العدد 2602 - الثلثاء 20 أكتوبر 2009م الموافق 02 ذي القعدة 1430هـ

إضاءات من داخل المجتمع البحريني

سلمان ناصر comments [at] alwasatnews.com

.

من المفيد للمرء، أحيانا، أن يتعلم من واقعة اجتماعية قد لا تكون تعنيه لسبب أو لآخر.

ومن الطبيعي أن تكون أهواء المرء بهذا الاتجاه أو ذاك، لاعتبارات يقدرها هو بنفسه ليس الآخرون، ولهذا الاعتبار قد يتجاوز حدثا هنا أو هناك، فثمة بين الناس من يهوى كرة القدم أو من يهوى الجلوس أمام شاشة التلفزيون، أو من يهوى الجلوس بالمقاهي، وإلى ما هناك من هوايات من الصعب إن لم يكن مستحيل تعدادها أو تخيلها.

ولكن ما يستوقف المرء، أو ما يجب أن يستوقفه بتعبير أدق، أن يقرأ واقعه الاجتماعي، وما قد يزيد من قدرته على فهم الحياة وبالتالي قدرته على تفهم رسالته بالذات في سياق سنوات عمره، ومن هنا تأتي أهمية بعض الوقائع الحياتية التي تمنح المرء فرصة الإفادة منها، ولكن يصعب على الفرد أن يختزل بكلمات قليلة ميسرة حملت في تفاصيلها الحلو والمر، النجاح والإخفاق، الفرح والحزن.

وبمفهوم شخصي أجد إذا ما رجعت قليلا إلى الماضي القريب أجد نفسي أقف عند السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، حيث تعتبر تلك السنوات، انطلاقة لفكر المواطن البحريني سياسيا اجتماعيا مدنيا... الخ، والسؤال هو: هل مرآة الفرد تعكس حياة وإنتاج وجهد الفرد في حقل الإبداع الحياتي؟

بالرجوع بالذاكرة إلى الوراء عشرات السنين، هذا يعني أن أعود طفلا بين أبي وأمي وإخوتي وإلى البيت القديم وإلى الجيران والجدران والفرجان القديمة، لتضعني في البيت الذي عشت فيه طفلا ويقع خلفه جيراننا البسطاء مثلنا في ذلك الحي القديم.

كان البيت جميلا وكبيرا تحد أطرافه الغرف وله فسحة سماوية واسعة تتوسطها أرض رملية تزين أحدى زواياها بعض أشجار النخيل، كما أن هذا البيت الذي ترعرعت فيه كان مركزا للقاء العائلة، يلتف أعضاؤها حول سفرة الطعام، هذا تقليد عشناه ولم يتغير في محيطنا الأسري.

العلاقة بين الجيران كانت تسودها الصداقة والمحبة والألفة والاحترام المتبادل، علاقات مجردة عن المصالح، حيث يشكل الجيران نسيجا عائليا فسيفسائيا جميلا منسجما، مازلت أذكر منهم الكثيرين.

في هذه الأجواء الاجتماعية الرائعة نشأت وكبرت حالي حال بقية المجتمع البحريني من هم بسني وأكبر، فالمجتمع البحريني كان الموطن والنموذج للعيش المشترك، والعلاقة بين الأديان والطوائف علاقة تفاهم مفعمة بمحبة واحترام الأديان والطوائف والأعراق.

وهنا أسأل لماذا بعد الألفية وانتقال فكر الفرد البحريني الذي عاش هذا الماضي الجميل، يعيش هذه المرحلة من الشتات الفكري والأيديولوجي؟

لماذا الفرد لم تعد لديه القدرة على تجاوز الماضي بسلبياته وإيجابياته والعمل على ما هو قادم لبناء مستقبل، يدعو له الكل؟

