العدد 2319 - السبت 10 يناير 2009م الموافق 13 محرم 1430هـ

الاقتصاد والسلام

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

تواصل «إسرائيل» هجومها «سكب الرصاص» على غزة في وحشية ودون أن تعير أي اهتمام لكل دعوات السلام أو مشاريعه، بما فيها تلك التي تقدمت بها منظمات دولية، كان آخرها قرار مجلس الأمن رقم (1860)، الذي رفضته «إسرائيل» لأنه، وبحسب الناطق الرسمي لوزارة خارجيتها في تصريح خاص بهيئة الإذاعة البريطانين (بي بي سي) «لا يضمن لـ»إسرائيل» الأمن الذي تحتاجه».

في خضم الانشغال بنتائج حروب مثل تلك التي تفتعلها «إسرائيل» بشكل دوري، تضيع قضايا استراتيجية أخرى، من نمط ما هي كلفة حرب مثل هذه. ربما من المبكر اليوم الخروج باستنتاجات تضع أمام أعين العالم كم تكلف «إسرائيل» العالم من جراء جر دوله إلى حروب دورية، بغض النظر عن نهاياتها أو الطرف المنتصر فيها.

ولكي يستطيع القارئ أن يلم بعض الشيء بكلفة الحروب يمكننا أن نسوق بعض الأرقام التي تكشف الكلفة قي مراحل الاستعداد للحروب، فعملية إنتاج غواصة نووية تنتجها مصانع الغرب، بما فيها «إسرائيل»، «وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، قد يبلغ ما يعادل الناتج القومي الأوّلي الخام لأربع وأربعين دولة من دول آسيا وإفريقيا والكاريبي.

وعلى مستوى الولايات المتحدة، لا نكشف سرا حين نقول، إنه قبل هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على الولايات المتحدة، كانت الموازنة الأميركية قد حققت فائضا بلغ قدره 172 مليار دولار خلال العام 1999، 236 مليارا في 2000، و127 مليارا في 2001. لكن وبعد تلك الهجمات وتبني إدارة بوش استراتيجيتها القائمة على «ملاحقة الإرهاب على المستوى العالمي»، وتورطها في حروب إقليمية في أفغانستان، ومن بعدها العراق، شهدت الموازنة عجزا بلغ ما يربو على 157 مليار دولار. هذا الوضع هو الذي قاد في بعض جوانبه إلى الأزمة المالية التي لايزال الاقتصاد الأميركي أكبر ضحاياها.

وبخلاف ما يتوقع البعض فإن النتائج السلبية للحروب لا تتحملها الدول المنهزمة فحسب، بل تعاني منها حتى الدول المنتصرة. فقد تراجعت بريطانيا العظمى من موقعها المتقدم عالميا كي تحل مكانها الولايات المتحدة، رغم أن بريطانيا وفرنسا، كانتا من محور الدول المنتصرة. واليوم، ورغم أن روسيا خرجت منتصرة في حربها التي شنتها في العام الماضي على جورجيا، وشاهد العالم، موسكو وهي تفرض شروطها على جورجيا المنهزمة وترغم عواصم العالم على القبول بالشروط الروسية، رغم عدم عدالتها. على الرغم من كل ذلك بدأنا نرى روسيا هي الأخرى تنزف من انعكاسات نتائج تلك الحرب على اقتصادها. فقد تلقت الأسواق المالية الروسية ضربات قاسية من قبل المستثمرين الأجانب، حيث فقدت البورصة الروسية، وفي يوم واحد فقط، ما يقرب الـ75 في المئة من قيمتها.

وفي 7 أغسطس/ آب 2008، وهو اليوم الذي بدأت فيه جورجيا تشن هجماتها على أوسيتيا الجنوبية، ما أدى إلى توسع دائرة المواجهات العسكرية هبطت احتياطيات البنك المركزي الروسي بما يربو على 16 ألف مليون دولار أميركي. حينها اعتبرت الأوساط المالية العالمية تلك الخسارة «الأكثر أهمية خلال العشر السنوات الماضية». وهذا ما أرغم وزير المالية الروسي أليكسي كودرين إلى مخاطبة المستثمرين من أجل طمأنتهم، واعدا إياهم بألا «يلحق الصراع ضررا بتوقعات الاقتصاد الكلي أو يتطلب تمويلا عسكريا إضافيا».

وعودة إلى غزة وما تشهده اليوم من مجازر، يمكننا الإشارة إلى ارتفاع أسعار النفط، واستمرار ذلك الارتفاع منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، وما رافقها من ارتفاع أصوات بعض الدول الأعضاء في منظمة أوبك لاستخدام النفط كسلاح في المعركة. وكما تناقلت وكالات الأنباء فقد «ارتفع سعر النفط لأكثر من 25 في المئة منذ أن بدأت «إسرائيل» هجومها على قطاع غزة في 27 من الشهر الماضي عندما كان سعر برميل النفط الأميركي الخفيف يحوم حول 35 دولارا».

هذا التذبذب في أسعار النفط، واضطراب أسعاره، ينعكس سلبا على اقتصادات الكثير من دول العالم، ومن أكثرها تأثرا الدول المنتجة التي يصعب، بفضل ذلك التذبذب وضع أي خطط مستقبلية.

باختصار يخسر الجميع من اندلاع الحروب باستثناء صنفين من الدول، الأول وهو من أمثال «إسرائيل»، التي يستحيل عليها الانتعاش أو حتى العيش في الأجواء السلمية. فهي دولة تعيش وتنمو على الأزمات والتوترات، التي تصعد منها تل أبيب كي تصل إلى مستوى الصدامات المسلحة، التي تمعن «إسرائيل»، قبل غيرها، في توسيع دائرتها كي يصعب احتوائها، وتتلاشى فرص الوصول إلى حلول سلمية دائمة بشأنها. إن من مصلحة «إسرائيل» المباشرة في استمرار الحروب، ومن ثم فليس من المستغرب أن نراها، ودون أي تردد ترفض قرارا مثل قرار مجلس الأمن الأخير رقم «1860».

الصنف الثاني من الدول هو ذلك الذي تدير الحروب آلة الاقتصاد فيه، فتنعشها، وأقرب مثال إلى ذلك النمط من الدول الولايات المتحدة، فهي أكثر من سواها اليوم من الدول التي تضررت من الأزمة الاقتصادية المالية، بحاجة إلى مصدر يعيد عجلة الإنتاج إلى الدوران وبسرعة تفوق المعدلات الاعتيادية كي تضمن تعويض ما فقده اقتصادها خلال تلك الأزمة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2319 - السبت 10 يناير 2009م الموافق 13 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً