الفلسطيني أبومازن، ضعيف، بالقول ان كيرتزر، لم يقصد أن يعتبر أبومازن ضعيف الشخصية كما اعتبر البعض بل قصد من ذلك ضعفه أمام الضغوط التي تمارس عليه. وأضاف ماركوس، ان السفير الأميركي كان يوجه رسالة ضمنية إلى الرئيس الأميركي، لحث «إسرائيل»، على اتخاذ خطوات لتعزيز مكانة أبومازن، ولتمكينه من مواجهة عرفات. ووصف الكاتب الإسرائيلي، أبومازن بالثعلب المتمرس الذي يدرك أكثر من عرفات، الخطر الذي يشكله «الإرهاب» على الشعب الفلسطيني غير انه اعتبر ان أبومازن، يحتاج إلى دعم من الإسرائيليين من أجل تفكيك البنى التحتية «للإرهاب» ومن أجل نزع أسلحة المنظمات الإرهابية على حد تعبيره. على الصعيد الإسرائيلي، رأى ماركوس، ان شارون، يريد العمل على تنفيذ «خريطة الطريق» انطلاقا من قلقه من أن يفقد الإسرائيليون ثقتهم بـ «الأمة الإسرائيلية» حتى ان رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي المعروف بأنه شكاك أبدى ليونة في ما يتعلق بعملية السلام. غير ان ماركوس، لم يخف خشيته من حكومة شارون، المعقدة التي ستضع عراقيل جديدة في وجه تنفيذ «خريطة الطريق». وطالب ماركوس، الإسرائيليين بمزيد من المرونة في موضوع المعتقلين من أجل تعزيز موقف أبومازن، إلى جانب ذلك طالب ماركوس، «إسرائيل»، بالتفكير مليا في المنافع السياسية لإطلاق سراح مروان البرغوثي. وختم بالقول ان على ارييل شارون، أن يعلم جيدا ان الشهامة هي أيضا دليل قوة.
وتعرض عاموس هاريل في «هآرتس»، إلى عنصر مهم في الأزمة الحالية، وهم المعتقلون الفلسطينيون، فقد نسب في تحقيق له من السجون الإسرائيلية، مواقف لعدد من المعتقلين الفلسطينيين الناشطين في المنظمات الفلسطينية وخصوصا من تنظيم «فتح» في لقاء أجرته معهم «هآرتس» هذا الأسبوع، من التطورات الراهنة، إن كان على مستوى الهدنة التي أعلنتها مختلف الفصائل الفلسطينية، أو على مستوى العلاقة مع السلطة الفلسطينية. وأشار هاريل، إلى أن الهدنة تولّدت على حد قول هؤلاء الناشطين داخل السجون الإسرائيلية فالمعتقلون هم الذين صاغوا نص الهدنة ثم تم نقله إلى المنظمات الفلسطينية وبعد ذلك تم التداول بشأنه في القاهرة لمدة ستة أشهر.
ولفت هاريل، إلى أن المعتقلين أكدوا لـ «هآرتس»، انهم يثقون بقدرة الحكومة الفلسطينية على الالتزام بواجباتها وأشاروا إلى انهم أرادوا من الهدنة إعطاء فرصة للحكومتين الفلسطينية والإسرائيلية لحل مشكلاتهما غير انهم أكدوا ان أي اتفاق سلام لن يحصل من دون إطلاق سراح الأسرى. ونقل هاريل، عن أحد المعتقلين استغرابه من رفض «إسرائيل»، إطلاق سراح كل «من لطخت الدماء يديه» فالجنود الإسرائيليون مسئولون أيضا عن قتل آلاف الفلسطينيين. ولاحظ هاريل، ان الحديث الذي جرى مع المعتقلين يؤشر على احترامهم لشخص الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، إلا انهم يعتبرون مروان البرغوثي، قائدهم الأول لأنه الوحيد الذي التزم بالانتفاضة على حد قولهم والوحيد الذي قرر دفع الثمن بينما غيره يطلق وعودا في الهواء. من جانب آخر نقل هاريل، عن عدد من المعتقلين قولهم ان من قام بالعملية الانتحارية الأخيرة هو شخص يعمل لوحده وان العملية لا تعد انتهاكا لاتفاق الهدنة. وتابع هاريل، بالحديث عن السجون بحد ذاتها ناقلا عن المعتقلين ان هذه السجون أكثر ديمقراطية من السلطة الفلسطينية فقادة المنظمات داخلها يتواصلون في ما بينهم كما انهم يتواصلون مع قياداتهم في الخارج
العدد 320 - الثلثاء 22 يوليو 2003م الموافق 23 جمادى الأولى 1424هـ