في إحدى الخيام المنصوبة في موسم عاشوراء، خُصّص ركنٌ صغيرٌ لـ «جمعية البحرين لرعاية مرضى السكلر»، ضمّ طاولتين صغيرتين، وبعض المنشورات، وآمالا كبيرة يعكسها شعار الجمعية: «2010 عام جديد من دون سكلر أو ثلاسيميا».
أول ما تلتقي مع ممثّلي الجمعية، سيحدّثونك عن البروتوكول الدولي الذي وقّعت عليه البحرين، ولكن المشكلة ليست في التوقيع على البروتوكولات أو المواثيق الدولية، وإنما بوضع استراتيجية عملية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ثم التفكير بتطويق هذا المرض «البحريني» الذي يعاني منه 18 ألف مريض، و65 ألف حامل للمرض، (5 في المئة من السكان). وهي أرقام قد تتحفظ عليها وزارة الصحة، فالنسبة التي طرحتها الوزيرة السابقة ندى حفاظ هي 3 في المئة.
في الحالتين النسبة عالية، وأرقام ضحايا المرض مفزعة، ففي العام 2005 توفي 43 مريضا، ثم انخفض الرقم في الأعوام التالية إلى 24 كمتوسط، أي بمعدل شخصين كل شهر. والجمعية توضح أن متوسط عمر مريض السكلر في البحرين كان 20 عاما في السابق، ارتفع الآن إلى 45 عاما، وهو رقمٌ مشجّعٌ يمكن البناء عليه لإنقاذ الوضع، وخصوصا أنهم يستشهدون بأحد بلدان البحر الكاريبي الفقيرة، وهي جامايكا، التي نجحت برفع متوسط عمر مريض السكلر إلى 59 عاما، فلماذا لا نفكر بذلك في البحرين؟
ملف السكلر متشعبٌ ومؤلم، والحاجة ماسةُ لإنشاء الوحدة الخاصة التي تم تأجيلها منذ 3 سنوات، وقُلّصت موازناتها من 3 ملايين إلى 960 ألف دينار فقط. والمقاول - حسب الجمعية - يطالب بمليون ونصف المليون، لبناء مجمّع من 4 طوابق، يحتوي على 40 سريرا، لإنقاذ الشباب الذين نخسر أكثرهم بسبب عدم حصولهم على أسِرّةٍ فارغةٍ في مركز العناية المركّزة حين تشتد عليهم نوبات الألم.
السكلر ليس نوبات ألم حاد فقط، بل له مآسٍ اجتماعية واقتصادية كبيرة لا ندركها، فالأسِرّة الحالية التي تخدم 18 ألفا، لا تزيد على 40، (22 للأولاد و18 للبنات). والمرض يمثل أحد روافد التخلّف الدراسي، لأن نوباته كثيرا ما تُقعد الطالب عن تقديم الامتحانات، وتحرمه من فرصة مواصلة التعليم الجامعي، وبالتالي تُضعف فرصته في الحصول على الوظيفة، وإذا ما علمنا أن الأكثرية من عوائل فقيرة، فسيتضح دور السكلر في عملية إعادة إنتاج الفقر.
اجتماعيا... وإذا علمنا بأن 60 في المئة من المرضى من النساء، فلنا أن نتخيّل المعادلة الصعبة التي ستعيشها فتياتنا المصابات: فهناك نسبة منخفضة بأن تحظى الفتاة بفرصةٍ للزواج، وإذا حظيت بها فإن أمامها فرصة مرتفعة بحدوث الطلاق، بسبب معاناة الألم وظروف المرض، الذي يصعب على الطرف الآخر تحمّله، وبالتالي ينتهي بالطلاق.
إننا أمام دورةٍ مفرغةٍ من إعادة إنتاج البؤس والشقاء البشري، لأكثر من 83 ألف بحريني بين مصابٍ وحاملٍ للمرض. ونحن نتحدّث هنا عن حوالي 11 بالمئة من السكان، إذا أخذنا بالاعتبار أن عدد السكان (القدامى) 740 ألفا، يتقاسمون الإصابة بين النوع الساحلي والإفريقي.
نحن أمام مرض بحريني مستوطن، تحدّثت عنه الاختصاصية شيخة العريض علميا، وتناوله نادر كاظم ثقافيا، وآن لوزارة الصحة أن تعالجه من منظور إنساني وعملي، لإنقاذ أرواح شبابنا الذين يحصدهم منجل السكلر ونحن نتفرّج أو نتحجّج بنقض الموازنة، فلا جاماياكا أفضل إمكانياتٍ منا، وليس «عام 2010 خالٍ من السكلر» غير قابل للتحقيق إذا توافرت الإرادة والتصميم.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2319 - السبت 10 يناير 2009م الموافق 13 محرم 1430هـ