أعلم أن في هذا الموضوع تشعيب غريب، وقد تذهب بعض أفكاره غربا وتذهب الأخرى شرقا، لكن في نهاية المطاف، سنقف عند نتيجة واحدة هي (خلاصة) هذا التشعيب، وسيكون -قطعا- لكل منا رأيه.
سأبدأ بقصة، تحوي مشهدين، فقد كنت ذات مرة ضمن وفد من الإعلاميين العرب والأجانب في رحلة عمل بإحدى الدول العربية... وبينما كنا نقطع طريقا صحراويا طويلا في الحافلة، كان بالقرب مني اثنين من الزملاء المسيحيين، أحدهم كاثوليكي والآخر أرثوذكسي، وبحسب فهمي المتواضع، فقد كانا يناقشان قضية الخلاف في الكنيسة، وأي طائفة أفضل... نقاشهما كان هادئا للغاية، وكانا يكرران عبارة: «لنا رب واحد... إيمان واحد... معمودية واحدة».
في ختام النقاش قال أحدهما: «أنت كالشجرة المثمرة، تهدي الطعام للضيوف»، وقال الآخر: «كن كالنهر، أينما يجري تنبض الحياة»... هكذا كانت العبارات كما أتذكر.
في استراحة بالطريق، كان الشرر يتطاير من أعين اثنين من المسلمين كانا ضمن الوفد وكنت أجلس على الطاولة ذاتها التي يجلسان عليها، أحدهما سني متشدد والآخر شيعي متشدد أيضا... غرق الاثنان في كتب التاريخ، وفي تبادل عبارت التكفير والرفض والنصب... انتهى النقاش بلعنات نارية أيضا: «لعنة الله عليك يا رافضي يا كافر... لعنة الله عليك أنت يا وهابي يا ناصبي».
في البحرين، لدينا صورتان إحداهما مزيفة والأخرى حقيقية... المزيفة هي تلك التي يدعي أصحابها أنهم يعيشون في بيت واحد على رغم الخلافات المذهبية، لكنهما يكذبان! ففي الظهر يطعن كل منهما في الآخر، وأمام بعضهما بعضا يمثلان المحبة! لكن الصورة الحقيقية، هي تلك التي لا تقوم على الإدعاءات والافتراءات، بين سني وشيعي، بل ولا تجد لها مكانا في حياتهم اليومية، لكن مع شديد الأسف، فإن الصورة المزيفة الأولى هي التي يحاول المزيفون إظهارها للعلن.
وبودي هنا أن أنتقد أولئك الذي يفاخرون بمشاركة أبناء الطائفة السنية في ذكرى عاشوراء الحسين (ع)، لكن لا يتوانى الجهلة منهم عن إطلاق اسم «شارع بني أمية» على الطريق الذي اعتاد أبناء الطائفة السنية الكريمة الجلوس فيه على مسار العزاء في المنامة... لا أقول إن كل أبناء الطائفة الجعفرية يستخدمون هذه التسمية، ولكن هناك الكثير من الجهلة والمغفلين من لايزال يطلق تلك التسمية... بالله عليكم، كيف تصفونهم بهذا الوصف لتضعوهم في دائرة اللعن وهم يشاركون معكم في إحياء هذه الذكرى العظيمة؟ ولماذا التشكيك في نواياهم أصلا؟.
آن لمثل هذه التسميات السيئة، وغيرها الكثير ممن يستخدمه المتشددون من الطائفتين أن تلغى من لغة (البيت البحريني) لأنها ببساطة لا تعكس الخلق الإسلامي القويم.
سأعود الآن الى مأتم بن زبر، يوم التاسع من المحرم، ولا أخفي القول إن الخطيب الشيخ عبدالمحسن الجمري، استطاع أن يكسب الكثير من أبناء الطائفة السنية الكريمة لحضور محاضراته بخطابه المعتدل العميق الغني، وهناك جلس بعضهم ممن أعرفهم شخصيا ليستمع إلى خطابه الإسلامي الجميل، رافضا كل الممارسات التفتيتية والطائفية، ومحذرا من تساهل الدولة مع مثيري الفتنة، والشيخ عبدالمحسن، الذي شاهده وسمعه الكثير في تلفزيون البحرين ضمن الاحتفالات بالعيد الوطني المجيد وذكرى جلوس جلالة الملك وهو ينطق بالمعاني الوطنية المتأصلة في نفوس البحرينيين لوطنهم، لم يجد مانعا من إعادة التأكيد، في خطبته يوم التاسع من المحرم، على انتماء البحرينيين لهذا الوطن، لكنه طالب الدولة بإزالة آثار «التقرير المثير» من قلوب الكثير من المواطنين لأنه سبب لهم ألما موجعا.
سألني بعضهم: «لماذا كررت في مقالاتك الأخيرة عبارة: «شرعية العائلة الحاكمة»؟ هل لحاجة في نفس يعقوب؟»، وأنا أجيبهم بالقول مكررا على شرعية الحكم الخليفي، وأنني لا أريد شيئا ولله الحمد والمنة، لكنني سأبقى مطالبا ومناديا مع الأصوات الشريفة التي تطالب بالحقوق التي كفلها الدستور وكفلها المشروع الإصلاحي لجلالة العاهل بالطرق السلمية لأنني (بحريني)... لا بالدعوات الهوجاء العنترية التي يستغلها أول ما يستغلها أولئك الذين يسعون لضرب الحركة المطلبية المشروعة.
وأخيرا، شارع «بني أمية» ليس موجودا على خريطة البحرين... شارع «الإمام الحسين (ع)»... هو الذي يسر الناظرين... دينيا ووطنيا وأخلاقيا و... رسميا.
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2319 - السبت 10 يناير 2009م الموافق 13 محرم 1430هـ