لم يشكل فوز المخرجة السعودية هيفاء المنصور بمنحة الشاشة المقدمة من مهرجان الشرق الأوسط السينمائي، أية مفاجأة أو صدمة. كان الأمر متوقعا، فإدارة المهرجان التي وضعت شأن صناعة السينما في المنطقة على رأس أولوياتها، لم تكن لتتوانى لحظة واحدة عن تقديم الدعم لمخرجة لا تأتي من منطقة لا تصنع السينما وحسب، أو من مجتمعات لا تجد في هذه الصناعة سوى ترف ورفاهية لا حاجة لهما فقط، ولكن من بلد لا تملك المرأة فيه خيار تغيير واقعها عدا الإعلان به والتصريح برفضه.
ما لا يمكن تخمينه في هذا الإطار هو طبيعة ردود الفعل التي قد تحصل عليها المنصور بعد فوزها ذاك وإعلانها رغبتها في صناعة فيلم روائي طويل جديد، يناقش قضية نسائية أخرى عبر قصة أكثر جرأة وأكثر كسرا لتابوه المرأة في بلادها.
الحصول على ردود الفعل تلك لا يحتاج إلى مشقة كبيرة، نظرة واحدة لبعض مواقع الصحف التي نشرت الخبر، تكشف ما يحدث. أحد ردود الفعل المضحكة والمثيرة للشفقة في آن واحد هو أن منح الجائزة لهيفاء ليس سوى محاولة، أجنبية بكل تأكيد، للتغرير بهيفاء، كما غُرر بسواها، وأن التاريخ يعيد نفسه وأن الغرب لا يزال يتطلع لأن يبسط نفوذه علينا، محاولا اختراقنا هذه المرة عبر واحدة من حلقاتنا الضعيفة. هيفاء بالطبع هي تلك الحلقة بالنسبة لصاحب النظرية والغرب إذن يتآمر علينا عبر منحها الجائزة!.
السؤال المطروح هنا يتعلق بماهية هذه المؤامرة ودواعيها، إذ لا أدرك لما يحتاج الغرب لأن يتآمر علينا. في واقع الأمر نحن أمة تتآمر على نفسها ولا تملك ما يثير شهية أي طرف ليتآمر ضدها. لذا لا يحتاج الغرب لأن يجهد نفسه ويسخر طاقاته في تدميرنا، لا نملك ما يغريه، نحن نتآمر على بعضنا. ويكفى صاحبنا أن يكلف نفسه عناء الاطلاع على بعض المواقع الإلكترونية، اليوتيوب سيكون مثالا جيدا ليكتشف صدق «تخرصاتي»، له أن يطلع على كم الملفات التي يلغي فيها أحدنا الآخر. مهلا ربما يكون اليوتيوب هو الآخر اختراع أجنبي، هو إذن جزء من المؤامرة.
لا بأس إذن بنظرة في الأرجاء، دون اللجوء لأي وسائط إلكترونية، ليرى كيف يسعى أبناء الدين الواحد ليكفروا من يشاءون وكيفما يريدون، وكيف يخوّن أبناء الوطن الواحد أشقاءهم ويسعون لإلغاء بعضهم الآخر.
نحن أمة تمقت نفسها، لا نحتاج لأن يتآمر ضدنا أحد، فنحن متآمرون من الطراز الأول. حكوماتنا تتآمر ضد شعوبها، وفئات الشعب تتآمر ضد بعضها، ارحمونا يرحمكم الله من هذه الترهات.
هيفاء مخرجة واعدة وصانعة أفلام متميزة وإنسانة رائعة منفتحة على الحياة، تستحق أن تحصد الجائزة وأن تلقى ما يحتاجه فيلمها من الدعم لتعبر عما لا تتمكن كثيرات من التعبير عنه. ومهرجان أبوظبي له حسابات مختلفة، فنية، تجارية، ثقافية، لا يهم، المهم أنها لا تتوقف عند نظريات المؤامرة تلك، تنظر بعين منصفة ومحايد هي عين الفن التي لا تفقه هذه الترهات.
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 2610 - الأربعاء 28 أكتوبر 2009م الموافق 10 ذي القعدة 1430هـ