فيما تدور حوارات ساخنة ومكثفة في صفوف القوى السياسية البحرينية بشأن الأوضاع السياسية السائدة، ويجري التداول في موقف كل من تلك القوى من انتخابات البرلمان المقبلة، يحصر القطاع التجاري البحريني نفسه في إطار انتخابات الغرفة المقبلة، ويدفن إمكاناته السياسية بين ردهاتها، تاركة ساحة العمل السياسي لقوى، يشكو البعض منها فقر الخبرة السياسية الغنية التي بحوزة ذلك القطاع، ويعاني البعض الآخر من شحة الإمكانات الاقتصادية، التي يتمتع ذلك القطاع بفائض كبير منها، والتي تجعل من ذلك البعض فريسة سهلة الاصطياد لمن يريد خلخلة صفوف المعارضة، وإضعاف قواها.
كل العوامل القائمة تشير إلى أن مشاركة القطاع التجاري البحريني في الحياة السياسية وبشكل إيجابي مباشر باتت ضرورة ملحة، لا كما قد يصفها البعض بالممارسة غير المحترفة التي قد تضيف بعض الأرقام للمعادلة السياسية، لكنها لا يمكن أن تغير شيئا من من قيمة عوامل تلك المعادلة. هناك خانة سياسية، لا تزال فارغة، تناشد القطاع التجاري أن يمتلك الجرأة كي يحتلها، ويمارس دوره السياسي المؤثر من خلالها. وينبغي هنا التأكيد على أن الدعوة للعمل السياسي، لا تعني بأي شكل من الأشكال التقليل من أهمية انتخابات الغرفة، أو تقزيم شأنها.
ومن أجل فهم هذا الدور ورسم معالمه، وتحديد آفاقه، لابد أن يسبق ذلك تشخيص علمي دقيق للحالة القائمة التي يعيشها القطاع التجاري البحريني، والتي يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:
1. معاناة حادة من شرخ طائفي يقسم المجتمع التجاري إلى قسمين رئيسيين، لا يمكن القفز فوقه أو تحاشي إفرازاته السلبية. هذا الانقسام العمودي للمجتمع البحريني، الذي أحدثته تطورات تاريخية - ليس هنا مجال الخوض في تفاصيلها - ينبغي لمن يريد أن يحدد دور هذا القطاع أن يتوقف عنده، عوضا عن القفز فوقه أو دفن رأسه في الرمال تحاشياَ لرؤيته. هذا الجرح الطائفي النازف بغزارة، والمنهك لإمكانات هذا القطاع، يضع كل الخلافات الثانوية القائمة ضمن كل طائفة على حدة، في الصفوف الخلفية عند تحديد معالم التناقضات في ساحة العمل السياسي البحرينية.
2. طلاق غير معلن، ومقاطعة ضمنية ليس هناك ما يبررها، بين القوى السياسية العاملة وبين القطاع التجاري. فبينما «تتهم» المعارضة السياسية قطاع التجار بالجبن السياسي، وتوصمه بالذيلية للسلطة التنفيذية والتبعية لها، وخصوصا في المجال السياسي، يعتبر القطاع التجاري تلك المعارضة على أنها «ظاهرة غوغائية» تسيطر عليها «النزعات الانتهازية» وتلوث سلوكها الممارسات غير المسئولة، خاصة، عندما يتعلق الأمر بضرورة رؤية علاقات التأثير المتبادل بين النضالات السياسية والتطور الاقتصادي. أدى ذلك إلى قطيعة سياسية أفقدت الطرفين إمكانية الاستفادة من الطاقات التكاملية التي يتمتع بها كلاهما.
3. محطات استثنائية وآنية، حاول فيها القطاع التجاري التمرد على واقعه الساكن، والخروج من شرنقته التي حصر نفسه فيها، فشاهدنا بعض المبادرات السريعة الإيقاع التي لم تعمر طويلا، وعكست في بعض جوانبها ردود فعل عفوية وآنية تحاول التشبث بدور لم تكن قادرة على تحديد أهدافه، فجاءت النتائج مخيبة للآمال، وأدت إلى ردود فعل عكسية أضرت بالقطاع ذاته، وأرغمته على التراجع خطوات واسعة وسريعة نحو الخلف.
أخذا بعين الاعتبار هذه الحالة، يبقى السؤال قائما: هل يمكن أن يكون لتجار البحرين دور سياسي، وإن كان الجواب نعم فما هو هذا الدور؟
لا أعتقد أن هناك من بوسعه أن ينفي الحاجة إلى دور سياسي لتجار البحرين، وليس المقصود بهذا الدور، دعمهم المباشر أو غير المباشر لهذا المرشح أو تلك الكتلة البرلمانية، بقدر ما هو بلورة موقف واضح المعالم محدد الأهداف تتم على ضوئه وعلى أرضيته ممارسة التجار لهذا الدور، ومن خلاله يتم مد جسور التحالفات مع القوى السياسية الأخرى.
هذا الموقف من الخطأ أن يقتصر على وثيقة سياسية، إذ لابد له من وعاء يحتضنه ويروج له ويدافع عنه، الأمر الذي يقودنا إلى القول بأنه قد آن الأوان كي يمتلك تجار البحرين الجرأة وأن يقولوها بصراحة ودون مواربة أو تغليف، نحن كتلة اقتصادية - اجتماعية - سياسية تتمتع بثقلها الذي لا يمكن، ولن نسمح لأحد بأن، يتجاوزه. هذا القول يضع على القطاع التجاري مسئولية ضخمة لا يمكن التصدي لها من خلال جمع الأموال فحسب، أو التصريحات المتناثرة في الأجهزة الإعلامية فقط، بقدر ما تتطلب تشكيل تنظيم سياسي يدافع عن مصالح التجار ويحقق طموحاتهم.
ولابد من لفت النظر هنا إلى ضرورة التمييز بين هذا التنظيم وغرفة تجارة وصناعة البحرين، التي ينبغي لها اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الاستمرار في التمسك بدورها المهني البحت البعيد كل البعد عن ممارسة أي دور سياسي. إن خلط الأمور والزج بالغرفة في متاهات العمل السياسي سيفقد الغرفة رصانتها التي اكتسبتها على امتداد العقود المنصرمة، دون أن يمدها بالقدرة على ممارسة الدور السياسي البنّاء والمؤثر الذي نتحدث عنه.
ولربما أصبحت الظروف القائمة اليوم، كي تدعو الفئة المتنورة والأكثر تسيسا من القطاع التجاري إلى لقاء تداولي تحضره عناصر مختارة بدقة وبموضوعية من أجل مناقشة برنامج عمل سياسي قادر على مخاطبة ذلك القطاع كي يخرجه من سبات نومه السياسي العميق، الذي لم يعد هناك أي مبرر للاستمرار فيه.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2612 - الجمعة 30 أكتوبر 2009م الموافق 12 ذي القعدة 1430هـ