العدد 2607 - الأحد 25 أكتوبر 2009م الموافق 07 ذي القعدة 1430هـ

طموح إيران النووي... أهو للمِشْكَاةِ أم للمِصْبَاح؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الأسبوع الماضي تحدّثت عن حالة سياسية إيرانية قائمة. ادّعيت أن بسببها يغيب وَهَجُ الضربة العسكرية (الصهيونية أو الأميركية) للمنشآت النووية الإيرانية. هي تبقى خيارا لكنه غير متاح بالضرورة. هكذا أدّعي.

اليوم أتحدّث عن أصل البرنامج النووي الإيراني الذي كتبتُ فيه أكثر من خمسة وثلاثين مقالا من الحجم الكبير لرصد تطوّراته. وفي كلّ مرة أجد نفسي (ويجدّ القارئ نفسه) تائها بين تطوّراته المتلاحقة التي فرضتها الأحداث والمفاوضات.

في هكذا موضوعات تحضر القلم فُرُوض مختلفة. بعضها إعلامي وآخر استخباراتي. وهو مخزون خبري يستند في أغلبه إلى رافدَين من المعلومات:

الأول: ما يصدر عن الإيرانيين أنفسهم من معلومات. وهو في عُمومه لا يحمل سبرا لغور أيّ باحث، على اعتبار أنه ومن غير الممكن أن يكشف الإيرانيون عن حقيقة ما يملكون.

منتهَى التصريح هو ما يُتيحه الخبراء والسياسيون الإيرانيون للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وما تحصل عليه هذه الوكالة من صور تُزوّدها بها الكاميرات الأمنية المُثبّتة داخل معامل الأبحاث والمعامل النووية في نتنز وآراك وبوشهر.

والثاني: ما تبثّه وكالات الاستخبارات العالمية من تقارير تستند في أغلبها على معلومات يُقدّمها عُملاء مُفتَرضون في الداخل الإيراني لا تحمل كثيرا من الصّدقيّة إذا ما تمّ استحضار حجم التكتّم الإيراني الرسمي على المنشآت النووية، وبالتالي فهي تبقى في حدود الظنون أو الشكوك.

وإذا ما عُلِمَ بأن علي أشتري الذي كانت قد جنّدته مخابرات الـ سي آي أي والموساد قد اكتُشِف من قِبَل المخابرات الإيرانية قبل عام من اعتقاله، الأمر الذي دَفَعَ بالإيرانيين لأن يُزوّدوه بمعلومات خاطئة ومُضادة، سيُعلم حينها حجم التشكيك في المعلومات التي تبثّها وكالات الاستخبارات الغربية.

أقول هذا الكلام وأنا مُؤمن بأن المسافة التي تفصل الحدس الاستخباراتي وبين ما هو قائم بحقيقته كبيرة جدا. قد تتقلّص وتزداد لكنها محكومة بأمرين اثنين:

الأول: وجود قناة تجسّس مأمونة وذات يد طُولى داخل المشروع النووي الإيراني.

والثانية: أن لا تكون الفجوة الوقتية بين الحدث ورصده كبيرة.

في حال الملف النووي الإيراني فإن المشروع بدأ جنينيا بعد خطاب سرّي بعث به رئيس مجلس القضاء الأعلى ومحكمة التمييز آية الله محمد حسين بهشتي للإمام الخميني في العام 1981 لإعادة العمل على إكمال المفاعل النووي.

كانت طهران حينها تسعى إلى تجميع خبرات نووية تستطيع أن تتعامل مع أجهزة ميكرون 16 الليزريّة الحسّاسة لإنتاج البلوتونيوم التي كان الشاه قد تسلّمها قبل انتصار الثورة الإسلامية بعام واحد من الولايات المتحدة.

وإذا ما ثبّتنا أن الإيرانيين بدأوا عمليا في مشروعهم النووي بحلول العام 1984 عندما باشروا بنقل مركز أميرآباد النووي إلى مجمّع آخر للبحوث النووية، وبناء مركز جديد بجامعة إصفهان، يُصبح الأمر غاية في التعقيد.

فالأميركان كثّفوا مراقبتهم الاستخباراتية للنشاط النووي الإيراني بحلول العام 2001 أي بعد سبعة عشر عاما من العمل الإيراني الدؤوب في المشروع. وما تلا ذلك كان خليطا من مراقبة دولية ومفاوضات تخلّلها تسريع إيراني في المشروع بُغية حسمه.

قبل تلك الفترة كان الإيرانيون قد بنوا مشروعات نووية أخرى في محافظة يزد وتعاونوا مع الأرجنتينيين والصينيين والألمان والأسبان والبلجيكيين والإيطاليين وحازوا على تقنية الإيزوتوب الليزري، وتقنية أجهزة الطرد المركزي P1.

