بينما نسعى في البحرين إلى تعديل قانون الصحافة والنشر الذي من شأنه - لو استمر - القضاء على كل إنجاز تحقق لحد الآن باتجاه مزيد من الديمقراطية، فإن البلدان المتقدمة تتحدث عن قانون في الاتجاه الآخر... ذلك هو قانون حرية المعلومات، الذي يفرض على مؤسسات الدولة توفير المعلومات التي يطلبها المواطن أو المؤسسة الأهلية ما دامت المعلومة لا تتعلق بأمر خطير يهدد أمن الدولة الخارجي أو الداخلي.
«قانون حرية المعلومات» في البلدان المتقدمة يحدد ما هي المعلومات الخطرة، لكي لا تتلاعب جهة رسمية في تفسير طبيعة الخطر، بخصوص هذه المعلومة أو تلك.
البحرين تسعى إلى أن تصبح الأولى في العالم العربي من حيث توافر المعلومات، والخطة جارية حاليا لاستصدار «البطاقة الوطنية» التي ستكون كل شيء بالنسبة إلى المواطن (فهي رخصة قيادة، و بطاقة سكانية، و سجل صحي، و وسيلة لسحب المال من المصرف، وهي معظم الأشياء التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية). والبحرين لها أن تفخر بأن مؤسساتها المالية مرتبطة بمنظومة معلومات متطورة مكنتها من احتلال موقع ريادي على مستوى الشرق الأوسط. والبحرين كانت من أوائل دول المنطقة التي نظمت معلوماتها من خلال جهاز مركزي للاحصاء... الخ.
ولكن كل هذه الوفرة في المعلومات ليس لها أثر على تدفق المعلومات إلى المواطنين والمؤسسات الأهلية، وحتى الصحافة التي من المفترض ان تكون لها الأولوية في التعرف على مجريات الأمور فإنها تتضور جوعا من دون أن تحصل على ما تطلبه من معلومات.
لقد حاولنا عدة مرات الحصول على معلومات متوافرة لدى الاحصاء المركزي، ولكن من دون جدوى. فليس مسموحا أن تعرف عدد السكان في كل منطقة بصورة دقيقة، وليس مسموحا الاطلاع على معلومات تخص الأراضي وتوزيعها وتصنيفها ونوع استخدامها، وليس مسموحا معرفة معلومات أخرى ترتبط بالديموغرافية.
التصور الذي يحمله البعض هو أن هذه المعلومات «خطرة» ومرفوض الاطلاع عليها بصورة دقيقة. ولكن هذا الحديث غير صحيح؛ فالمعلومات الدقيقة اذا لم تتوافر فإن الجهات غير الرسمية ستصدر معلوماتها... والاشاعات تحل محل الحقائق والأرقام. ثم إنه لا يمكن لأي نشاط اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي أن يخطط لبرامجه بصورة عقلانية ما لم تتوافر المعلومات بشكل يفي بالغرض.
الاحصاء المركزي، وبدلا من تسهيل الأمور وتوفير المعلومات فإنه يحول البحرين إلى ألغاز وأرقام مجمعات وتقسيمات يصعب تفكيكها وفهمها بطريقة منهجية. وعندما يتعامل المرء مع أرقام مبهمة يختلف تماما عما إذا كان يتعامل مع أسماء ومعلومات لها تاريخها ولها ارتباطها بثقافة المجتمع. فعندما أتحدث عن «فريق رأس الرمان» يختلف الأمر عمّا اذا كنت أتحدث عن «مجمع رقم 306». وحتى شركات الكمبيوتر التي كانت تعتمد على الأرقام، مثل شركة «كمبيوسرف»، في تحديد البريد الالكتروني حولت نظامها واعتمدت الاسماء؛ لأن الاسماء لها مضمون ومدلول، أما الأرقام فهي فارغة من كل ذلك.
اننا نسعى إلى حرية تدفق المعلومات الواضحة التي تحمل مضامين مرتبطة بالمجتمع، فلا ديمقراطية من دون معلومات. فالشفافية، وهي إحدى أسس الديمقراطية، معناها إمكان الحصول على المعلومات لمن يحتاجها، وأن تكون هذه المعلومات واضحة، وليست مجموعة من الألغاز التي يستعصي فك رموزها
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 320 - الثلثاء 22 يوليو 2003م الموافق 23 جمادى الأولى 1424هـ