لم أكن أرغب في الكتابة مرة أخرى في موضوع الرقابة الإدارية، إلا أن ما شدني لهذا الموضوع هو ما تضمنه خطاب جلالة الملك في افتتاح الدور الرابع من الفصل التشريعي الثاني المتعلق بإنشاء ديوان للرقابة الإدارية. وهذا التوجه هو دليل على إدراك عميق لضرورة تكامل عناصر التنمية والتي ليس لها أن تستمر من دون إصلاح إداري.
وإذ إن الميثاق هو دليل عمل المستقبل والأساس الملزم للدولة في تطوير نظمها، وهو مرجع للمسيرة الوطنية كما جاء في مقدمته، فإن توجيه جلالة الملك بتبني الرقابة الإدارية إنما هو تفعيل لما جاء في الفصل الثالث منه والذي نص على إنشاء ديوان للرقابة المالية وآخر للرقابة الإدارية ليصاحب الانفتاح الاقتصادي تغيير في تفكير الإدارة العامة نحو تبسيط الإجراءات والشفافية والقضاء على التداخل في المسئوليات وتحسين مستوى الخدمات وفقا لمعايير النزاهة وتكافؤ الفرص.
إن فكرة إنشاء ديوان منفصل للرقابة الإدارية ليست جديدة ففي العام 2001 صدر قرار من ولي العهد صاحب السمو الملكي لوضع مشروع قانون ديوان الرقابة الإدارية، وفي العام 2002 صدر مرسوم أميري بتشكيل لجنة للتطوير الإداري، وفي ديسمبر/ كانون الأول من العام 2003 أقرّ مجلس الشورى مقترحا بقانون لديوان الرقابة الإدارية مدعوما بتوافق شعبي عكسه استفتاء أجرته إحدى الصحف المحلية صوت فيه 98 في المئة لصالح الرأي القائل: إن غياب الرؤية وسوء الإدارة سبب لتردي الوضع الاقتصادي.
إن نطاق عمل الرقابة الإدارية يتسم بالشمولية مقارنة بنطاق عمل الرقابة المالية لكونه يتضمن أبعادا مختلفة عدة يمكن إيجازها في ما يلي:
قبل بضعة أعوام صرح ولي العهد صاحب السمو الملكي أمام منتدى جدة الاقتصادي بأنه ليس أضر على الاقتصاد والتنمية من الفساد الإداري. وإذ إن أهداف التنمية الاقتصادية لا يمكن بلوغها إلا بالتخطيط، فإن الارتباط بين التخطيط كأداة للتنمية لا يكتمل من دون الرقابة وتقييم الأداء للتأكد أن ما تحقق مطابق للخطة الموضوعة، من هنا فإن رؤية البحرين الاقتصادية تتحقق بصورة مستدامة عندما تكتمل مقومات الإدارة العامة الأساسية ومن بينها الرقابة الإدارية التي من خلالها يمكن مقارنة الإنجازات ومطابقتها بالخطة الاقتصادية الموضوعة وهكذا تكتمل عناصر الإدارة العامة وهي التخطيط والتنظيم والقيادة والرقابة.
من أهداف الرقابة الإدارية هي احترام مبدأ المشروعية، أي مشروعية الأعمال الإدارية وضمان نفاذ القوانين والقرارات التنظيمية. وبعد أن استكملت مملكة البحرين أجهزتها التشريعية واكتسبت خبرة في إصدار سلسلة من التشريعات، تصبح الحاجة ماسة لضمان صحة تنفيذ القوانين من قبل مختلف الجهات التنفيذية، ومعالجة التظلمات وإجراء التحريات الإدارية والرقابة على تناسق القرارات الصادرة. فوجود الجهاز الرقيب كفيل بالحد من التجاوزات في هذا المجال. وهكذا تضيق المسافة بين إصدار القوانين وسلامة تنفيذها ويتم الحد من تحويل الاستثناء إلى قاعدة وهي الظاهرة التي تعمل على تقويض دولة القانون.
تعتبر الرقابة الإدارية حلقة الوصل بين السلطة العليا سواء كانت مركزية أو لا مركزية والأجهزة التنفيذية، فمن خلالها يمكن الحفاظ على وحدة وتناسق الإدارة داخل الدولة وخاصة عندما تتشعب الأجهزة وتمنح قدرا من الاستقلالية. لقد أنشأت مملكة البحرين أجهزة متعددة وفقا لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهذا التنوع والتشعب لا يمكن ضبط إيقاعه من دون معايير عامة تعمل كالخيوط التي تشد الأجهزة وتحافظ على تناسق القرارات الصادرة وتناغم فلسفة الإدارة العامة داخل الدولة. فمعايير الإدارة والتنظيم والهيكلة لا يمكن تركها دون مراجعة وتدقيق من قبل جهاز متخصص لضمان تنفيذها وفقا للمعايير والسياسات المرغوبة.
إن الارتباط بين الاقتصاد والإدارة يتمثل في أوجه عدة، فالبيروقراطية وتعقيد إجراءات العمل، وضعف التنسيق والربط الآلي لإجراءات العمل بين الأجهزة ذات العلاقة كالبلدية والكهرباء مثلا، وكذلك وغياب المعايير أو ضعف الأداء، والازدواجية والتداخل جميعها تنعكس سلبا على أهداف التنمية الاقتصادية وتعرقل تنفيذها، وهي أمراض تصبح مزمنة إذا لم يتم الكشف عنها ومعالجتها باستمرار من خلال المراجعة والتقييم والرقابة. وفي مملكة البحرين لدينا منها ما يبرر إنشاء جهاز لكشفها ووضع أسس علاجها.