يتهيأ للشباب والشابات - في اللحظات الأولى للإدراك والفهم الناضجين - أن يكتشفوا بجدية وحق حوارهم مع أنفسهم وحوار المجتمع معهم مثلما يؤدي الحوار بجمعه إلى اكتشاف نموذج الدولة العصرية وعوامل بنائها الحقيقي، المجتمعي والدستوري والقانوني. ولأول مرة تنشأ فكرة في ذهنية الفرد بأن خيار الاختيار ينبثق من إرادته بعد مشاركته الفعلية في انتخاب من يمثله في التشريع وتقديم الخدمات. وبذلك فإن الفرد والمجتمع البحريني يشهدان نموا وتطورا لفكرة الديمقراطية فضلا عن ممارستها ومعطياتها على الأرض، ولكن المبادرة الديمقراطية في الوقت الحالي تسيطر عليها بعض القوى السياسية بمفهوم مناطقي وطائفي، علما بأن الفرد يجب أن يتسلم المبادرة في صيغة متنامية، تبدأ بالوعي داخل قطاعات واسعة وتنتهي باستثمار الحصيلة التطبيقية وحساب التحول من سيطرة القوى السياسية والمناطقية إلى تكييف منظومة جديدة من العمل والاستناد إلى قوانين وأنظمة تراعي إرادة المجتمع شيئا فشيئا أكثر من تطلعات الإدارة السياسية لهذه القوى، حيث مثل هذا الوعي والاتفاق على مسألة مهمة من مسائل الفرد في مختبر الديمقراطية، يعد شيئا كبيرا لدى المراقب من خلال تقييمه للمواقف، ويمكن هنا أن نحدد مواقع خريطة المجتمع المدني والأهلي، وتقييم المؤسسة الدينية بشقيها السني والشيعي والمتمثلة في المرجعية وموقفها السياسي الداعم لهذه الكتلة أو تلك أو من يرفع شعار القوي الأمين.

ويبقى السؤال هل هذا الدعم مستلهم من واقع المرحلة الراهنة فقط، أم أنه بناء مفاهيمي وشرعي متجذر؟، إذ جرت العادة مواءمة الشريعة مع القوانين المدنية.

أما بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني التي تطالب هي الأخرى بوجود لها على الخريطة، فما كان إلا وخرج عليها تكتل التجار، حيث هناك أصوات تطالب بضرورة وجودهم تحت قبة البرلمان، والغريب أن تمت مباركة هذا التوجه من قبل بعض الجهات.

ما أردت قوله أن المؤسسات المجتمعية على رغم تبايناتها في الأدوات، إلا أنها أكدت حقيقة في الوعي السياسي، كما تؤكد ترسيخ القواعد المجتمعية وأدوارها بين المجتمع والدولة.

إذن من يمثل ذلك الحراك (المدني أو الأهلي)، هل هو التاجر أم من المفترض غيره؟

وهنا أقول إن غاية العمل السياسي والعملية السياسية، بمعنى من سيصل إلى البرلمان، ومن سيمثلنا نحن عباد الله في الدور التشريعي المقبل في مجلس النواب الموقر، حيث الغاية بدون أدنى شك هو الشعب، وماذا سيقدم عليه السياسيون، وماذا سيحصلون عليه عندما تتكلل جهودهم المضنية للوصول للبرلمان بنجاح.

باختصار ليس من السهل على الفرد الاستجابة السريعة لتلك المتغيرات طالما الكتل السياسية لا يمثل وجودها توافقا يرجح مصالح المجتمع، حيث التبست الأهداف الشعبية المجتمعية في سياق إرادة الكتل السياسية بشقيها.

فهل نحن بحاجة إلى مرآة للنظر بها لهذا الواقع أم نحن بحاجة إلى فهم رسالة الفرد في سياق سنوات عمره؟

إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"

العدد 2602 - الثلثاء 20 أكتوبر 2009م الموافق 02 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:24 م

      تسلم يمينك

      تسلم يابوخالد مقال 100%
      صعب نقد مثل هذا الكلام

    • زائر 2 | 2:49 ص

      كاتب يحترم القارئ

      و النعم فيك بو خالد سبع انعام مقال رائع لفكر ناضج يقوم على احترام الذات و الحمد لله ان البحرين مليئة بالشرفاء امثالكم و شرواكم

    • زائر 1 | 12:46 ص

      اضائات

      تسلم يمناك يابوخالد راشد الملا

اقرأ ايضاً