تشكل عملية الوصول إلى العدالة مصدر قلق رئيسي في باكستان. جرى تصنيف باكستان في المركز 134 في العالم، خلف رواندا وليبيا في مؤشر العام 2008 السنوي لمنظور الفساد من قبل منظمة الشفافية العالمية. والواقع أن أحد أسباب الترحيب الحذر من جانب بعض المجتمعات المحلية في المقاطعة الشمالية الغربية بالطالبان كان الوعد بنظام عدالة أكثر كفاءة وأقل فسادا.
قد يكون الطالبان أثبتوا عدم قدرتهم على تحقيق هذه المطالب، إلا أن جَسر هوة العدالة يعتبر أمرا مركزيا لتحسين الاستقرار في هذا البلد الذي يتبوأ موقعا استراتيجيا في جنوب آسيا. وهو أمر يتعدى كونه مجرد عملية تحسين أوضاع المحاكم.
ويعتبر سوء الإدارة، وهو تعبير يعرَّف بشكل فضفاض فيشمل مجال من أعمال الدولة التي تعتبر غير مناسبة أو غير قانونية، هو المجال الأساسي للشكوى والتظلُّم الذي يسعى المراقب الفيدرالي الداخلي لمعالجته. ويبقى الجهاز الذي تأسس العام 1983 من قبل الحكومة الباكستانية، واحدا من الأجهزة القليلة المستقلة ظاهريا التابعة للحكومة، حيث يستطيع المواطنون البحث عن الإنصاف مجانا لمجموعة متنوعة من الشكاوى المتعلقة على سبيل المثال بالتعليم الذي يدار فيدراليا وفرص العمل والخدمات الصحية. ومنذ استحداث منصب المراقب الداخلي للمرة الأولى قبل 26 سنة انتشرت مراكز مماثلة أخرى على المستويين الفيدرالي والإقليمي، بما في ذلك داخل قطاعي الضرائب والبنوك.
إلا أن التحديات تبقى متماثلة إلى حد بعيد عبر الحدود الإقليمية والفيدرالية. ومن ضمن هذه التحديات السلطة القانونية. لا يملك المراقب الداخلي السلطة للتحقيق في قضايا الدفاع أو الشئون الخارجية، أو القضايا أمام المحاكم. وربما يشكل ذلك أعظم ضعف في النظام الحالي حيث إنه يحدّ بشكل فاعل عملية الدراسة والتمحيص المستقلة لبعض النواحي الحاسمة للحاكمية في باكستان.
والقضية الأخرى تتمثّل في مدى القدرة السياسية التي يتمتع بها المراقب الداخلي للتأثير في صنع القرار. ففي حال توصّل المراقب إلى استنتاج بأن الحكومة على خطأ، يقوم بإرسال توصيات لتصحيح الوضع. وإذا لم يتم تطبيق هذه التوصيات يقوم المراقب الداخلي بتقديم طلب رسمي للمراجعة للرئيس الباكستاني.
وهنا تكمن مشكلة العملية. إذا اعتُبر التصحيح غير مفيد سياسيا، يصبح المراقب الداخلي عمليا عاجزا. ومن الأمور التي تجعل مهمة المراقب الداخلي أكثر صعوبة أنه يعمل لفترة أربع سنوات، الأمر الذي يجعله أو يجعلها عرضة لأهواء الحكومة المسيطرة حينذاك.
قام المراقب الداخلي الفيدرالي الشهر الماضي بتنظيم منتدى في إسلام أباد عن العدالة الإدارية والمساءلة اجتمع فيه مجموعة متنوعة من أصحاب المصالح والاهتمامات، بمن فيهم برلمانيون كبار ومسئولون حكوميون وأكاديميون وممثلون عن المجتمع المدني. وقد ذكّر المراقب الداخلي الفيدرالي جويد صادق مالك جميع الممثلين أنهم يعملون جميعا باتجاه هدف مشترك وهو تحسين مستوى الحاكمية عن طريق تشجيع المساءلة العامة والحفاظ على حقوق المواطنين.
وفي الوقت نفسه، أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في شهر يوليو/ تموز أنه يعمل مع مكتب المراقب الداخلي الفيدرالي لتقوية قدرته على التجاوب مع الشكاوى العامة بشأن مشروع تبلغ قيمته 1,6 مليون دولار، هو «تعزيز آليات التصحيح للشكاوى العامة»، والذي يستمر حتى نهاية العام.
سوف يحاول المشروع تقوية قدرات المراقب الداخلي في التعامل مع حالات سوء الإدارة، ورفع مستوى كفاءة للحكومة في عملية إيصال التعليم والخدمات الإدارية المتعلقة بالتجارة، وفي الوقت نفسه تحسين التواصل والامتداد والوصول إلى خدمات التصحيح للشكاوى. ومن المتطلبات الرئيسية الأخرى التي حددها المشروع ضمان الشفافية في ممارسة مهمات المراقب الداخلي، وهي ناحية مهمة كثيرا ما يتم تجاهلها في الحاكمية الباكستانية.
وقد أنتج المشروع حتى الآن بعض الثمار. يمكن تقديم الشكاوى عبر الإنترنت أو من خلال رقم هاتفي مجاني، حيث يشكل الأخير خطوة مهمة نحو وصول أفضل إلى العدالة في مجتمع باكستان الفقير بشكل واسع والذي لا يملك سبل الوصول إلى الإنترنت أو المحامين.
يعتبر هذا المشروع طموحا وتعتبر مهمة تيسيره مهمة صعبة. هناك شعور سائد أن أصحاب السلطة في باكستان هم فوق القانون، وأنه ليس باستطاعة المراقب الداخلي تغيير ذلك. ففي نهاية المطاف، طالما كان الظلم والحكومات غير القابلة للمساءلة مستشرية في باكستان رغم وجود منصب المراقب الداخلي منذ أكثر من عقدين من الزمان.
إلا أن الأمر ليس كله قاتما متشائما، فحسب أرقام نشرها المراقب الداخلي الفيدرالي، تم التعامل مع 21368 شكوى السنة الماضية، حيث ارتفع الرقم من 13388 شكوى جرى التعامل معها العام 2007. كذلك جرى حل المشكلات بشكل ازداد سرعة عبر السنوات الثلاث الماضية، إذ يتم حل معظم الشكاوى خلال سنة واحدة، ويتم حل 28في المئة منها خلال الثلاث شهور الأولى.
تقترح النهاية الناجحة لمسيرة المحامين الطويلة لاستعادة قضاء فيدرالي مستقل هذه السنة، واعتراف الجيش من خلال مقال نُشر على موقعه للعلاقات العامة مفاده أن الحكم العسكري كان ضارا إلى درجة كبيرة. إن الوقت الآن مناسب كأي وقت آخر لباكستان لأن يبدأ المراقب الداخلي في باكستان عمله.
* صحافي مركزه باكستان. والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2614 - الأحد 01 نوفمبر 2009م الموافق 14 ذي القعدة 1430هـ