ما هو وضعنا في حقول الثقافة والتعليم والنشر والترجمة والبحث العلمي، وما الإحصاءات المسجلة؟ وما دلالات هذه الإحصاءات؟ والى أي درب وموقف نسير؟ وما موقفنا بين دول العالم؟ أليست تلك القطاعات بوابة المجد التي لابد أن تطرق؟
تصدر الدول العربية مجتمعة 29 كتابا لكل مليون عربي في العام بينما تصدر «اسرائيل» 920 كتابا وتبلغ نسبة التوزيع للعالم العربي 1,1 في المئة بينما تبلغ عالميا 79 في المئة. ويشير انطوان زحلان في كتابه (العالم العربي مقارنا بـ «اسرائيل») إلى ان «اسرائيل» تتفوق على ا لدول العربية مجتمعة في النشر بما يقدربـ 660 بحثا أو مقالة أو كتابا للفرد. وفي الترجمة تزيد الكتب المترجمة الى العبرية عنها للعربية بالضعف لآخر احصائية لليونسكو. وفي فترة الثمانينات (فترة الطفرة في اسعار النفط) بلغت العوائد النفطية للدول العربية المصدرة للنفط 1,5 تريليون دولار. مع هذا لم تبلغ دولة واحدة مبلغ احدى الدول الآسيوية المسماة بالنمور الآسيوية. ويدخر رجال الأعمال العرب (من دون الحكومات) في جميع الأقطار العربية ما مجموعه 240 مليار دولار.
كما توصل الباحث عدنان مصطفى في كتابه (أزمة البحث العلمي العربي) الى ان ما يلزم لانهاض البحث العلمي وقيام ثورة تعليمية في العالم العربي هو 2,2 في المئة من عوائد النفط العربية أو المدخرات في الخارج. ويفيد أحد رؤساء المصارف السويسرية ان احصائية اثرياء العالم الرسمية ليست حقيقية، فأرصدة العرب السرية كبيرة وليست ثورة بيل جيتس عملاق التجارة الالكترونية الا صفر من الاصفار. كما يفيد برنامج الأمم المتحدة الانمائي الى ان الدول العربية لا تنفق على انماء تلك الأوطان سوى 0,14 في المئة من المئة في الألف من الناتج القومي، وهو أدنى المعدلات في العالم الثالث. ويبلغ نصيب المواطن العربي من نفقات التعليم في العام 112 دولار بينما يصل المعدل للدول الأوروبية الى 863 دولارا - احصائية 1994 - وأخيرا بلغ اجمالي الانفاق على التعليم في الدول العربية العام 1994 حوالي 27,5 بليون دولار، بينما انفقت أوروبا 432,7 بليون دولار.
كنت أود الاكتفاء بعبارة واحدة وهي (لا تعليق) ولعلها كافية عطفا على ما سبق من إحصاءات. الحديث عن التربية والتعليم وقطاع البحث العلمي حديث ذو شجون وهموم، كثر المتكلمون وقل المهتمون الراعون، تكثر في البلاد الدعوات من قبل الساسة الى عرائض شعبية أصبحت يومية، تهتم بعدة موضوعات بشأن الدستور أو حقوق المرأة أو قانون الأحوال الشخصية بينما يبقى قطاع التعليم والبحث العلمي صامتا خرج الفعالية السياسية.
إن مسألة الاهتمام بهذا القطاع خيار استراتيجي لا يجب اغفاله، هناك الكثير من الخطط التطويرية التي تتبعها وزارة التربية أو جامعة البحرين أو معهد البحرين كل على حده كأنها وحدات منفصلة وليس ببعيد على المراقب لها ان سياسيات هذه الوحدات التعليمية تستبدل تلقيائيا باستبدال رؤساء اداراتها. ولا يمكن أن تكون تلك المراكز العلمية تابعة لمزاجيات ادارة أو مسئول وإن كان ذا مكانة علمية متصفا بادارة فذة، لابد أن تكون هذه الوحدات متكاملة في سبيل تحقيق خطة مدروسة لهدف محدد هو الوصول بالوطن لمصاف الدول المتقدمة. وليست الاجتماعات التشاورية بين الحين والآخر هي دلالة على التنظيم، لابد من سياسة تربوية للبلاد محددة المعالم واضحة الأهداف تسير لها جميع الامكانات المتاحة.
نريد الاستقلال العلمي والفني والأدبي. ووصولا الى هذا من بين ما نريد الحرية الداخلية وقوامها الديمقراطية ونريد الحرية الخارجية وقوامها الاستقلال الصحيح، وان يكون غذاء العقل علما صحيحا لا زائفا، فالعقل العلمي اساس الانتماء والبناء ودعامة الاعتزاز والقوة الدافعة للعمل والابداع. كان ذلك ما قاله طه حسين. لا تنمو تلك القطاعات من دون تثبيت الليبرالية والديمقراطية وحرية البحث والتعبير، وهذا ما نفتقده في الكثير من المجالات العلمية ففي صعيد الدراسات الاسلامية تصنف العلوم والبحوث سياسيا وهذا التصنيف أرق الكثير من الباحثين في البلدان العربية كافة. إن الوطنية الحقة هي عماد صدقية البحث وابداعات المبدعين.
إن انعدام الصلة مع الغرب يفضي الى الركود وفقدان الحيوية وتعطل الابداع، لذلك بات لزاما علينا الآن أن نركز بقوة على الجانب التأليفي الذي يؤلف بين الثقافتين ويجعل من هذا كله مجالا للدراسة (نهرو في كتابه اكتشاف الهند)، ذلك خيارنا الوحيد في سبيل اللحاق بالحضارة الغربية أو ما يسمى بالعالم الجديد، لا نستطيع المضي قدما في ظل سياسة الانغلاق التي تلف بعض الانظمة العربية التي تتشدق بدعوات الحفاظ على الهوية والتقاليد والدين. وكأن الدين والتراث عوامل جمود وتقعر ورجوع للماضي من دون نظرة للمستقبل.
إن الأزمة تتلخص بالضبط في حقيقة أن القديم يموت والجديد لا يستطيع أن يولد، في هذه الفترة الفاصلة يظهر الكثير من الأعراض المرضية (انطونيو غرامشي) نعيش فترة مرضية، فترة انتقال من ماضي غابر ميت الى حديث حي متحرك تستبدل فيه الاطروحة قبل ان نستوعبها، مازلنا نتصارع في تعريف وقبول العولمة، بينما الغرب فرغ منها ودخل الى نطاق جديد وأطروحات جديدة.
لقد انتقل الصراع من الثكنات الى الجامعات (شمعون بيريز في كتابه الشرق الأوسط الجديد)، تلك حقيقة مهمة من فم من هو عدو سياسي كما يعبر عنه الكثيرون وإن كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يحب تلقيبه بالصديق في مشروع السلام
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 320 - الثلثاء 22 يوليو 2003م الموافق 23 جمادى الأولى 1424هـ