العدد 2603 - الأربعاء 21 أكتوبر 2009م الموافق 03 ذي القعدة 1430هـ

أقدار سورية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

التاريخ والسياسة والجغرافيا هي مضامين لحالة قائمة عند الدول. لا يُمكن لأيٍّ من هذه المضامين أن يستأسد على غيره أو يُلغيه. بالإمكان ترتيب تفاهمات ومواءمات بين كلّ ذلك، ولكن من غير المُمكن تعبيد الطريق لخيار واحد فقط.

أفغانستان دليل على ذلك. تخيّل أن حلف شمال الأطلسي المُكوّن من تسعٍ وعشرين دولة والذي استطاع أن يفتّ إمبراطورية بحجم الاتحاد السوفياتي ويُواجه حلف وارسو وينهي أزمة كوسوفو ومقدونيا والبوسنة، غير قادر الآن على حسم معركة في أفغانستان ضد أفراد يلبسون السراويل وقمصان فضفاضة.

في العام 2007 نفّذ «النَّاتيون» 3572 مهمّة جوية ضد أهداف لطالبان لكن لم يتحقّق أيّ نصر. بل العكس وأكثر حين قامت القوات الإيطالية والكنديّة بتقديم الرِشا لمقاتلي حركة طالبان لكي يوفّروا لهم الحماية في مناطق سوروبي!

القضية ليست في هؤلاء الطالبانيين فقط، بل هي في التاريخ والجغرافيا والحدود والأوضاع الاجتماعية. فهذا الحزام القبلي الممتد من هلمند وقندهار وغازني وباكتيكا وكويتا حتى سلسلة هندوكوش موصول بتاريخ عمره أربعة آلاف عام ومحكوم بِبُنَى اجتماعية ودينية متماسكة، اضطرّت حتى الأديان للتعايش معها.

هنا أصِل إلى نقطة نظام. هذه قاعدة. حَدَثَ ذلك (بمستويات مختلفة طبعا) مع دول كثيرة. بعضها في العسكرتاريا (كما يجري اليوم في أفغانستان) وبعضها في السياسات القاسية والحصار كما جرى مع سورية. إنه نموذج جيد للنقاش.

عندما كان الغرب (وفي طليعته فرنسا) يُصوّبون الفوهة على صدغ السوريين استمرّت أزمة لبنان. وعندما فَهِمَ الفرنسيون (والغرب عُموما) خطأ ذلك أدركوا أن التفكير في إسقاط النظام السوري ليس مُكلِفا فقط وإنما قاتلا ما دام اللعب بالسياسة معه صعبا.

اليوم نسمع الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان يقول «تربطني علاقة خاصة بسورية». وإن علاقة فرنسا بسورية هي «لمصلحة لبنان كما هي لمصلحة آخرين في المنطقة». (راجع مقابلة كلود غيان في صحيفة «الحياة» بتاريخ 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2009).

إذا حدود الدول لها قرار وسطوة. لو لم يكن كذلك لما احتاج العالم لعلاقات وسفارات ونفوذ وتحالفات. حين يكون السوريون جيرانا للبنانيين ويجمعهم تاريخ قريب جدا فهذا يعني أنهم أقرب من غيرهم لقضاياه.

لك أن تتخيّل أن رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو زار دمشق. وهكذا فعلت رئيسة فنلندا تاريا هالونين، وهاتَفَ وزير الخارجية السويدي كارل بيلدت نظيره السوري وليد المعلّم.

وزار نائب وزير الخارجية الروسي الكساندر سلطانوف دمشق أيضا. وسيزور وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير دمشق السبت. وكذلك سيفعل كل من وزير خارجية تشيخيا يان كوهارت ورومانيا دورو كوستا قريبا. إنه أكثر من حجّ سياسي.

اليوم يُصرّح الأوروبيون أنهم وافقوا على اتّفاق شراكة موسّع بينهم وبين سورية والإعلان عن توقيعه في لوكسمبورغ في السادس والعشرين من الشهر الجاري، لكن الأخيرة أبدت ردّة فعل دبلوماسية تليق بالتحوّل الذي جرى بشأنها.

قال السوريون إنهم «يُجرون دراسة مُعمّقة وشاملة وتفصيلية قبل التوقيع، وبما ينسجم مع المصلحة الوطنية، ولا يسمح بالتدخل في الشئون الداخلية لسورية». إنها مفارقة عجيبة تحتاج إلى التفاتة.

ليس بالضرورة أن يتحوّل كلّ ذلك إلى تحالف استراتيجي ومصالح ضاربة أو استقرار دائم، بقدر ما هو يعكس حقيقة وهي أن السّياسات قابلة للتحوّل بشكل دراماتيكي وكأنها كاملة الحواس.

بالتأكيد فإن السوريين دفعوا ثمن مواقفهم طيلة السنين الأربع الماضية لكنهم أيضا باتوا يجنون ثمار تلك المواقف التي كانت تتطلّب عضّا على الجراح، وصبرا خرافيا على نيّة حقيقية لهجوم عدوّ مشهود. هكذا كان وهكذا يكون الحال اليوم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2603 - الأربعاء 21 أكتوبر 2009م الموافق 03 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 8:10 ص

      المشكلة أعمق

      النظام السوري لا يريد أن يفتح ملف المعتقلين السوريين و خاصة معتقلي الرأي و هذا سبب عدم توقيعه على اتفاقية الشراكة فأوروبا تطلب اطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين لا ذنب لهم سوى حمل رأي مخالف

    • زائر 1 | 12:06 ص

      المصالح

      هذه هي السياسة . المصالح ثم المصالح

اقرأ ايضاً