العدد 2615 - الإثنين 02 نوفمبر 2009م الموافق 15 ذي القعدة 1430هـ

المدخل الصحيح لتناول الملفات الساخنة (3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بعد أن تناولت الحلقة الأولى تشخيص «التجنيس» بوصف كونها أحد الملفات الساخنة التي تلهب الصراعات في الساحة السياسية البحرينية، وركزت الحلقة الثانية على مسئولية الدولة في تأجيج تلك الصراعات من خلال معالجاتها الخاطئة وسياساتها غير السليمة في تنفيذ إجراءات ذلك التجنيس، نصل اليوم، وعلى تلك الأرضية، إلى دور المعارضة السياسية، وسلوكها الذي سيطر على تحركاتها عندما تصدت لتلك المشكلة، والتكتيكات التي لجأت لها من أجل وضع حد لها.

في البدء لابد من الإشارة إلى غياب أحد أجنحة صنع القرار السياسي المهمة عن تناول هذا الملف، وهو مجلس الشورى. فلا يمكن القبول ببعض الإشارات الخجولة التي سيطرت على سلوك ذلك المجلس على أنه الموقف الراسخ والواضح المطلوب من ملف شائك من مستوى ملف التجنيس. ولذلك نعتقد أن مجلس الشورى، ولايزال الوقت غير متأخر، مطالب بأن يخرج عن صمت «أبوالهول»، ويقول كلمته الصريحة في هذا الموضوع، لكي لا يعتبر المواطن «سكوت العذراء - الخجول أو غير الجريء - تعبيرا عن موافقتها على الزواج».

مقابل ذلك، لم يكن السلوك الانفعالي في صفوف مجلس النواب، موقفا سياسيا ناضجا بالمعنى الحرفي لهذا التعبير، بقدر ما كان ردة فعل أشبه بالعفوية التكتيكية غير الموفقة، من شأنها إراحة الضمير، وطمأنة مؤقتة للشارع، لكنها لم تكن قادرة على نقل المعركة إلى المستوى الذي يتطلبه فن إدارة الصراع، واقتحام قلاع مشروعات السلطة من خلال مهاجمة قلب قواتها بدلا من مناوشة أجنحة جيوشها، كي يكلل ذلك الهجوم بالنجاح الاستراتيجي النهائي، عوضا عن بعض الانتصارات المرحلية الجزئية، التي قد ترهق قوى المعارضة وتحولها، في مراحل متقدمة من مراحل الصراع، شاءت أم أبت، إلى لقمة سائغة في فم السلطة ومؤسساتها.

بعدها ننتقل إلى المعارضة المتواجدة خارج ردهات البرلمان، وبكل فصائلها التي تناولت هذا الملف بتفاوت ضمن برامجها السياسية وتكتيكاتها اليومية، والتي يبدو أنها، وللأسف الشديد قد وقعت في الفخ الذي نصبته لها السلطة، وهو الفخ الطائفي. فاندفعت بوعي أو بدون، صامتة أم مؤيدة أم شاجبة، نحو ذلك الفخ، فوقعت في ذلك الشرك سواء اعترفت بذلك أم كابرت، فتحول ملف التجنيس إلى مشكلة طائفية، عوضا عن كونه مأساة وطنية. وبدلا من أن يوحد الملف الشارع البحريني، وجدناه، في حقيقة الأمر، وفي العمق، يمزق ذلك الشارع، ولا يقسمه فقط، إربا إربا.

ينبغي أن لا يخدعنا - ومن الضرورة بمكان أن لا نخادع أنفسنا عندما نتناول ملفّا شائكا ومعقدا مثل ملف التجنيس - انضواء بعض الرموز «السنية» تحت أجنحة المعارضة «الشيعية» كي تزين اللوحة «الشيعية» ببعض الألوان «السنية» التي تبدو في الظاهر زاهية، لكنها في حقيقة الأمر خداعة، عندما يتعلق الأمر بهذا الملف البغيض، الذي لم يعد الوضع يسمح بالسكوت على ممارسة السلطة التنفيذية المدمرة، ولا التبرير لمواقف المعارضة الساذجة، أو المنغمسة في أتون الطائفية، شاءت ذلك أم أبت. الحديث هنا يقوم النتائج ولا يأخذ بالنوايا مهما بلغت من الطيبة.

