لا يملك كل ذي حس وطني وضمير حي أن يقف موقف المتفرج إزاء ما يصدر من نقابة طيران الخليج العزيزة من سلوكيات وتصرفات تشعرنا بأننا في طريقنا كموظفين في شركة طيران الخليج إلى الزحف المقدس لخوض معركة شرسة ومقدسة ضد ما يُسمَّى بالإدارة العليا لشركة طيران الخليج التي طغت وتجبرت وتخطت وتجاوزت إلى غير ذلك من ألفاظ الشحن والتجييش التي دأبت على استعمالها نقابتنا الغراء.
أقولها بكل صدق وبساطة - وأترك الإجابة لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد - لمصلحة من هذا النهج المشَوَش والضارّ بسمعة ناقلتنا الوطنية والذي يجرنا إلى معارك جانبية يستنفد كل منا طاقاته بغير طائل ولا منفعة تُذكر؟ لماذا تُثار هذه الزوابع وقنابل الدخان في هذا الوقت بالذات يا أيتها النقابة المحترمة. نحن أمام قضية مصير شركة وطنية تحمل على أكتافها ما تئن به الجبال من التراكمات المتعددة التي أدت بها الآن إلى مفترق طرق، تكون أو لا تكون؟
إن القضية اليوم هي قضية بقاء أو فناء لطيران الخليج وكل من يخاف ويغار على إبقاء هذه الناقلة التي يشهد بخيرها الجميع ويشهد البعيد قبل القريب. هذا الصرح الشامخ أشاهده ويشاهده غيري وقد قام حفنة من عديمي الخبرة وقاصري النظر والذين لا يرون إلا موطئ أقدامهم، أراهم وقد بدأوا مسيرة الشؤم الهدامة تحت مسمى مصلحة الموظف وحقوقه ومكتسباته إلى غير ذلك من العبارات التي لا يدركون مدى فداحة جرمهم بالتلفظ بها وما تتركه من أثر سيئ على سمعة الشركة ومستقبلها. إن لديَّ تساؤلا يدعو إلى السخرية، هل دعوة الإدارة لكم بالتحاكم إلى القانون في شرعية إضافة النصف ساعة راحة من عدمها تدفعكم إلى إعلان الحرب عليها بهذه الصورة دون الاعتبار بمصالح الآلاف من الموظفين وعائلاتهم؟ أم أنها كانت مجرد أداة لصب جام غضبكم على الإدارة لحاجة في نفس يعقوب سيقضيها بعد عدة أشهر؟
ما أخرجني عن صمتي وما يُدمي القلب قبل العين أن نرى أولئك المخلصين والأمناء من أبناء هذا الوطن وهم يعملون ليل نهار لا يهدأ لهم بال ولا يستقر لهم جفن وهم يفكرون في مصير هذه الشركة التي تنزف ليل نهار وقد أعياهم الفكر في التوفيق بين وقف ذلك النزيف وفي الوقت نفسه المحافظة على مصدر رزق ذلك الموظف الذي جل همه عائلته ولقمة عيشه. هذا في الوقت الذي نرى فيه أصحاب البطولات الكرتونية والذين لا يدركون ما يحيق بطيران الخليج من الخطر، وليعلم القاصي والداني أن هذه الشركة لو كانت قائمة في منطقة أخرى من العالم لما كان لها وجود والكل يرى بأم عينه كيف تتهاوى الشركات العملاقة في مجال الطيران وغيره نتيجة لتداعيات الأزمة المالية التي يعاني منها العالم إلى جانب المنافسة القوية من قبل شركات الطيران الأخرى. قليل من الرحمة بنا يا نقابتنا العزيزة ولتحطوا بأجنحتكم على أرض الواقع ولتعوا حقيقة ما يجري حولكم ولتحمدوا الله على ما أنتم فيه ولتخلعوا عنكم أجنحتكم التي لبستموها ولتدعوها تطير بعيدا بأحلام يقظتكم التي لن تورثنا إلا الأسى. فلترفعوا أيديكم عن موظفي طيران الخليج أقولها صادقة من قلبي.
لقد ترددت كثيرا في الحديث عن نفسي لئلا يُقال أنني أنتهز الفرصة للحديث ولكني سأسوق إلى كل من يهمه شأن موظفي طيران الخليج حقيقة ما حدث لكي يعلم الجميع أن ما أسكتني منذ إثارة هذه الزوابع وما أنطقني أيضا هو المصلحة العليا لموظفي الشركة بلا مزايدات لا تنفع صاحبها إلا أن يحبط عمله لأنها إنما صدرت عن رياء ونفاق وسمعة.
لقد دأبت النقابة الغراء منذ اليوم الأول لبدء نشاطها على تهميش بعض أعضائها وعدم السماع إلى صوت العقل والمنطق والقبول بمبدأ التحاور والتشاور بالحجة والحكمة والموعظة الحسنة. وليسمح لي الإخوة الأعزاء في مجلس إدارة النقابة أن أبين لهم من واقع قانون النقابات العمالية شرعية ما ذهبوا إليه من تصعيد وقرارات سيكونون هم أنفسهم أول من يُتَّهَم بمخالفتها وبالتالي إدانتهم بما ارتكبوه من تجاوزات وليرجعوا بأنفسهم إلى قراءة وفهم واستيعاب القانون المذكور حتى يدركوا أن زمن التصريحات الثورية والحزبية التي اقتبسوها من سبعينيات القرن الماضي قد أكل عليها الدهر وشرب وقد ولى لغير رجعة.
