العدد 2609 - الثلثاء 27 أكتوبر 2009م الموافق 09 ذي القعدة 1430هـ

مؤتمر عمّان حول مشاريع التغيير في المنطقة العربية والفن الدبلوماسي الرفيع

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

لقد تلقيت دعوة خاصة للمشاركة في مؤتمر «مشاريع التغيير في المنطقة العربية» الذي عقده مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان بالمملكة الأردنية الهاشمية من 19-22 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، ورغم كثرة مشاغلي فلم أستطع رفض الاستجابة لحضور المؤتمر لعدة أسباب.

الأول: أهمية الموضوع المطروح بشأن مشاريع التغيير في المنطقة العربية.

الثاني: طبيعة علاقتي بالأردن كدولة عربية شقيقة وشعبها فهي دولة أثبتت طوال تاريخها قدرة على الصمود والمرونة والحزم عند اللحظة المناسبة، وشعبها أكن له إعجابا ومحبة خاصة من واقع معايشتي له على مدى ثلاث سنوات عملت فيها في الأردن في بداية عملي الدبلوماسي ولمست مدى أصالة هذا الشعب وإيمانه بعروبته ومحبته لكل مصري بل لكل عربي.

الثالث: وهذا أثار إعجابي ودهشتي وهو أن السفير حسين المجالي سفير المملكة الأردنية الهاشمية لدى مملكة البحرين عندما علم بطريق غير مباشر أنني سوف أذهب للمؤتمر اتصل بي شخصيا وعبّر عن اهتمامه بزيارتي لبلاده وأبدى استعداده لتقديم أية تسهيلات. فشكرته وأوضحت أن منظمي المؤتمر يقومون باللازم. وهذا هو مصدر الإعجاب. أما سر الدهشة فهو أنه أعاد إلى ذاكرتي الفن الدبلوماسي الرفيع الذي تربيت عليه منذ بداية عملي الدبلوماسي من حيث البحث عما له علاقة مباشرة أو غير مباشرة ببلادي أو زيارتها أو بالمواطنين أو المسئولين من دولتي الذين يزورون الدولة التي اتواجد فيها، حتى أن أكثر من زائر كنت أقابله صدفة في الفنادق المختلفة وأقدم له نفسي وأقول إنني سمعت عنه عرضا، ولذلك حضرت إليه شخصيا وأدعوه لعشاء أو غداء/ وكان الضيف يتساءل مستغربا ومندهشا كيف أنني أهتم به إلى هذه الدرجة فأجيبه هذا هو طبيعة عملي الدبلوماسي الذي تعلمته على يد أساتذة الدبلوماسية المصرية وفي كتب الدبلوماسية العريقة.

وجاءت لفتة كريمة من الوزير نايف القاضي وزير الداخلية الحالي بإرساله باقة ورد إلى غرفتي في الفندق واتصال مدير مكتبه بي عدة مرات لإبداء حرص الوزير على مقابلتي ولكن لظروف طارئة في اللحظة الأخيرة لم يتمكن الوزير من الحضور للقائي في الفندق. والوزير نايف القاضي تزاملنا معا كممثلين دبلوماسيين لبلادنا في جامعة الدول العربية وهو من الشخصيات النادرة في نبل الأخلاق ودماثة الخلق.

كانت أبرز الأفكار التي طرحت في المؤتمر:

1 - أن هناك العديد من المشروعات للمنطقة يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات:

الأولى: مشروعات رئيسية خارجية: المشروع الأميركي، المشروع الصهيوني، المشروع الإيراني والمشروع الروسي.

الثانية: مشروعات خارجية ثانوية أو محتملة المشروع الروسي والمشروع الأوروبي، والمشروع الصيني، والمشروع الهندي.

الثالثة: مشروعات من المنطقة وهي المشروع الإسلامي والمشروع القومي العربي.

2 - إن المشروعين الأميركي والصهيوني يعملان ضد مصالح الأمة العليا، ويشكلان خطرا حقيقيا على مشروع النهضة العربي الإسلامي في المنطقة.

3 - إن التيار الإسلامي الحامل للمشروع الإسلامي تمكن من السيطرة على توجهات ومزاج الشعوب العربية وخصوصا بعد دخوله المعترك السياسي في المشاركة أو المغالبة أو الإصلاح السياسي لدرجة الوصول والمشاركة في الحكم في بعض المحطات، كما في السودان والجزائر وفلسطين ولبنان كذلك جهوده في مواجهة حملات التغريب الهادفة لطمس الهوية العربية.

4 - أن المفكرين المعبرين عن التيار القومي العربي ظلوا متمسكين بأسسه القائمة على حفظ الأمن القومي العربي رغم أنه يعاني من غياب التيار الحامل رسميا وشعبيا.

5 - إن المشروع الإيراني تطور منذ أوائل الثمانينيات في القرن العشرين ويتجه لتشكيل قوة عظمى -على حد تعبيره- في منطقة الخليج وقد دخل عصر المنافسة النووية مع الكبار منذ العام 2000. ولكن التوجهات الإيرانية المتعددة الاتجاهات والمستويات شكلت أيضا تحديات داخلية وخارجية للأمة العربية، وخاصة نظرية تصدير الثورة، كذلك التدخل الإيراني في العراق، وحمايته للنظام السياسي العراقي الذي يتهم بممارسة الإقصاء الطائفي. ولكن إيران -من ناحية أخرى- شكلت داعما لمشروع المقاومة العربي الإسلامي في لبنان وفلسطين، وقدرات إيران تشكل حماية دولية وإقليمية مهمة للموقف السوري ضد الإملاءات الأميركية فيما يتعلق بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي. ومن الضروري التحاور مع إيران للبحث عن القواسم المشتركة وتحييد مجالات الخلاف التي تستغلها أطراف خارجية تؤثر سلبيا على العرب.

6 - أن الخطر والتحدي الرئيسي للأمة العربية هو المشروع الصهيوني المدعوم أميركيا.

7 - أما بالنسبة لمستقبل المنظمة بحلول العام 2015 كما عبّر عنه معظم الباحثين ومن واقع المداخلات يتمثل في:

- استمرار حالة الضعف لغياب الإرادة العربية.

- استمرار حالة التهميش والتشتت نتيجة الضغوط الصهيونية والأميركية وأيضا المشاريع الأخرى وبخاصة الإيراني مع إبراز الفارق بين طبيعة هذه المشاريع والنظر بنوع من الإعجاب به والقلق منه.

وحول سيناريوهات المستقبل فقد بحث المؤتمر سيناريوهات ثلاثة هي: الأول تدهور الوضع العربي وفرض تسويات على المنطقة، الثاني حدوث دفعة قوية وذلك من خلال عقد عربي جديد يرد الاعتبار للمشروع القومي العربي، والثالث أسماه «الإقلاع» وهو الحديث عن مأزق النظام العالمي بدلا من الحديث عن المعركة القومية العربية. ومع التأكيد على أهمية الإحياء العربي أي السيناريو الثاني، إلا أنه يقتضي توافر شروط تتمثل في ضرورة وجود نخبة عربية نهضوية قومية مؤمنة بالمشروع.

وضح من المداولات إجماع على إدانة المشروع الصهيوني والأميركي للارتباط الوثيق بينهما، وخلافات حول المشروع الإيراني بين ثلاث اتجاهات أحدها يرى في إيران عدوا خطيرا، والثاني يرى في إيران حليفا وصديقا، والثالث يرى عدم استعداء إيران وإنما السعي للتحاور معها، وأنه لا يمكن مساواتها بـ «إسرائيل».

كانت المداخلات من القاعة تعليقا على الأوراق كثيرة ومتشعبة الاتجاهات لأن المشاركين أنفسهم كانوا ينتمون لمختلف التيارات على الساحة العربية ومختلف المذاهب.

كان المشاركون الفلسطينيون المقيمون في الأرض المحتلة وبعضهم من عرب 1948 أكثر عقلانية في مداخلاتهم من بعض المشاركين العرب المقيمين في الدول العربية أو المحللين السياسيين المقيمين خارج المنطقة العربية، وعندما حللوا المشروع الصهيوني قدموا نقاط القوة ونقاط الضعف فيه وإنجازاته وإخفاقاته، ويبدو أن حالة الاحتلال والمعاناة أنضجت عقولهم وأدخلت عليهم قدرا من الواقعية والبراغماتية بينما ظل العرب في الخارج أسرى الشعارات، حتى أن عددا من المشاركين كانوا يعترضون على ذكر اسم «إسرائيل» ويصرون على تسميتها بالكيان الصهيوني وإدانة كل الأنظمة العربية بلا استثناء لعجزها في مواجهة «إسرائيل» وتطرف البعض لاتهام هذه الأنظمة بالخيانة والعمالة ودعا للإطاحة بها.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2609 - الثلثاء 27 أكتوبر 2009م الموافق 09 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:32 ص

      عبد علي عباس البصري(والعكس صحيح)

      رؤية معكوسة
      عتريسي: اعتبار أن الخطر قادم من إيران وليس إسرائيل رؤية أميركية إسرائيلية (الجزيرة نت)
      ورأى أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتور طلال عتريسي أن البعض في العالم العربي "لديه رؤية معكوسة للأمور".
      وقال للجزيرة نت إن الدعوات لاعتبار أن الخطر قادم من إيران وليس من إسرائيل هي رؤية "أميركية إسرائيلية تحاول أن تصور إيران على أنها الخطر".
      وأضاف أن إيران تحاصر بسبب مواقفها وسياستها في دعم المقاومة في العراق وفلسطين.

اقرأ ايضاً