تضم مدينة نيويورك عددا مهما من السكان المسلمين، وتشكّل هذه الجالية انعكاسا للمدينة نفسها، نابضة بالحياة متنوعة زاهية الألوان. ويأتي مسلمو نيويورك من جنوب آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا وشرق آسيا وأوروبا ومن الأميركيين من أصول إفريقية، ويتكلمون مجالا واسعا من اللغات ويمارسون الإسلام بأساليب خاصة بهم ذات فروقات ثقافية دقيقة.
قرر أمان علي وبسام طارق، وهما مسلمان شابان من جنوب آسيا يقيمان في مدينة نيويورك، استكشاف التنوع داخل الجالية المسلمة في المدينة من خلال زيارة مسجد جديد كل يوم خلال شهر رمضان المبارك، من مسجد مالكوم إكس في هارلم إلى المركز الثقافي البوسني إلى المركز الإسلامي بجامعة نيويورك.
اكتسبت رحلتهم التي تم توثيقها على مدوّنتهم «30 مسجدا في 30 يوم» (30mosques.tumblr.com) تبعية ضخمة، حيث زار نحو 1500 شخص الموقع كل يوم لمعرفة اكتشاف الليلة السابقة. ومع حلول نهاية الشهر، حقق الشابان هدفهما بزيارة 20,000 زائر لموقعهما.
عند سؤالهما ما الذي ألهم «30 مسجدا»، أشار أمان إلى أن المشروع بدأ كتجربة شخصية بسيطة، حيث إن هناك عددا كبيرا من المساجد أراد هو وبسام اكتشافها في منطقة نيويورك. غمرهما عدد لم يتوقعاه من الردود التي حصلا عليها من مسلمين وغير مسلمين حول العالم، كتبوا معبّرين عن رغبتهم لمتابعة تجربة مماثلة في مدنهم أو مجتمعاتهم. ما بدأ كمغامرة شخصية ابتكارية تحوّل بسرعة ليصبح أسلوبا لربط الناس معا عبر العالم.
أراد المسلمان الشابان أن تكون التجربة طبيعية إلى أقصى الحدود، رغم الاهتمام الإعلامي الذي حصل عليه موقعهما مع مرور الشهر الكريم.
أراد أمان وبسام في نهاية الأمر توثيق المعاملة التي يحصل عليها أي مسلم يدخل مسجدا في المدينة. أدهشتهما الضيافة الحسنة التي حصلا عليها في كل مكان.
زار أمان في اليوم الثامن والعشرين مسجدا في حي البرونكس كان قد احترق في الليلة السابقة. رغم الكارثة اجتمع المصلون بإصرار ومرونة، وكتب أمان في موقعه:
«ذكر بلال (أحد المصلين) حديثا للرسول محمد (ص) هو المفضّل لدي، يصف بالضبط الوضع السائد الليلة، وهو أن مجتمع المسلمين مثل الجسد الواحد، عندما يصاب أي عضو فيه بالألم، يشعر الجسد كله بذلك الألم. بمعنى آخر، عندما يعاني أحدنا نشعر جميعا بالمعاناة. إلا أن بلال أبرز نقطة مثيرة للاهتمام، إذ قال إن هذا ينطبق أيضا على السعادة. عندما يشعر أحدنا بالسعادة، يجب علينا جميعا أن نسعَد له أيضا. أخبرني أن هذا ليس وقت الحزن والإحباط وإنما وقت الابتسام والسعادة لأننا هنا جميعا ندعم بعضنا بعضا مع انتهاء الشهر الفضيل».
كتب بسام في المدوّنة في اليوم التاسع عن المسجد الأقصى، وهو مسجد إفريقي غربي إلى درجة كبيرة في الحي الذي يقيم فيه. أخبرني كيف أصرّ رجل عليه أن يبقى لتناول الطعام بعد الصلاة، وتأكّد من معرفة الجميع بأنه ضيف يجب الترحيب به. وقد كتب بسام في الموقع «كان حسن الضيافة في شهر رمضان مثيرا للدهشة. كان هناك أمر يسود الجو، وكان يتحسّن باستمرار مع مرور الوقت».
تؤكّد كتابات كل يوم في الموقع على هذا الأمر، بأنه رغم خلافاتهم العرقية والثقافية والطائفية، كان المسلمون الذين قابلهم بسام مضيافين بشكل شامل.
أخبرني أمان: «بني المركز الإسلامي بجامعة نيويورك بأيدي الطلبة الجامعيين، بينما جرى تأسيس مسجد في جزيرة ستاتن من قبل رجل عَمِل في مصنع خلال الحرب العالمية الثانية. يصنع كل من هذه الخيوط السرد الأميركي المسلم. نحن متحدون في إيماننا بالله وباستقبالنا للآخرين واستضافتهم».
تعتبر هذه القصص بالنسبة لكل منهما منهجية في إظهار ما تستطيع الجالية المسلمة في الولايات المتحدة تقديمه، وكيف يتخذ المسلمون في أميركا موقعهم في الهوية الأميركية الأوسع.
أكد أمان قائلا: «هناك شعوب وأعراق وأديان عديدة في أميركا. ونحن نعيش في معظم الحالات بسلام جنبا إلى جنب. برز التحامل و»الصدام» بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول نتيجة للجهل وسوء الفهم. أحد أسباب قيامنا بهذا المشروع هو إثبات أن المسلمين ليسوا شخصيات ثنائية الأبعاد... وأن قصصا كهذه تضفي الإنسانية علينا».
ورغم أن رحلة أمان وبسام الروحانية إلى ثلاثين مسجدا لم تكن سوى محاولة متواضعة لكسر وجهات النظر الخاطئة، إلا أن سردهما الذي تلا يشير إلى سهولة إمكانية كسر الحواجز وتحدّي الصور النمطية ومعرفة بعضنا بعضا.
أخبرني بسام، الذي قابل مؤخرا عبدالستار أضحى العظيم أنه عندما طلب منه توقيع نسخة من كتابه كتب الباكستاني المشهور صانع الأعمال الخيرية: «أحبّوا بني البشر».
*مديرة «الرؤية الاجتماعية»، وهي الذراع الخيرية الاستراتيجية لمؤسسة ML للموارد ذات المسئولية المحدودة، وهي أيضا تدير مدونة «تغيير الباكستان»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
هذه الرسالة البسيطة، كتب بسام، «هي لبّ الموضوع».
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2611 - الخميس 29 أكتوبر 2009م الموافق 11 ذي القعدة 1430هـ