ولنذكر بعضا من هذه المواد التي تدين أعضاء مجلس النقابة الأشاوس، لقد هددوا وتوعدوا ونفذوا ما ذهبوا إليه من اعتصامات وإضرابات وليعلموا أن المادة رقم (21) من قانون النقابات العمالية تشير إلى أن الإضراب وسيلة مشروعة للدفاع عن حقوق العمال ومصالحهم، ولكن وفقا للضوابط الآتية:
أ. موافقة ثلاثة أرباع الأعضاء الذين تتألف منهم الجمعية العمومية للنقابة من خلال الاقتراع السري.
ب. منح صاحب العمل مهلة لا تقل عن أسبوعين قبل الشروع في الإضراب. وإخطار الوزارة بذلك.
ج. أن يكون الهدف من الإضراب تحقيق مطالب اقتصادية واجتماعية خاصة بالعمال.
د. عدم المساس بأموال الدولة وممتلكات الأفراد وأمنهم وسلامتهم.
هـ. عدم جواز الإضراب في المرافق الحيوية الهامة وهي: الأمن - الدفاع المدني - المطارات - الموانئ - المستشفيات - المواصلات - الاتصالات السلكية واللاسلكية - الكهرباء - الماء.
و. عدم اللجوء للإضراب إلا بعد تعذر الحل الودي بين العمال وصاحب العمل. ويحسم الخلاف بينهما بالتوفيق أو التحكيم بواسطة لجنة للتوفيق والتحكيم تشكل من ثلاثة قضاة من المحكمة الكبرى المدنية - برئاسة أحدهم - يندبهم وزير العدل والشئون الإسلامية في أول كل سنة قضائية. ومندوب عن وزارة العمل والشئون الاجتماعية يندبه وزيرها. ومندوب عن وزارة التجارة والصناعة يندبه وزيرها. ومندوب عن ديوان الخدمة المدنية يندبه رئيس الديوان. ومندوب عن الاتحاد العام لنقابات العمال ومندوب عن منظمات أصحاب الأعمال. وتصدر اللجنة قراراتها بالأغلبية المطلقة وإذا تساوت الأصوات يرجح الجانب الذي منه الرئيس. وتندب اللجنة من بين أعضائها من يتولى التوفيق بين العمال وصاحب العمل. ويجوز لها أن تستعين بذوي الخبرة من خارجها. ويكون التوفيق بناء على طلب الطرفين فإذا رفضا اللجوء إليه أو تعذر الوصول إلى حل من خلاله تنعقد اللجنة بهيئة تحكيم وتفصل في النزاع دون حاجة إلى موافقة أيٍّ من طرفيه وذلك في ميعاد أقصاه أسبوع، ويحدد وزير العدل والشئون الإسلامية بقرار منه مكان ومواعيد وإجراءات انعقاد هيئة التوفيق والتحكيم ومقابل أتعابها وكيفية تنفيذ قراراتها.
إنني هنا أهيب بالإدارة أن تزيد من مخزون الصبر اللازم للتعامل مع النقابة وأوصيها بمد جسور التفاهم مع النقابة وإدراك حقيقة ربما تغيب عن رؤية الإدارة وهي أن التراكمات السلبية للإدارات السابقة هي التي تجعل النقابة دائما متوثبة وتقف على أطراف أصابعها وتجعل منها طرفا على أهبة الاستعداد للانقضاض على الخصم. لذا فإنني هنا أحذر من حقيقة أعتنقها وهي عدم إضاعة الفرصة التي أعتقد أنها ربما تكون الأخيرة في مسألة وجود طيران الخليج وهي الفرصة الثمينة لوجود رئيس تنفيذي على درجة كبيرة من الوعي بمسئولياته وليس كما اتهمته النقابة في أحد بياناتها بأن «تعبيراته تنم عن عدم وجود وعي ومسئولية تجاه استقرار العلاقات العمالية» فهو يتمتع بخبرة كبيرة في التعامل مع مثل هذه الأوضاع المتردية لشركات الطيران وأنا لست بصدد الترويج له فهو غني عن ذلك وليس كما اتهمته النقابة في معرض ردها على الرسالة الموجهة منه إلى الموظفين بأنه لم يسبق له أن تبوأ منصب الرئيس التنفيذي ونشرت ذلك مدعية أنه «معذورا نظرا إلى حداثة تبوُّئه لمنصب الرئيس التنفيذي» وأرجو من أعضاء النقابة الالتفاف حول الرئيس التنفيذي من منطلق وطني وأخلاقي ودعمه بكل الوسائل الممكنة حرصا على مصير الموظفين فلا طريق إلا طريق واحد وهو الحوار البناء وتفهم وضع الشركة بشفافية مطلقة.
ولنكن أكثر واقعية وإدراكا لما يحدث، فمن الوارد أن يصدر من الإدارة موقف غير مقبول من قبل النقابة والعكس ممكن فهل هذا يعني نهاية المطاف والسير في طريقين متعاكسين؟ إن الوقت ليس مناسبا لحدوث ذلك لأننا وإن أدار أحدنا ظهره للآخر فسنلتقي حتما لأننا نستقل القارب نفسه وسنلقى المصير نفسه فلا وجود لإدارة ولا وجود لنقابة بدون وجود طيران الخليج.
وأختم قولي بذكر قول من خاف على قومه الضرر في كتاب الله تعالى محذرا «فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد» (سورة غافر: الآية 44)
إقرأ أيضا لـ "محمد"العدد 2613 - السبت 31 أكتوبر 2009م الموافق 13 ذي القعدة 1430هـ