كثيرة هي الأشياء التي لا يصلح لها التحليل السياسي والخبري بقدر صلاح القريض والرثاء لها. كان يقول ذلك عزمي بشارة عن أحداث فلسطين، لكنني أعتقد أن أحداث العراق ليست بعيدة عن ذلك المدار وهو يسبح في بركة دم قانٍ منذ ما قبل ستة أعوام، ليس آخرها التفجير الذي استهدف وزارة العدل ومقر مجلس محافظة بغداد.
في كلّ حادث يحصل في بلاد الرافدين تخرج وكالات الأنباء بخبر يقول «إن هذا الحادث هو الأعنف منذ احتلاله في أبريل/ نيسان من العام 2003». المعنى في ذلك أن الأحداث الدامية هناك في صعود وتزايد. وهو مؤشّر أمني مخيف لا يُوفّر سوى غموض لمستقبل هذا البلد.
قبل أسبوعين أصدرت وزارة حقوق الإنسان في العراق إحصاءها الأول. الأرقام ذَكَرَت أن عدد القتلى بين عامي 2004 و2008 زاد عن خمسة وثمانين ألف قتيل، ومئة وخمسين ألف جريح، مُستثنية في ذلك قتلى وجرحى عامي 2003 و2009.
الغريب أن رقما بحجم خمسة وثمانين ألفا يُعتبر متواضعا جدا حين تُستَحضر مشاهد القتل اليومية التي كانت تصبّها وكالات الأنباء ومراسيل الأصدقاء والأهل عن ذويهم صباح مساء. بالتأكيد ليس ذلك استهجانا لأرواح القتلى بقدر ما هو استخفاف بهذا الإحصاء الناقص لعدد من قَضَوا.
المشكلة الحالية في العراق هي أكبر من أن تسمع عن عمليات قتل وخطف واغتصاب. فالأمر الذي يُشكّل هاجسا حقيقيا هو إرهاصات ذلك القتل والخطف، وكيف أن سلوكا اجتماعيا بدأ في التبدّل والتغيّر بين العراقيين. إنه العنف البيني.
قال لي أحدهم «بإمكانك الآن أن تحصل في بغداد وفي مَحَال للباعة على أقراص مُدمجة تحتوي على مشاهد قتل وذبح مُرعِبة. فقط حَدِّدْ طلبك. أريد مشاهد لذبح شيعي ضد سُنّي. أو ذبح سُنّي ضد شيعي». إنه نوع خرافي من الإدمان على العنف.
لقد سبّب الإيغال في الإرهاب والتمثيل ما بعد القتل لأن يتعذّر على وزارة الصحة العراقية أن تُحدّد هوية خمسة عشر ألف جثّة (بالتأكيد العدد أكبر) نتيجة التشويه، فاضطرّت لدفنها في مقابر جماعية، بحسب التقرير الأخير.
كثير من ممتهني ركوب نهري دجلة والفرات يتفاجأون بأن غنائم صيد شباكهم هي جثث منتفخة ومتفسخة لبشر مغدور بهم. رجال ونساء وأطفال وكهول ومعتوهين حتّى. فإخفاء الجريمة في النهر بات أمرا سهلا إن تعذّر رمي الضحية في مكبّات للقمامة.
قال لي أحد العراقيين إن أغلب العوائل العراقية مكلومة، ومفجوعة بفقد عزيز. كثير من المفقودين لم يعُد لهم أثر منذ سقوط النظام. هو يذكر أن أحد أبناء أخواله لم يُرَ له أثر منذ العام 2004، أما قريبه الآخر فقد وُجِدت جثّته وقد ألصِقَ رأس كلب على ترْقُوَته بعد فصل الرأس عن الجسد.
مجتمع العراق في عُمومه هو مجتمع عشائري. وهو بذلك يُجيد موضوع الثّأر وردّ المظالم حسب أنظمة غير مدنية. ولأن العشائر هي مُكوّنٌ صَلْب داخل النسيج الاجتماعي العراقي، وبالتالي فهي قادرة على فِعل شيء ضد خصمها.
ليس سهلا أن يُدمن العراقيون على مشاهدة مفارز أمنية وعسكرية، وجنود راجلين، ونقاط تفتيش، وملاحقات ميدانية وانفجارات مفاجئة. إنها وليمة دسمة للتطبّع الآلي (البيئوي) بمشاهد عنفية تمقتها النفس البشرية.
اليوم تُفصِح المنظّمات التربوية في العراق عن مشاكل بات يُبتلَى بها الطفل العراقي. فالمتابعات الخاصة بتلك المنظمات أظهرت ميلا غير عادي لدى الأطفال نحو استخدام العنف في تعاملهم اليومي. وعندما ينمو جيلٌ على هكذا شعور وميول واتجاهات فإن المشكلة تُصبح أكثر تعقيدا وخطورة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2610 - الأربعاء 28 أكتوبر 2009م الموافق 10 ذي القعدة 1430هـ
عجباً لأمر المسلمين
قال لي أحدهم «بإمكانك الآن أن تحصل في بغداد وفي مَحَال للباعة على أقراص مُدمجة تحتوي على مشاهد قتل وذبح مُرعِبة. فقط حَدِّدْ طلبك. أريد مشاهد لذبح شيعي ضد سُنّي. أو ذبح سُنّي ضد شيعي». إنه نوع خرافي من الإدمان على العنف.
كم مؤثر أن أقرأ عن هذا النوع من الإدمان وكيف لمسلم أن يستلذ بموت أخيه المسلم ..
سلمت أناملك بوعبدالله
ليسقط المنافقين
شاء الحاقدون ام ابوا ستقوم العراق شامخه باطار الدين المحمدي الاصيل