العدد 2614 - الأحد 01 نوفمبر 2009م الموافق 14 ذي القعدة 1430هـ

المدخل الصحيح لتناول الملفات الساخنة (2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حتى يومنا هذا لا يجد المواطن موقفا رسميا معلنا ومدونا في وثائق رسمية يجيب على السؤال المحدد: لماذا التجنيس؟

هذا يفتح المجال واسعا أمام الاجتهادات في أحسن الأحوال وإثارة الشكوك في أسوأها. محصلة ذلك دخول قوى المجتمع، دون أي استثناء، في دوامة خطيرة ومرهقة تستنزف قواها، تتحول، من جرائها، الساحة السياسية إلى أرض خصبة لزرع الأفكار الخاطئة، وأحيانا المريضة، وتنحرف النضالات السياسية من معالجة القضايا الكبرى، لتنهك قواها في الموضوعات الثانوية الهامشية. وفوق هذا وذاك يضطرم الصراع بشأن «التجنيس» في حد ذاته بدلا من التوقف عند أسبابه.

لذا فإن أول خطوة صحيحة على طريق تناول هذا الملف هو موقف تصريح رسمي وعلني من الدولة تفسر فيه دوافعها الحقيقية، ومن ثم مبرراتها، التي جعلتها تلجأ إلى التجنيس، واضعة من خلال ذلك الأسباب كافة تحت المجهر. هنا يتحول الصراع، من حروب دونكيشوتية هوجاء مبهمة، كما هو عليه الحال اليوم، إلى صراع سياسي بنّاء يساهم في تطوير المجتمع وتقدمه، من خلال معالجة الأسباب وليس الأعراض.

وضوح أسباب التجنيس تضمن شفافية تطبيق إجراءته من جهة، وتحول دون استفادة القوى الانتهازية والطفيلية في المجتمع من التلاعب بتلك الإجراءات أو استغلالها سياسيا أو حتى ماليا من جهة ثانية.

أحد الأسباب الإيجابية التي يمكن أن تبرر سياسة التجنيس، هو إعطاء حقوق المواطنة لنسبة لا يستهان بها من السكان المقيمين في البحرين، ورغم ذلك حرموا من الجنسية، ولأسباب لم تعد قائمة، رغم كونهم يقطنون البحرين منذ أكثر من قرن، ولأكثر من ثلاثة أجيال.

ومن الأسباب ننتقل إلى الأهداف، فما لم يكن لدى السلطة التنفيذية أهدافا محددة تسعى لتحقيقها من وراء الاندفاع وراء التجنيس، تتحول العملية إلى إجراءات هلامية تسيرها ردود الفعل العفوية لدى كل الأطراف ذات العلاقة بهذا الملف الساخن.

أخطر الأهداف وأكثرها سلبية على حركة المجتمع، عندما يكون الغرض من وراء التجنيس تجييش فئة اجتماعية ضد الأخرى، أو محاولة إعادة التوازن الطائفي لصالح طائفة ضد أخرى.

ما يدفعنا إلى هذا التخمين هو الانطباع الذي يسود اليوم الشارع السياسي البحريني، حيث يرتبط ملف التجنيس اليوم في ذهن المواطن مباشرة بسعي الدولة إلى خلق «توازن طائفي يحد من تزايد نسبة الطائفة الشيعية»، يدفعها في ذلك، كما ترسمه مخيلة ذلك المواطن «تراجع نسبة حصة الطائفة السنية» في عدد السكان الحاليين. وما لم تستيقظ الدولة وتفصح عن أسباب سياسة التجنيس لا نستطيع أن ننزع هذا التصور من ذهنية الغالبية الساحقة من المواطنين من الطائفتين.

