في اللقاء مع المدير التنفيذي لمهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، بيتر سكارليت، حدثني عن توجه إدارة المهرجان المختلف والمميز لدعم صناعة السينما وصنّاعها في المنطقة وذلك بالتركيز على الحال الفنية والإبداع بعيدا عن حسابات الربح والخسارة. هيئة الثقافة والتراث في أبوظبي، بحسب سكارليت، على استعداد تام لأن تتحرك بصدقية عالية في هذا الاتجاه مقدمة الدعم بكل أنواعه لنشر ثقافة صناعة السينما في المنطقة.
لمست ذلك في حجم الإنفاق على المهرجان وفي نوعية الأفلام التي قدمت فيه ولمسه كثيرون غيري. لكن وكما يحدث في جميع المهرجانات، حال أن ظهرت النتائج، برزت الأصوات المعارضة والمنتقدة والمشككة، متهمة لجان التحكيم بالانحياز لطرف هنا أو هناك، مرجعة أسباب الفوز لحسابات خاصة تتعلق بإدارة أي مهرجان، ربما للعلاقات العامة «الخاصة» للجان التحكيم مع صنّاع الأفلام.
مهما يكن من أمر تلك الإدعاءات وسواء أكانت صحيحة أم إنها محض اتهامات باطلة، فإن فوز فيلم المخرج البحريني، محمد إبراهيم محمد «زهور تحترق» بجائزة أفضل فيلم خليجي قصير بمهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، وحصول أحد ممثليه وهو الفنان إبراهيم البيراوي على جائزة أفضل ممثل خليجي، لا يمكن أن يدرج تحت قائمة الاتهامات أعلاه لأسباب كثيرة. في واقع الأمر، يأتي هذا الفوز متناغما إلى حد كبير مع ما تحدث عنه سكارليت بالنظر إلى الحال الفنية بشكل مجرد.
فوز محمد، وحديث سكارليت الذي ظل يتردد صداه في رأسي، ثم التشكيك في النتائج، أوصلني لتساؤل وجدته يطرح نفسه بقوة وهو «ماذا لو كان المهرجان بحرينيا، هل سيحصد محمد إبراهيم، وفيلمه، وبطل هذا الفيلم أي جوائز.
بنظرة خاطفة سريعة لما يحدث على الساحة الثقافية البحرينية، يمكن القول، إن حظوظ محمد ستكاد تكون حينها معدومة. أعراف المنافسات البحرينية في أي مجال ثقافي تقتضي بألا يحصل «أي كان» على جوائزها.
بداية، سيكون عدد من الجوائز محجوبا، لأسباب ستتحفظ عليها لجان التحكيم، فقط ليثبت البعض فوقيته، ثم تأتي الحال السادية، التي تبدو مقننة إلى حد كبير، في تضييق الخناق على المبتدئين من الشباب مهما بلغ حجم إمكاناتهم وموهبتهم. بعدها ستذهب الجوائز الأولى والثانية والثالثة وصولا إلى العاشرة إن وجدت لمن حصدها في العام الماضي والعام ما قبله، وما قبل ما قبله وصولا إلى أعوام طويلة تسبق عام مولد محمد وغيره من الشباب. الاحتكار هنا هو سيد الموقف وبعض أولي الأمر من المثقفين يؤمن أن المجال يجب ألا يفقد «برستيجه» بأن يكون مفتوحا لمن هب ودب. بعد ذلك سيسلم ما تبقى من الجوائز والتشريفات لأصحاب العلاقات العامة «الخاصة».
هذا هو عرف بلادنا وهذه هي عاداتنا وتقاليدنا العريقة في المهرجانات وهذه هي الأسباب التي تبطل ما يصيبك من عجب حين تسمع عن حال الانتقاد والتذمر الدائمة التي يعيشها بعض البحرينيين حيال أي نتائج في أي حدث ثقافي. لا يتمكن هؤلاء من استيعاب شفافية لجان التحكيم التي أدت لفوز محمد. لا يمكنهم هضم فكرة ألا تكون تصنيفات الشباب وانتماءاتهم وهوياتهم هي الحكم الأول والأخير في استحقاقهم لأي جوائز أو تكريمات.
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 2603 - الأربعاء 21 أكتوبر 2009م الموافق 03 ذي القعدة 1430هـ