بناءٌ ذكيٌ وتخطيطٌ غبي! هل يمكن لهذا الثنائي أن يأوي خمسين ألف أسرة تآكلت أكبادها من سأم الصبر وملل الانتظار؟! كيف ذلك وبعض هذه الأسر شارف عمر طلباتها على العشرين عاما ومازالت تنتظر الفرج، وكلما طالبت بتعجيله أجابوها بتأجيله؟!

حديث ذو شجون! وإذا أردت أن تغرق في هذا البحر من الشجون فما عليك إلا أن تتبادل أطراف الحديث مع أحد ضحايا الحل الغبي للمسألة الإسكانية المعقدة بأكثر من تعقيدات المسائل الرياضية المطولة، فبعض هؤلاء الضحايا بفضل هذه الحلول النامية أو المتخلفة صاروا هم وأبناؤهم على قائمة انتظار واحدة، فالأب ينتظر وابنه ينتظر، ومنهم من حظي ببيته الأخروي قبل بيته الدنيوي!

ولكن من يدري؟ لعل موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب؟! فهذه المرة يدور الحديث عن بناء ذكي خارق للعادة، وسيلد من رحمه عشرة آلاف بيت دفعة واحدة، وكل ذلك بفضل التلقيح الصناعي الصيني، فبعد عقم إسكانيّ يصل إلى عشرين عاما، سيحظى الناس بآلاف من بيوت الأنابيب، وهناك تبشير بولادات أخرى لا تجيد الإنجاب إلا بالآلاف!

في كل منعطف من هذه الأزمة الأبدية تثور موجة امتصاص لوجع المنكوبين عبر حقن مخدرة، ولكن تكرار هذه الحقن أبطل مفعولها فصارت لا تمتص شيئا من الوجع، وصار الناس لا يثقون بالتصريحات الوردية التي تسكنهم قصورا مشيدة في المنام، وتسحقهم في خرائب متهالكة ضيقة في اليقظة!

هذه هي طبيعة خطط وزارة الإسكان تقتصر فقط على إطعام الناس الهواء، فلو تتبّعنا الوعود التي أطلقتها هذه الوزارة لأحصيناها في قائمة يزيد طولها على قائمة الطلبات البالغة خمسين ألف طلب، ولو حصرنا عدد الوحدات البالونية التي يُعلن عنها بين الحين والآخر، لزاد تعدادها على تعداد المواطنين والمواطنات، والقاطنين والقاطنات، الأحياء منهم والأموات! ولكنها كانت بيوتا لا يزيد حجمها عن حجم الأوراق التي تُكتب عليها هذه الوعود!

من يدري فربما تحقق عملية البناء الذكي هذه المرة نقلة نوعية في تاريخ الأزمة الإسكانية، ولعلّ هذه العملية هي عملية الوعد الصادق، الوعد الذي لا يتذوقه المنفيون بين أسطر قائمة الطلبات الإسكانية، ولا أعرف كيف يمكن لوزارة لا قدرة لها على الاطلاع على شكاوى المواطنين المتكدسة في أدراجها بالمئات، أن تنجز آلاف الوحدات الإسكانية؟!