نتيجة لكلّ ذلك أفترض أن الإيرانيين فعلوا الكثير في برنامجهم النووي. وهو بالتأكيد ما قاد إلى معارضة غربية قائم على فرضيات أقصاها أن الإيرانيين سيحصلون على قنبلة نووية كاملة الدّسم بحلول العام 2009 وفي أسوأ الأحوال في العام 2013.

وحسب تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية بواشنطن والصادر في الرابع عشر من مارس/ آذار المنصرف فإن النطاق الزمني من بداية المشروع النووي حتى نهايته والبالغة ثلاث وأربع سنوات هي كالتالي:

تجميع ما بين 1300 - 1600 جهاز للطرد المركزي وربطها مع بعضها البعض لتكوين ما يشبه الشّلاّل المتسارع ووضع جهاز للضبط Control وبناء أجهزة أخرى للتغذية Feed والسحب، مع إبقاء اليورانيوم النقي في محور أجهزة الطرد.

وفي حالة اختبار جهاز التخصيب يتطلّب الأمر عاما كاملا. والتخصيب الكافي لليورانيوم عالي الخصوبة (235 الانشطاري/ الفصل) المُستخدَم في السلام النووي ومن ثمّ عسكرته يتطلّب أربعة أعوام.

هنا لن نفترض ما تفترضه التقارير الاستخباراتية ومعاهد الدراسات المرتبطة بدوائر صنع القرار الغربي، إذا ما أخذنا تصريحات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي الذي يُؤكّد ومنذ العام 2007 أن الهواجس الغربية بشأن عسكرية البرنامج النووي الإيراني هي «سياسية» وليست «فنيّة».

وعليه فإننا نقول ما يقوله في العادة منطق استخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية سلمية، والتي بات يستخدمها العالم الصناعي الأول فتُنتج باريس 77 في المئة من كهربائها عن طريق الطاقة النووية، وطوكيو بنسبة 30 في المئة، ولندن 27.2 في المائة، وواشنطن بنسبة 20 في المئة وبرلين بنسبة 29,9 في المئة.

في الحالة الإيرانية فإن توسّع الديمغرافيا التي وصلت إلى 74 مليون نسمة والتّمدد العمراني والتي تتطلب طاقة مُولِّدَة متزايدة يُصبح الأمر مُلِحّا لمهندسي الخطط التنموية الإيرانية.

في الزيادات المُفتَرضة للطاقة التقليدية والنووية فإن ارتفاع الكلفة في الحالة التقليدية (غاز) فإن سعر الكهرباء سيصل إلى 70 في المئة. وفي الحالة التقليدية (فحم) فإن سعر الكهرباء سيصل إلى 31 في المئة. أمّا في الحالة النووية فإن الزيادة لن تزيد على الـ 7 في المئة. (راجع ما كتبه الدكتور محمود نصر الدين).

ليس بوسع إيران إلاّ أن تقود خطة بعيدة الأمد لتوفير طاقة بديلة عن الطاقة التقليدية لتوليد الكهرباء والطاقة. فهي الأقدر على الديمومة والأقلّ كلفة، ومن شأنها أن تُقلّل من استهلاك النفط والغاز وتأثيراتهما على البيئة. وللحديث صلة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2607 - الأحد 25 أكتوبر 2009م الموافق 07 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:36 م

      المستقبل لمن ؟!

      في حلقة هذه الليلة من المسلسل الايراني طريق بلا نهاية على قناة الكوثر استثارني الحوار الذي دار بين بطلي المسلسل ( منصور وأنور ) حول أن الاعتماد على الغرب في كل مجالات الحياة يصنع دولة متطورة من الناحية العمرانية والاقتصادية ولكنها تكون دولة ضعيفة تابعة مستهلكة لا تمتلك مصيرها بيدها , ولكن الدولة التي تنتهج طريق الاعتماد على النفس في الانتاج والتصنيع قد تسلك طريقاً بطيئاً في التقدم والتطور ولكنها تعيش دولة قوية مقتدرة عزيزة لا سبيل للنيل منها .
      ولكن السؤال الجدير طرحه المستقبل نصيب من ؟

    • زائر 3 | 9:43 ص

      خطة ايران

      ايران عملاقه جغرافيا وتنمويا وتعداد السكان فى تزايد فهي تريد مصلحة البلد والمواطنين الغرب تريد لها التخلف ....لا عوده للوراء ايران فى تطور انشاءالله.

    • زائر 2 | 6:00 ص

      الهدف المنشود

      ستبلغ الجمهورية االاسلامية المكانة المرموقة باذن الله شاء الغرب أم أبى

    • زائر 1 | 12:17 ص

      لا نريد ان نؤمن

      لا نريد ان نؤمن بنظرية المؤامر لكن الغرب يدفعنا للإيمان بها . في كل القضايا السياسية والحقوقية لم ينتصر يوما إلا مع خصمنا . ما تقوم به إيران هو ما يجب على الغرب ان يسمعه منها

اقرأ ايضاً