تركز الاهتمام العالمي على باكستان بأسلوب لم يسبق له مثيل في أعقاب هجمات مومباي. وكما قال بروس رايدل، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية (السي آي إي) ومستشار الرئيس المنتخب باراك أوباما، «تجتمع كوابيس العالم كله في باكستان».
وعلى افتراض أن العالم لا يملك خيار إدارة ظهره على هذه الدولة، فما الذي يمكن للعالم أن يفعله لمساعدة باكستان؟
الجواب القصير هو أن باكستان يحتاج لمعونة اقتصادية، فالمتطرفون المتشددون الذين يعيثون فسادا، في معظمهم، هم شباب يعانون من البطالة والإحباط.
إذا أعطي أفراد الشعب الباكستاني، مقارنة بالجيش الباكستاني، معونة اقتصادية ملموسة وظاهرة، فإن ذلك سيحقق الكثير باتجاه كسب ودّ شعب يسيطر عليه الشك. ففي نهاية المطاف، لا يستطيع الباكستانيون الجائعون أن يأكلوا طائرات الـ إف 16 التي يجري بيعها لقوّاتهم المسلّحة.
آخذين ذلك بعين الاعتبار، إليك ثلاثة اقتراحات:
حل المدى القصير: إن أبسط وأسرع طريق لمساعدة اقتصاد باكستان هو خفض التعرفة المفروضة على قطاع النسيج الباكستاني، الذي يساهم بحوالي 60 في المئة من صادرات باكستان وأكثر من 60 في المئة من القوى العاملة في مجال الصناعة فيها.
لدىباكستان واحدة من أكثر الصناعات النسيجية تطورا ودينامية في العالم، إلا أن التجارة تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى دول أخرى ذات نظم تعرفة أفضل وأكثر مناسَبة.
لو تسنّى للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهما أكبر مستوردي المنسوجات الباكستانية، أن يزيلوا أو يخفّضوا التعرفة على المنسوجات الباكستانية، فإن صادرات الباكستان من المنسوجات، والتي تبلغ 7،5 مليار دولار سوف تتضاعف ثلاث مرات بسهولة، حسب اعتقاد الخبراء.
وبما أن صناعة المنسوجات تستخدم أعدادا كبيرة من القوى العاملة بشكل عام، فإن التجارة التي ستعود بالفائدة على باكستان ستؤدي وبشكل فوري إلى زيادة فرص العمل.
الحل على المدى المتوسط: يتوجب على العالم أن يساعد باكستان على التركيز على تنمية المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية حيث المشاكل مع التطرف والمتطرفين هي الأكثر استفحالا.
لدى هذه المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية احتمالات كامنة هائلة في مجال الطاقة من المصادر المائية. يحمل الاستثمار القوي في مجال البنية الأساسية للطاقة المائية في المقاطعة الحدودية في طياته احتمالات مضاعفة قدرة باكستان الحالية في توليد الطاقة ثلاث مرات. إلا أن المستثمرين العالميين مترددون في الاستثمار بسبب قلقهم المتعلق بالنواحي الأمنية، بينما تفتقر الحكومة الباكستانية إلى رأس المال الضروري.
يمكن لتوفير رأس المال اللازم لمشاريع توليد الطاقة المائية أن يكون له عدد من الفوائد. ولأن الأعمال المدنية تشكل من 50 إلى 70 في المئة من الكلفة الإجمالية لمشاريع الطاقة المائية، فإن بإمكان هذه المشاريع أن توفّر فرص العمل للعمال غير المهرة في مناطق تعاني من الفقر بشكل يائس.
إضافة إلى ذلك، يمكن لكل مشروع في مجال الطاقة المائية أن يوفّر لحكومة المناطق الحدودية الشمالية الغربية أموالا مستمرة للمشاريع التنموية. ولن يساعد الإنتاج المتزايد من الطاقة الكهربائية الصناعات التي يصيبها انقطاع الطاقة الكهربائية بالشلل فحسب، وإنما سينخفض كذلك من الكلفة الهائلة لزيوت الوقود المستوردة.
حل الطويل الأمد: توفير الدعم المالي للتعليم.
سيتم تذكّر الهيئة العليا للتعليم في باكستان، والتي أنشأها الجنرال برويز مشّرف العام 2002، على الأرجح كواحدة من أكثر مجالات الإرث الذي تركه فائدة. فبين الأعوام 2002 و2007 ازداد التمويل السنوي للتعليم العالي من 4،3 إلى 14،3 مليار روبية (نحو 232 مليون دولار). نتيجة لذلك قفز عدد طلاب الجامعات من 135.000 إلى 316.000 طالب.
وحسب تقرير لهيئة الولايات المتحدة للإنماء الدولي صدر العام 2008، فإن «تقدّم الهيئة العليا للتعليم حتى تاريخه كان مميزا، بالتأكيد من حيث القيمة المضافة، وهو أفضل من أية دولة نامية أخرى قام هذا الفريق بمراجعة أعمالها خلال العقدين الماضيين».
إلا أنه وبتعابير مطلقة، يوجد أقل من 4 في المئة من طلبة الجامعات في باكستان في التعليم العالي، مقارنة بِ 11 و20 في المئة في الهند والصين بالترتيب. لذا فإن باكستان بحاجة لإنفاق مبالغ إضافية هائلة، إلا أنها لا تملك تلك الأموال.
يُعترف بجامعة لاهور في العلوم الإدارية على أنها الجامعة ذات السمعة الأفضل في باكستان. وتعلو مدخلها يافطة تقول إنه أمكن إنشاء مبناها الرئيس نتيجة لمنحة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية قيمتها عشرة ملايين دولار.
قد يختلف آلاف الخريجين الذين تمكّنوا من إتمام تعليمهم ولو جزئيا نتيجة لسخاء الآخرين، مع السياسات الأميركية. ولكن من خلال معرفة مصدر تمويل تعليمهم، من الأرجح أن تكون كراهيتهم تجاه الولايات المتحدة أقل بكثير.
لماذا إذن، ومنذ استثمارها في جامعة لاهور، لم تقم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية باستثمارات مكافِئة في التعليم العالي في باكستان؟
ليست باكستان اليوم مجرد أمة على شفير الهاوية، وإنما أمة تقف على نقطة تحوّل في نضال عالمي ضد التطرّف. يستطيع العالم من خلال تقديم المعونة الصحيحة أن ينقذ أكثر بكثير من باكستان فقط.
*محامٍ مركزه لاهور بباكستان، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2320 - الأحد 11 يناير 2009م الموافق 14 محرم 1430هـ