باختصار، تحول ملف التجنيس اليوم إلى ملف «طائفي» شيعي، بقدر ما نحمّل السلطة مسئولية زراعة بذرته، بقدر ما نعجز عن تبرير مواقف المعارضة التي سقت تلك البذرة وأمدتها، من خلال معالجاتها الخاطئة، بالقدرة على النمو والحياة والإيناع، لكنها أينعت ثمرة فاسدة أضرت بالوطن والمواطن.

ولذلك، فمثلما على السلطة مراجعة الأسباب التي دفعتها للتجنيس، والأهداف التي تقف وراءه، وسياسات تنفيذ سياساته، نتوخى من المعارضة، بالمقابل، أن تمتلك الشجاعة الكافية، كي تقف مطولا وبشفافية مطلقة لممارسة نقد ذاتي أصيل ومسئول مع نفسها ومعها المواطن على حد سواء بما قامت به حتى الآن إزاء ملف التجنيس. فإذا كانت السلطة، دون أن يكون لها ما يبرر ما قامت به، قد نجحت في حقن الساحة السياسية بمورفين التجنيس كي يخفف آلامها، دون أن يعالج مشكلاتها، فإن المعارضة بالمقابل، قد انزلقت إلى مشروع السلطة، وفقدت توازنها، ومن ثم قدرتها على إفشاله، فأدخلت الشارع البحريني في نفق طائفي مظلم جديد، عليها، قبل أي أحد سواها، أن تخرجه منه، وبأقل الخسائر الممكنة.

لا يعني ذلك، بأي شكل من الأشكال، أننا وصلنا إلى حالة ميئوس منها، ولا إلى طريق مسدود، فالوقت لايزال يسمح بمعالجة الموضوع، وعلى نحو صحيح، إذا ما حسنت النوايا لدى الأطراف كافة، ويمكن أن يبدأ حل المشكلة على النحو الآتي:

1. تشكيل لجنة وطنية، وليست طائفية، من داخل غرفتي البرلمان وخارجهما، سوية مع فريق من الشخصيات الوطنية ذات الثقل السياسي. والقول بعدم طائفية اللجنة لا ينبغي أن يدفعنا نحو الأخذ بمبدأ الكوتا، بقدر ما أن يتم اختيار أعضائها من بين الكفاءات الوطنية ذات المؤهلات المهنية والسياسية التي تكفل خروج اللجنة بالقرارات الصائبة والتوصيات الصحيحة.

2. تحديد مهام اللجنة بشكل استراتيجي يدفعها نحو جذور المشلكة، دون التوقف عند شكلياتها، بما في ذلك التوقف عند السؤال الأكثر أهمية والذي هو: هل البحرين بحاجة اليوم، في ظل الظروف القائمة، إلى إضافة سكانية تستدعي التجنيس من الخارج؟

وعلى اللجنة هنا أن تمتلك الشجاعة كي تقول ما تراه صالحا للبحرين دون محاباة لطائفة أو الخوف من طائفة أخرى.

3. انطلاق اللجنة من فرضية أساسية تقول، إن المتضرر الرئيسي من سياسة التجنيس العشوائية الحالية، هو شعب البحرين بكل طوائفه، وبالتالي نزع كل المقولات الخاطئة التي تحصر الضرر في طائفة من دون الأخرى.

4. رسم هياكل وأطر وصلاحيات اللجنة والأنظمة التي تسير أنشطتها، إذ ينبغي أن تنطلق اللجنة من فرضية أساسية أخرى تقول إن البحرين بطوائفها كافة، هي دولة واحدة يعيش على أرضها شعب واحد، وإن ما تشوبه من خلافات أو تباينات هو أمر طبيعي نشاهده في مجتمعات أخرى، وفي أشكال أكثر تعقيدا مما هو عليه الحال في البحرين، ومن ثم فإن العلاج المطلوب ينبغي أن يصدر من رؤية تقدمية متحضرة لا طائفية متخلفة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2615 - الإثنين 02 نوفمبر 2009م الموافق 15 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً