جرى إغراء ياسر عرفات لحضور اجتماع مع إيهود باراك في كامب ديفيد في صيف العام 2000 بوعد ألا يُلام إذا فشل المؤتمر. المؤتمر فشل، وتعرّض عرفات للّوم. دُعي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لحضور اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك دون أية وعود كهذه.
لم يتعرض عباس للّوم، ولم يكن الاجتماع فاشلا.
تعامل الاجتماع في نيويورك مطلع الشهر الجاري مع أزمة آنية وهدف استراتيجي طويل الأمد. وُجدت الأزمة نتيجة لرفض نتنياهو التحرك قيد أنملة عن موقفه المتعلق بتجميد كامل للاستيطان الذي اقترحته الإدارة الأميركية ورفض عباس التفاوض في غياب هذا التجميد.
لم يكن لدى الفلسطينيين وهم يدخلون إلى الاجتماع الثلاثي أية توقعات بإمكانية أن يحقق الرئيس الأميركي باراك أوباما تجميدا كاملا للاستيطان أو حتى أن يجد طريقا للخروج من الأزمة، دعك من تقديمه التزاما وآلية لتحقيق هدف استراتيجي رئيسي.
إلا أن أوباما رفض الاستسلام بشأن مطلبه بالتجميد. بدلا من ذلك فضّل رؤيته في مضمون القضايا الأكبر. تجاوب مع رفض نتنياهو بأن طالب بهدف أكثر طموحا واستراتيجية: استئناف المحادثات حول قضايا الوضع النهائي، وهو أمر لم يكن بمخيلة نتنياهو على الأرجح.
في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة وضع أوباما أُطر هذه المفاوضات: الأمن للجميع، الحدود، اللاجئون والقدس. وقد قال مضيفا المزيد من الوضوح إن الهدف كان إنهاء الاحتلال الذي بدأ العام 1967، وأعلن أن النشاط الاستيطاني «غير شرعي».
قد يكون نتنياهو كَسِب الجولة الأولى حول تجميد الاستيطان ولكنه خسر قضية شرعيتها. إضافة إلى ذلك كانت نهاية اللعبة هي عن إنشاء دولة فلسطينية، وهذا أمر مازال على الطاولة. سوف يخضع التزام نتنياهو بحل الدولتين، والذي عبر عنه مرتين حتى الآن في تصريحات رسمية، لاختبار جدّي في مفاوضات جديدة.
وعلى رغم أنه قد يكون أوقف مؤقتا السعي لتجميد الاستيطان، بقي عليه أن يثبت أن معارضته كانت حول هذه القضية وحدها. بقي إقناع العديد من الأطراف بأن «إسرائيل» جادة فيما يتعلق بإنهاء النزاع لأنها تعتقد أنها تملك قاعدة لا تُستَنفد من الدعم الأميركي، حتى لو اتخذت مواقف لا تتناسق مع المصالح الوطنية الأميركية.
إلا أن الالتزام الاستراتيجي الأميركي تجاه «إسرائيل» لا يمتد ليغطي احتلالها للأراضي الفلسطينية. لقد أوضح أوباما بما لا يدعو مجالا للخطأ أن سياسة الدولتين تشكل هدفا حقيقيا، وأنه على استعداد لاتخاذ مخاطرات حقيقية لجعل ذلك يحدث.
يعلم الفلسطينيون أنهم لا يستطيعون تحمّل خسارة دعم الرئيس الأميركي، وخاصة أنه نادى بمفاوضات فورية حول جميع القضايا بما فيها القدس، واعتبر توسيع المستوطنات غير شرعي ودعاهم للعمل على وضع الشروط المرجعية. تقدم هذه الحزمة للفلسطينيين أسلوبا مقبولا لاستئناف المفاوضات.
يتوجب على الفلسطينيين مواصلة الإصرار على تجميد كامل للاستيطان. إلا أن رفض التفاوض في غياب هذا التجميد يعني ببساطة عدم التفاوض، الأمر الذي لا يمكن أن يخدم المصالح الفلسطينية. يجب ألا تؤدي الشكوك حول نتنياهو، مهما كانت مبررة، إلى جمود سوف يدفع الفلسطينيون ثمنه بشكل غير متكافئ.
عندما يطلب أوباما من الفلسطينيين وضع حد للتحريض، يتوجب عليهم الإصغاء.
من الأهمية بمكان أنه لم يجد شيئا آخر يطلبه منهم. قد يحقق اللغط القديم الذي مضى وقته في الإعلام العربي معبرا عن عدم الرضا بالرئيس الأميركي، بعض النقاط المحلية، ولكن قد تكون له كلفة أعظم في الإضرار بالجهود الدبلوماسية الفلسطينية.
لقد تحدى رئيس الوزراء الإسرائيلي الرئيس الأميركي. سوف تكون لذلك نتائج حقيقية بالنسبة إلى «إسرائيل» وقيادتها. قد يكونون يأملون أن ينقلب حظ أوباما السياسي إذا أخذنا بالاعتبار التحديات الجمّة التي يتوجب على إدارته مواجهتها. قد يأملون ادخار دعم داخل النظام السياسي الأميركي أو أن الفلسطينيين أنفسهم سوف ينقذونهم عن غير قصد من خلال تصرفهم بشكل زائد، مساهمين في إفشال المطالب الأميركية من «إسرائيل».
هناك احتمالات كبيرة في أن يخسروا هذه المقامرة. قد يبقى أوباما متمتعا بشعبيته ومصرّا على حل هذا النزاع. إضافة إلى ذلك، مازالت الجالية اليهودية تساند بقوة حل الدولتين، وكذلك معظم الشعب الأميركي. ويُعتبر حتى فقدان القليل من متانة العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة مخاطرة لا يستطيع القادة الإسرائيليون تحمّلها.
وبما أنه لا يوجد حل عسكري متوافر لأيٍّ من الطرفين، يتوجب على كل منهما أن يجد سبيلا للتفاوض على أسلوب للعيش جنبا إلى جنب في قطعة أرض ضيقة. وبما أنه لا يمكن أن تكون هناك مفاوضات ذات معنى في غياب مشاركة نشطة للولايات المتحدة، فسوف تستمر سياساتها ومصالحها الوطنية تشكّل قضايا أساسية.
* رئيس فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين، وعضو في المجلس الاستشاري للشرق الأوسط لمنظمة البحث عن أرضية مشتركة، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2608 - الإثنين 26 أكتوبر 2009م الموافق 08 ذي القعدة 1430هـ