يلتبس الأمر على البعض أحيانا بالدعوة لدمج الرقابة الإدارية في الرقابة المالية، كمن يدعو لإذابة الواحد في الآخر وإجهاض المهمتين بدعوى الحاجة لتخفيض التكاليف. ولتوضيح الفرق بين الاثنين والذي يجعل من دمجهما عملية شبه مستحيلة فقد قمنا باستعراض الأبعاد المتعددة للرقابة الإدارية، ولمزيد من الإيضاح والمقارنة نستعرض الآن المهمات الرئيسية لديوان الرقابة المالية كما نص عليه القانون.
ففي حين تتشعب مهمات الرقابة الإدارية، تنحصر الرقابة المالية في الرقابة على أموال الدولة والتحقق من مشروعية استخدام هذه الأموال كما حددتها المادة الأولى من الفصل الأول من القانون. وفصلت المادة الخامسة من الفصل الثالث اختصاصات الديوان وحصرتها جميعها في الشئون المالية والمحاسبيه والمتمثلة في تدقيق المستندات المتعلقة بالمستحقات والتحصيل والاعتمادات والمصروفات ومراجعة تنفيذ المشاريع في حدود الموازنة، ومراقبة حسابات التسوية وحسابات القروض واعتمادات القوى العاملة والكشف على المستودعات والمخازن من خلال فحص المستندات والسجلات والحسابات للتأكد من سلامة الجرد، والكشف عن حوادث الاختلاس والمخالفات المالية وجرد النقود والطوابع وفحص ومراجعة الحساب الختامي ودراسة تقارير مدققي حسابات الشركات.
كما نصت المادة السادسة على مراجعة اللوائح والأنظمة المالية والحسابية وأسلوب سير العمليات المالية وفحص أنظمة المحاسبة والرقابة الداخلية للحاسب الآلي.
وكما هو واضح أعلاه فإن نطاق عمل الرقابه المالية ينحصر في قانون الموازنة العامة وإجراءات الدليل المالي الموحد والأنظمة المحاسبية. أما نطاق عمل الرقابة الإدارية فهو أعمق وأشمل من حيث ارتباطه بمجمل القوانين الصادرة لتنظيم الإدارة العامة واستدامة الإصلاح الإداري والاقتصادي وسلامة تنفيذ الخطط المستقبلية.
من هنا فإن دمج هذه المهمات غير المتجانسة كما يدعو إليه البعض لا يعتبر فقط تجاوزا للقانون كما نص عليه الميثاق، ولا يخل فقط بمبدأ التوازن واستقلالية المهمات الرقابية عن بعضها، وبمبادئ الإدارة المتعارف عليها، بل يجعل من الرقابة مهمة مستحيلة وعبئا ثقيلاَ على جهاز واحد لضخامة حجم المسئولية والحاجة إلى كفاءات متخصصة مختلفة باختلاف طبيعة المسئولية، وستكون نتيجة الدمج إصدار تقريرين منفصلين من المفترض أن يكونا رقيبين على بعضها البعض إلا أنهما يصدران عن جهاز واحد. وبهذا يتم الإجهاض على الرقابة بمجملها ومعها جهود التخطيط والتنمية الاقتصادية المنشودة، ولتجنب كل هذا وذاك جاءت الإرادة الملكية بالتوجيه لإنشاء ديوان للرقابة الإدارية.
إنها خطوة حميدة ونتمنى من الجميع استيعابها.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 2610 - الأربعاء 28 أكتوبر 2009م الموافق 10 ذي القعدة 1430هـ
بكل الأبعاد .. تم الاستيعاب .. فمتى ومن ينهض ويترجم الجواب ؟!
رؤية الأبعاد كفلق الصبح ، تلمع ببريق الإرادة تسبقها خطوات لأساليب وتجويد التخطيط لإدارة دولاب التنمية الاقتصادية . ترجمت الأبعاد على هيئة ناصح مشير الذي ارتاد للتنمية الأفق الرحيب فأطلعته نتاج الخبرة و الريادة على ما لا يعلمون . كل الشكر للكاتب وللوسط ... نهوض .
هؤلاء يظنون إنهم بمنأى عن الرقابة ولكن نسوا أن الله مطلع على أعمالهم
هذا مسج واضح لوزارة الأشغال لتعديل وضعها مع تلك المديرة إما بتنحيتها فورا وإلا فأن ذلك الأمر سيرفع لقادة الوطن
يرجى كتابة المزيد والمزيد
يرجى كتابة المزيد والمزيد
ولتبدأ التوصية من إدارة الموارد المالية في وزارة الأشغال
ولتبدأ التوصية من إدارة الموارد المالية في وزارة الأشغال وخاصة بعدما شرعت مديرة إدارة الموارد المالية بالتضليل عن الإفصاح عن المعلومات في تقرير الرقابة النظامي في صفحة 10 بأنه لا يوجد في الوزارة من يحمل مؤهل ال سي بي اي وال اي سي سي ايه لأنه ذلك ينطبق عليها هي وليس بقية منسوبي الإدارة وخاصة بأن أصبح للكذب والتدليس والغش أساليب ووسائل تم امتهانها وباستغلال صغار الموظفين بتلقينهم الخطاب الساقط