ربما تنجح الدولة في طمأنة نفسها بقدرتها على الوصول إلى هذا الهدف، وقد تسيطر عليها أوهام من نمط أن تحقيق هذا الهدف سيساعدها على تحقيق هدف آخر هو وضع حد إلى «أعمال الشغب التي تقف وراءها اليوم - كما تتوهم الدولة أيضا - الطائفة الشيعية». ودون الحاجة إلى الاستعانة بالأرقام والإحصاءات ولا استدعاء أحداث التاريخ، فكل ما بين أيدينا يؤكد أن شعب البحرين، وليس إحدى طوائفه كان مضطرا، وفي فترات متعددة من تاريخ البحرين الحديث، إلى التعبير عن معاناته السياسية وحرمانه من حقوق مواطنيته، التي جردته منها قوانين من أنماط قانون أمن الدولة. وبالتالي فسوف تجد الدولة نفسها، وفي فترة قريبة جدا تواجه الطائفتين، بدلا عن طائفة واحدة.

ما يدفع المواطن للمعارضة ليس انتماؤه الطائفي، وإنما حرمانه من التمتع بحقوقه الدنيا التي تبيحها له أبسط مواثيق وحقوق الإنسان المعمول بها في المجتمعات المتحضرة.

ندعو أجهزة الدولة ومؤسساتها، بوصف كونها الوحيدة التي تمتلك المعلومات والقادرة على القيام بذلك، أن تجري جردة سريعة وعشوائية لعدد المعتقلين والمبعدين والمعوقين (من جراء الاعتقال)، وكذلك الشهداء من أبناء البحرين خلال نصف القرن الماضي كي تكتشف، وبلغة الأرقام، أن أبناء الطائفتين: السنية والشيعية كانوا، على حد سواء الضحية لإجراءات القمع والقوانين التي لم تكن تميز حينها بين الانتماء الطائفي كي تعاقب البعض وتستثني البعض الآخر وفقا للمعايير الطائفية. لقد انخرطت الطائفتان في العمل السياسي، تصهرهما في ذلك اندفاع الخلفيات الوطنية، وليس الطائفية كما يتوهم البعض.

هذا ينقلنا إلى التساؤل الثالث وهو المعايير التي تبيح لطالب الجنسية البحرينية الحصول عليها.

جردة سريعة لقوائم من نالوا الجنسية تقول إن «الانتماء الطائفي» هو المعيار الوحيد دون سواه الذي يؤهل أو يجرد طالب الجنسية من الحصول عليها. ويتطلع المواطن البحريني الأصيل إلى اليوم الذي تنشر فيه الدولة قائمة مصنفة وفقا لمعايير لايزال المواطن يجهلها، تدحض هذا الإدعاء الذي يسيطر على ذهنية المواطن البحريني ويؤجج الصراع داخله، ويحوله إلى قنبلة موقوتة تتلاعب بها الكثير من الأيدي الانتهازية، بما فيها تلك التي تحمل في داخلها جراثيم الطائفية المؤذية.

من السذاجة بمكان القبول بهذا المعيار الذي لا يمكنه أن يساهم في حل أية مشكلة اجتماعية من جهة، ولا أن يضيف أية إضافة إيجابية نوعية لقوى المجتمع المنتجة من جهة ثانية. بل ولربما ساهم في إضافة أعباء اجتماعية واقتصادية جديدة تضاعف من الأزمات القائمة وتزيدها حدة بدلا من إيجاد الحلول لها أو تقليص عوامل تفاقمها. العمل بهذا المعيار هو نوع من الهروب للأمام من المشكلة بدلا من التوقف عند جذورها من أجل استئصالها، إذ سيتدفق على البحرين كم بشري هائل ليس بين يديه أية مؤهلات أكثر من انتمائه الطائفي، الأمر الذي يحول ذلك الكم البشري إلى عبء اجتماعي واقتصادي، ربما يتطور إلى عبء حضاري، بدلا من أن يصبح كتلة بشرية منتجة لا تساهم في حل المشكلات التي يعاني منها المجتمع البحريني فحسب، وإنما تشارك في مشروعات تنميته وتطويره.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2614 - الأحد 01 نوفمبر 2009م الموافق 14 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً